بعد حرب المواقع التي جرت مجرياتها بين المتسولين طيلة أيام الشهر الفضيل بمحاذاة الأسواق والمساجد والمخابز وغيرها من المحال ها هم يوجهون الوجهة في هذه الآونة إلى المقابر، بحيث شهدت جل المقابر تدفقا كبير لفئاتهم من مختلف الشرائح العمرية، كونهم على يقين من التوافد الكبير عليها كعرف التزمت به العديد من العائلات الجزائرية في يومي العيد والإرادة القوية للكل في التصدق على موتاهم فكانت الفرصة لهؤلاء لاستبدال وجهتهم قبيل العيد. نسيمة خباجة في جولة لنا عبر بعض مقابر العاصمة على غرار سيدي يحي، مقبرة قاريدي، مقبرة بن عكنون وقفنا على ذلك العدد المعتبر من المتسولين الذين تجمعوا بمحاذاة الأبواب الرئيسية، ومنهم من اختار وطأها والحوم بين عائلات المتوفين لجلب انتباههم واستعطافهم وكانت تلك المواقع سبب مشادات كلامية وعراكات بين المتسولين كيف لا وهي مواقع الحرفة التي امتهنوها واكسبوها صفة الشرعية لوحدهم باعتبارها مصدرا هاما يدر عليهم أموالا طائلة، وقد احتل هؤلاء تلك المواقع قبل العيد بأيام وازداد التوافد عليها عشية عيد الفطر المبارك مما يؤكد أن هؤلاء باتوا يتحينون الفرص لاستنزاف جيوب المواطنين بغير وجه حق والنصب عليهم واكل أموالهم بالباطل، بدليل الحرب الناشبة بينهم حول مواقع ممارسة الحرفة المعهودة والتي ازدادت وتيرتها قبل العيد. لاسيما وانه من أعراف الأسر الجزائرية إقبالها الكبير على التصدق على الموتى مهما اختلفت الصدقات سواء كانت أموالا أو مواد غذائية أو غيرها من الصدقات، ولو أن المتسولين المزيفين يفضلونها أموالا إلا أنهم لا يمانعون مسك غيرها من الصدقات، والتخلص منها مباشرة بعد ابتعاد الشخص المتصدق عن عيونهم ذلك ما كشفه الواقع في العديد من المرات. واتجاه المتسولين إلى المقابر يؤكد أن هؤلاء صاروا يخضعون إلى ضوابط تفرضها عليهم المناسبات الدينية التي يزداد نشاطهم فيها فبعد رمضان الذي عرف نشاطا كبيرا لهؤلاء الفئات جاء العيد من بعده من اجل مراجعة هؤلاء لرزنامة مواقيتهم و مواقعهم، وكانت الوجهة في هذه المرة المقابر فتهافتوا عليها لهثا وراء الكسب الحرام. وقد بدت الشوارع نوعا ما خالية من فئاتهم عشية العيد واستراحت منهم أرصفتها التي عاقروها طيلة شهر كامل بعد أن اكتظوا وتدافعوا بأبواب المقابر، فالتهافت عليها من طرف أهالي الموتى صبيحة عيد الفطر المبارك يعد بمثابة الصفقة المربحة على فئاتهم خاصة وان الكل يهب إلى التصدق على الشخص المتوفى من العائلة، مما يتيح لهم الفرصة لازدهار مداخيلهم. اقتربنا من مقبرة سيدي يحي بالعاصمة فقابلنا ذلك العدد الكبير من المتسولين الذين تجمعوا بمحاذاتها، وحسب ما استقيناه من معلومات فان هؤلاء وفدوا إلى هناك في الأسبوع الأخير الذي يسبق العيد لاحتلال الموقع وتفادي شغله من طرف آخرين خاصة وان اغلبهم استبدلوا وجهتهم نحو المقابر في الآونة الأخيرة للزيادة في المداخيل. ما يؤكد أن التسول صار حرفة يمتهنها الكثيرون بدليل السبل والطرق الاحتيالية الممارسة من طرفهم بغية النصب على الآخرين واغتنام المناسبات الدينية لجلب استعطاف الناس والاستفادة من صدقاتهم سيما وانه لازال من الناس من يتصدقون عليهم علتهم في ذلك أن الصدقة هي لوجه الله تعالى عن حسن نية، ولا تهمهم الحالة الحقيقية للمتسول وان خادعهم فهو لن يخادع إلا نفسه بأكل السحت.