قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(آل عمران: 159) المفردات: فظا: قال ابن فارس: الفاء والظاء كلمةٌ تدلُّ على كراهةٍ وتكرُّه· من ذلك الفَظ: ماءُ الكَرِش· وافتُظَّ الكرِش، إذا اعتُصِر· ··· قال بعضُ أهل اللُّغة: إِنَّ الفَظاظةَ من هذا· يقال رجلٌ فظٌّ: كريه الخُلُق· وهو من فَظِّ الكَرِش، لأنه لا يُتناول إِلاَّ ضرورةً على كراهة[1]· ويطلق أيضا على الخشونة في الكلام· قال ابن منظور في اللسان: الفظ الخشن الكلام وقيل الفظ الغليظ ··· والفظظ خشونة في الكلام ورجل فظ ذو فظاظة جاف غليظ في منطقه غلظ وخشونة[2]· وعلى هذا، فالفظاظة تكون في الكلام، وفي الأخلاق· غليظ القلب: غلظ القلب قساوته، وقلة إشفاقه· قال في اللسان: الغلظ: ضدّ الرقّة في الخلق والطبع والفعل والمنطق والعيش ونحو ذلك· غلظ: صار غليظا· واستغلظ مثله، وهو غليظ وغلاظ، والأنثى غليظة، وجمعها غلاظ· وأمر غليظ: شديد صعب، وعهد غليظ: كذلك· وبينهما غلظة ومغالظة أي عداوة[3]· وأصل الغلظة أنه (يستعمل في الأجسام لكن قد يستعار للمعاني كالكبير والكثير[4])· ومن استعماله في الأجسام قوله تعالى: (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ) (الفتح: 29) ومن استعماله في المعاني قوله تعالى:(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران: 159) لانفضوا: قال ابن فارس: الفاء والضاد أصلٌ صحيح يدلُّ على تفريقٍ وتجزئة· من ذلك: فضَضْتُ الشَّيءَ، إذا فرَّقتَه، وانْفَضَّ هو· وانْفَضَّ القومُ: تفرَّقوا[5]· التفسير تؤكد هذه الآية الكريمة على خلق رفيع من أخلاق الدعوة والاحتساب وهو خلق الرحمة وعدم الغلظة، مبينة أنه رافد عظيم وخلق كريم، كان دافعا من دوافع نجاح رسول الله في دعوته، والتفاف صحابته حوله، وإصغائهم إلى أوامره، وتحري مرضاته، وعدم تقدمهم بين يديه، فهو بهذا الخلق وبغيره قد صار عندهم أغلى من المال والولد، بل من النفس والذات· والآية الكريمة إذ تؤكد على هذا، تؤكد على حقيقة أخرى، هي أن محاسن الأخلاق من نعم الله على عباده، وأنها من منحه وبتوفيقه· وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة· (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ)· أي، أن لينك هذا يا رسول الله، ورأفتك بأصحابك إنما هو برحمة الله بك وتوفيقه لك