الكتابة على الجدران ظاهرة غريبة استفحلت في مختلف الأقطار العربية، حيث باتت تستعمل كوسيلة للتعبير عن المكبوتات، والشباب الجزائري كغيره من شباب الأقطار العربية، اتخذ منها طريقة للضغط على المسؤولين لإيصال معاناتهم اليومية من البطالة والتهميش، من خلال إخراج كل ما يجول داخلهم من مكبوتات ورغبات، عن طريق عبارات ورسوم وغيرها، من الأنواع الأخرى للكتابات وبكل اللغات، والتي تكون في غالب الأحيان مسيئة جدا، فغالبية الشباب خاصة الطائشين والمنحرفين، يستعملون كلمات وعبارات خادشة للحياء، فاجتهاد الشبان الطائشين في إيجاد الأماكن المناسبة لكتاباتهم المخلة، تدفع بك إلى فعل المستحيل من أجل تجنب المرور عليها، خاصة إذا كنت رفقة أفراد عائلتك· فهل أسباب انتشار هذه الظاهرة تعود إلى نفسية الشباب الجزائري، أم إلى الحياة الاجتماعية لهم، والتي أرادوا بها التعبير عن المشاكل التي يعانون منها، أم هي مجرد تقليد للآخرين لاغير، أم أنها مجرد تشويه للمظهر العام للمدينة والحي فقط· وتعد الظاهرة حسب بعض المختصين النفسانيين والاجتماعيين، نوعا من الأساليب التعبيرية عن المكبوتات التي يلجأ إليها الشاب، خصوصا مع غياب الفضاءات التعبيرية، حيث يجد فيها الشاب الحل الوحيد من أجل التعبير عن المواضيع التي يرى نفسه محروما من التعبير عنها، فحسبهم عندما لا تتمكن الأفواه من الكلام تأتي الكتابات على الجدران التي تكون عبارة عن كلمات وعبارات لا يفهمها إلا الشباب أنفسهم، فهذه الكتابات قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بالواقع المعيشي لهم، وهو الذي يظهر جليا من خلال الكلمات المستعملة على غرار (الحرقة) و(الحقرة) و(لا للتهميش) و(لا للبطالة)، وغيرها من العبارات والألفاظ الأخرى، غير أن ما يدعو إلى النظر حقا إلى الأسباب التي أدت إلى استفحال هذه الظاهرة، هو العبارات المسيئة المدونة على الجدران في مختلف الأحياء والأماكن، خاصة في الأحياء الشعبية، والتي لم تبق مقتصرة على اللغة العربية فقط، بل أصبح الشباب يكتبها بشتى اللغات، كالفرنسية والإنجليزية، وكأنهم يقولون لغيرهم، ستقرؤونها بكل لغات العالم· وعليه يقول بعض الشباب حول هذه الكتابة الحائطية، بأنها وسيلة من وسائل التعبير عن ما يجول في خاطرهم، إذ يقول أمين البالغ من العمر 25سنة، إن الكتابة الحائطية ما هي إلا وسيلة للتعبير ونقل الأفكار بأقصر الطرق وبعبارات بسيطة للسلطات المعنية عن كثير من الموضوعات، وأضاف بأن الحائط يعتبر في أغلب الأحيان متنفسا يكتب عليه ما يدور في ذهنه. شاب آخر يقول بأنه منذ أن كان صغيرا، وحب الكتابة على الجدران يستهويه، غير أنه لا يقوم بكتابة العبارات المشينة والخادشة للحياء، بل يقوم بكتابة عبارات جميلة كالأبيات الشعرية وغيرها من العبارات وأسماء اللاعبين والفرق المفضلة عنده، لذا فهو يرى بأن الشاب الطائش الذي يستعمل الكلمات البذيئة للتعبير عن نفسه، لا يقوم بفعل سوى تشويه منظر حيه أو مدينته· ومن جهته، يقول حسين بأن أسباب استفحال هذه الظاهرة، عائد بالدرجة الأولى إلى الفراغ الذي يعاني منه الشباب والذي هم بأنفسهم السبب فيه، غير أن التربية تلعب دورا هاما في هذا الموضوع، لأن التنشئة السيئة للشاب منذ صغره، تدفعه إلى فعل كل ما يريد دون أن يهتم لرأي الآخرين، أما إرجاعها إلى الكبت وغيره، فهو يعتبر نوعا من الهروب من الواقع، لأن بعض شبابنا اليوم اعتادوا على النوم والراحة، لذا فهم يتحججون بالمشاكل كالبطالة، وما الكتابة على الجدران إلا نوع من الطيش والاستهتار لا أكثر ولا أقل· وفي نفس السياق يقول إلياس وهو طالب جامعي، إننا نعتبرها ظاهرة مشينة لأنها تحمل عبارات مسيئة وخادشة، لكن في أوروبا، يدرسون تلك الكتابات والرسومات لمعرفة الأسباب التي دفعت بهم إلى كتابتها، خصوصا وأنها تعبير عن ما يجول بداخل الشخص، فتلك الكتابات تعبر عن المشاكل النفسية التي يعاني منها المراهقون، أو الاجتماعية التي يعاني منها الشباب، بصفة خاصة، وانطلاقا من ذلك يعملون على علاجها وإيجاد حل للمشاكل التي يعانون منها، وهو ما لا تجده عندنا· وعليه تبقى جدران المنازل، والمؤسسات التربوية، ومختلف الأماكن العامة منبرا لهؤلاء الشبان، يعبرون فيه عما يدور في أذهانهم، طمعا ورغبة منهم في إيجاد حلول نهائية لمجموعة المشاكل التي يعانون منها·