تبيت عائلة متكونة من 7 أفراد في العراء منذ قرابة الشهرين بمنطقة بئر مراد رايس بالجزائر العاصمة، وهذا بعد قرار الطرد الذي صدر في حقها من مجلس قضاء الجزائر، فأردنا الاطلاع عن قرب على كيفية تحملها للظروف الطبيعية في ظل البرد الشديد التي تشهده العاصمة في المدة الأخيرة وتفاصيل هذه المأساة في وسط بئر مراد رايس· وقد تصادف تنقلنا لمقابلة أفراد هذه العائلة مع رداءة الجو، بحيث فتحت السماء بماء منهمر دون توقف، ولأن أحياء العاصمة في مجملها تعني من الحفر والبالوعات الضيقة التي لا تتحمل كمية كبيرة من الماء، فسدت أغلب الطرق وتحولت بعض الشوارع إلى مستنقعات، وفي ظل هذا الوضع كانت عائلة فتوش في العراء تتحمل كل هذه الظروف تحت خيمة في قارعة الطريق، بعد أن أغلقت في وجهها كل الحلول وطردت من بيتها الذي كان يؤويها في شارع خوجة الجلد·· تحت سماء ماطرة داخل خيمة في وسط بئر مراد رايس جلسنا نستمع إلى رواية وقائع سنين الجمر والعذاب التي عانتها هذه العائلة التي تشتت شمل أفرادها في أماكن مختلفة بعد أن أصدر مجلس قضاء الجزائر بتاريخ 10 نوفمبر الماضي قرارا بالطرد في حقها لأن القطعة الأرضية التي يقع فوقها هذا البيت القصديري المتكون من غرفتين بالإضافة إلى بيوت أخرى مجاورة تسكنها أكثر من 5 عائلات تم طرد ساكنيها في وقت سابق بعد ظهر أن له مالك خلال سنة 2004 يريد استرجاعه لاستخدامه لمنفعته الخاصة دون النظر إلى حالة هؤلاء السكان ومن بينهم هذه الأسرة التي بقيت طوال سنوات ترافع عن حقها منتقلة من محكمة إلى أخرى، إلا أنها في آخر المطاف ذاقت مرارة الطرد من بيت آواها لأكثر من 27 سنة، من ثمة انعدام مسكن آخر تلجأ إليه فكان الشارع خيارها الأول والأخير، وكانت تظن أنها فترة وجيزة وستمر خاصة بعد وعود السلطات المحلية وعلى رأسها البلدية بعد أقدمت العائلة المطرودة على غلق الطريق الرابط ما بين الينابيع وبئر مراد رايس احتجاجا على الظلم الذي تعرضت له دون تدخل من السلطات لإنقاذها من الشارع خاصة أن لها الحق في السكن الاجتماعي أو إعادة الإسكان بالنظر إلى الظروف الكارثية التي كان يعرفها البيت القصديري قبل تهديمه، وقد وعدت العائلة من طرف أحد المسؤولين في بلدية بئر مراد رايس بحل المشكل في أقرب وقت ومساعدتها بشتى الطرق، إلا أنهم تراجعوا من حيث أن البلدية لا تملك الآن سكنات جاهزة إلا أنهم سيكونون ضمن المستفيدين من سكن في أي مشروع اجتماعي أو إعادة الإسكان الذي قد يمس المنطقة التي تحوي حيا قصديريا لأكثر من 50 عائلة يزدادون كل يوم بسبب انعدام وسائل أخرى أمامهم·· المشكل أن العائلة تتهم البلدية بالتقصير في تنفيذ وعودها وتعرضها للتهميش والظلم، فقد كان ممكنا تفادي وقوع هذا المشكل قبل ظهور هذا الوارث بغض النظر عن أحقيته أو كيفية تعامله مع هذه العائلة، إذ أن هذه الأسرة وضعت ملف طلب السكن في مصلحة السكن التابعة لبلدية بئر مراد رايس منذ سنوات التسعينيات إلا أنها لم تستفد من كل قوائم السكن الاجتماعي كالقائمة الأخيرة المعلن عنها خلال شهر جوان والتي استفاد منها 80 مواطنا، إلا أن العائلة لم تستفد منها لأسباب غير معروفة، وحتى إعادة الإسكان رغم تصنيف البيت على أنه في الخانة الحمراء ويجب ترحيل أهله في أقرب وقت إلا أن الوقت طال حتى وجد المراهقون أنفسهم في الشارع مع أهلهم واقعين بين فكي كماشة، فمن جهة الظروف الطبيعية السيئة التي أدت إلى تلف كل الأثاث المنزلي وإلى إصابتهم بعدة أمراض عضوية كالربو وضغط الدم والروماتيزم بالنسبة للأم المكافحة، أما الفتيات اللواتي هن في عمر الزهور فلقد أصبن بمختلف الأمراض النفسية والذي أثر بشكل كبير على مسارهن الدراسي خاصة البنت التي تدرس في الحقوق والتي هي على وشك أن توقف دراستها بعد الخيبة التي شعرت بها من خلال الظلم الذي تعرضوا لها فلقد فقدت الثقة الكاملة في كل المسؤولين وحتى في القانون والقيم الأخلاقية·· وأحيانا يضطر المراهقون من أبناء هذه العائلة إلى المبيت داخل سيارة الجيران وهذا من أجل حراسة المكان من الاعتداءات المحتملة من طرف بعض العناصر المنحرفة التي تحوم في الجوار باحثة عن فريسة ما، فهي المأساة بعينها يعيشها هؤلاء الأبناء مع والدهم المتقاعد، فمنذ شهرين وهم لا ينامون في الليل لمراقبة المكان، وفي الصباح يدخلون إلى الخيمة لينامون وسط البرد القارس تحت ركام الأثاث المتناثر فوق بعضه·· وللإشارة فإن العائلة تنتظر أن تنظر المحكمة العليا في طلب الالتماس لإعادة النظر في قضيتها والذي تقدمت به مباشرة بعد صدور قرار الطرد في حقها، وهي تأمل الكثير خاصة أن الشريك الثاني في القطعة الأرضية مع الوارث الممثل لطرف النزاع معهم، يقف إلى جانبهم وهو يملك حوالي 100 متر مربع من مساحة القطعة الأرضية في حين الوارث الأول يملك حوالي 290 متر مربع، فيما تملك الدولة ممثلة في البلدية حوالي 36 مترا مربعا من المساحة المتبقية من القطعة الأرضية، كما ستتقدم برسالة إلى السيد بلخادم الذي وعدها بالنظر في قضيتها قريبا، وريثما تفصل المحكمة العليا في القضية بالسلب أو بالإيجاب ستظل عائلة فتوش في العراء معرضة لكل الظروف الخارجية من عوامل طبيعية كالبرد والشتاء مجبرة على إكمال كل هذا الفصل الصعب في الشارع، ومن جهة أخرى تتربص بها الاعتداءات التي قد تعرض أبناءها للخطر والهلاك في انعدام من يحميهم، فهل سترضى البلدية أن تترك عائلة من أقدم قاطنيها تقع فريسة كل هذه الظروف دون أن تتقدم إليها بالمساعدة أو في منحها حقها فقط في السكن··؟