على مدى الأسبوع الماضي، عجزت غرفة الطوارئ في البنك المركزي الصهيوني عن استقبال سيل الاتصالات التي انهمرت عليها من عشرات الآلاف من الصهيونيين الذين استبد بهم الفزع في أعقاب الكشف عن اختراق بطاقات الائتمان الخاصة· حسابات الصهيونيين الفزعين التي باتت مهددة تقدر بمئات الملايين من الدولارات· لكن ما أثار قلق صناع القرار في الكيان الصهيوني هو الخوف من أن يكون هذا الاختراق الواسع جزء من حرب إلكترونية تشنها جهة معادية ذات مصلحة حقيقية في إلحاق أقصى قدر من الأذى بالأمن القومي الصهيوني· وترى المحافل الرسمية الصهيونية أن هناك ما يدفع للاعتقاد بأن الطرف الذي يقف وراء هذا الهجوم هو إيران، وليس كما أشيع أنه طرف عربي· وتجمع كل الجهات ذات العلاقة بقضايا الأمن القومي الصهيوني على أن أية حرب إلكترونية تشن على إسرائيل يمكن أن تحدِث أضرارا استراتيجية أخطر بكثير من مجرد المس ببطاقات الائتمان· ويقول متان فلنائي، وزير الجبهة الداخلية الصهيوني: إنه نظرًا لأن المؤسسات المدنية والعسكرية في إسرائيل توظف أكثر التقنيات الحديثة تقدمًا، فإن منظوماتها تكون أكثر عرضة للاختراق من قبل الأطراف المعادية· ويقول شموئيل منتسور، مدير إحدى شركات الحماية الإلكترونية في إسرائيل: إن أية حرب إلكترونية تشنها أطراف معادية ستصيب مرافق الدولة بالشلل الكامل· ويشير منتسور إلى أن حربا إلكترونية يمكن أن تؤدي إلى تعطل العمل في المطارات، ويمكن أن تؤدي إلى توقف الإنتاج في المرافق الاقتصادية، علاوة على الإضرار بالمؤسسات الخاصة· ويوضح أن الجهات المعادية يمكنها أن توظف التقنيات الإلكترونية في اختراق شبكات الاتصال العامة والعسكرية، وليس فقط الحصول على معلومات سرية بالغة الأهمية والحساسية، بل إن مثل هذا الاختراق يمنح الجهات المعادية القدرة على تزويد صناع القرار في تل أبيب بمعلومات مضللة، يمكن أن تؤدي إلى أضرار بالغة· لكن من الواضح أن إسرائيل ليس بإمكانها أن توجه اللوم لأي طرف معادٍ في حال قيامه باستهدافها باستخدام الحرب الإلكترونية، لأنها تجاهر بتوظيف الحرب الإلكترونية في استهداف كل طرف يقع تحت دائرة (الأعداء)· فقد أعلن عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية السابق أن الجيش الصهيوني قد أقام بالفعل هيئة عسكرية خاصة بشن الهجمات الإلكترونية على الأطراف المعادية· ونقلت صحيفة معاريف عن يادلين قوله: (تقوم الحرب الإلكترونية على ثلاث مركبات أساسية، وهي: جمع المعلومات الاستخبارية، وتنفيذ الهجمات، وتوفير الحماية)· وتطبيقًا لهذا التوجه، فقد تم تدشين قيادة خاصة بالحرب الإلكترونية داخل ما يعرف ب (وحدة 8200)، وهي وحدة التنصت الإلكتروني في شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية، بحيث يرأس القيادة الجديدة ضابط كبير برتبة بريغادر جنرال، حيث يعمل في هذه القيادة خبراء في مجال الفضاء الإلكتروني ورجال استخبارات· وتختص القيادة الجديدة بتوفير حماية للشبكات التي يستند إليها عمل المؤسسات العسكرية والمؤسسات المدنية الحساسة، مثل شركة الكهرباء القطرية والمطارات وغيرها من مرافق، علاوة على أنها تبادر إلى شن هجمات إلكترونية على أطراف معادية حسب توجيهات هيئة أركان الجيش· ويؤكد ضابط خدم في هذه القيادة أن الفضاء الإلكتروني يتطور بشكل سريع جدًا، وبالتالي يتوجب توفير حماية للمنظومات الإلكترونية بشكل يتلاءم مع هذا التطور، حتى لا تتعرض للاختراق· ولم يكتف الجيش الصهيوني بهذه الإجراءات، فقد أعلن عن نيته بتجنيد 300 من (الهاكرز) الصهيونيين، وذلك لتوظيفهم في مجال مواجهة الهجمات التي يمكن أن تتعرض لها المرافق الحيوية التابعة للمؤسسة العسكرية· وقد أمر رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني بني غانز بتعديل الخطة الخمسية التي أقرت في الجيش مؤخرًا، بحيث يتم تخصيص بضع مئات الملايين من الدولارات في مجال تحصين المنظومات الحساسة في الجيش· ليس هذا فحسب، بل إن الجيش الصهيوني افتتح هذا الأسبوع -ولأول مرة - معهدًا لتخريج من وصفهم الجيش ب (مقاتلي السايبر)، حيث إن المهمة الرئيسة لهؤلاء الجنود ستكون العمل دون اختراق المنظومات المحوسبة في الجيش من قبل فيروسات تصممها أطراف معادية· لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تعتبر إيران في نظر الصهيونيين الطرف المرشح للعب الدور الأساسي في الحرب الإلكترونية ضد الدولة العبرية، وهل قدرات إيران تسمح بتنفيذ هجمات إلكترونية ذات بعد استراتيجي على إسرائيل؟· يرى إليكس فيشمان، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة (يديعوت أحرنوت)، أن التجربة قد دللت على أن لدى الإيرانيين القدرة على تنفيذ هجمات إلكترونية بالغة الخطورة، لذا فهو يبدو أكثر حزمًا في نسب الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها إسرائيل مؤخرًا لإيران· ويتساءل: (إن كانت إيران قد تمكنت مؤخرًا من السيطرة على أهم وأكثر الطائرات الأمريكية بدون طيار سرية وأعظمها كلفة عبر توظيف تقنيات متقدمة، فهل من المستهجن أن يتمكن الإيرانيون من اختراق بطاقات الائتمان لعشرات الآلاف من الصهيونيين)· ويشير فيشمان إلى أن الإيرانيين يملكون سجلًا من الإنجازات في مجال الحرب الإلكترونية، حيث تمكنوا من تحقيق إنجاز (مذهل)، تمثل في إبطال عمل هيئة القيادة التي تتحكم في تشغيل وتوجيه الطائرات بدون طيار الأمريكية العاملة في العراق، مع العلم بأن مقر هذه الهيئة موجود في قاعدة عسكرية داخل الولاياتالمتحدة· وأشار فيشمان إلى أنه على الرغم من أن الولاياتالمتحدة تستخدم 14 ألف خبير في مجال الحرب الإلكترونية، وتستثمر عدة مليارات من الدولارات في مجال تحصين شبكاتها الإلكترونية، إلا أنها لم تتمكن من الصمود أمام الهجمات الإيرانية· ويرى فيشمان أن هناك أساسا للاعتقاد بأنه بإمكان الإيرانيين اختراق المنظومات العملياتية للجيش الأمريكي في جميع أرجاء العالم· وأوضح فيشمان أن الإيرانيين تمكنوا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي من فك شيفرة طائرات الاستطلاع الصهيونية التي كانت تستخدم في عمليات الرصد فوق سماء جنوب لبنان، وتمكنوا من خلالها من مد مقاتلي حزب الله بالمعلومات التي أسهمت في تعقب أنشطة الوحدات الخاصة الصهيونية التي كانت تعمل في جنوب لبنان الذي كان يخضع للاحتلال الصهيوني، وهو ما أسفر في حينه عن استدراج وحدة النخبة في سلاح البحرية الصهيونية، المعروفة ب (القوة 13)، وقتل 12 من عناصرها، وجرح عدد آخر· وفي شهر أوت الماضي، أعلنت شركة (ديجينوتار)، المختصة بتوفير الأمان لمواقع الإنترنت في إسرائيل، إفلاسها، بعدما تمكن الإيرانيون من اختراق موقعي جهازي الاستخبارات: (الموساد)، و(الشاباك)، وموقع (وللا)، أهم المواقع الإخبارية على الشبكة· وتحذر المحافل العسكرية الصهيونية من أن أية حرب تكون إسرائيل طرفًا فيها ستتأثر بالحرب الإلكترونية· وتشير هذه المحافل إلى أن سر تفوق الجيش الصهيوني التقني الهائل مقارنة مع الجيوش الأخرى في المنطقة يمثِّل في الوقت نفسه نقطة ضعف قاتلة في حال استثمارها من قبل (الأعداء)· وتنقل (يديعوت أحرنوت) عن هذه المحافل قولها: إن توظيف التقنيات المتقدمة في زيادة فاعلية التنسيق بين أذرع الجيش الصهيوني وأسلحته المختلفة، يمكن أن ينغرس كسهم مرتد في جسم الجيش الصهيوني، لأن توظيف التقنيات المتقدمة يسهم في تمكين (العدو) من اختراق المنظومات العسكرية المشغلة لآلة الحرب الصهيونية وشلها، أو لتوجيهها لتضرب العمق الصهيوني· في أعقاب نجاح إسرائيل في إعطاب أجهزة الطرد المركزي في البرنامج النووي الإيراني باستخدام فيروسات محوسبة، تباهى أحد ضباط الجيش الصهيوني، قائلًا: (بدلًا من سلاح الجو بالإمكان استخدام الفضاء الإلكتروني، وبدلًا من الصاروخ بالإمكان استخدام الفيروس)· لكن يبدو أن إسرائيل ستعاني من فيروسات الآخرين·