على مدار أشهر الربيع العربي وما تبعه من تغيير في أنظمة العديد من الدول العربية كانت غزةالمدينة المحاصَرة تتمنى لو أن هموم التعب تنزاح عن شوارعها وأزقة مدنها، وأن تُودع آلام ولسعات الحصار إلى الأبد، غير أنّ ساعات الحصار زادت وضاقت إلى درجة دعت العديد من المحللين والخبراء إلى التحذير من أن غزة باتت على وشك الانفجار· ولأكثر من شهر يغرق قطاع غزة في ظلام دامس بعد توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل بشكل تام بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيلها· ومع انقطاع التيار الكهربائي باتت غزة على موعد مع العديد من الأزمات، إذ طلّت مؤخراً أزمة شح غاز الطهي وكافة المحروقات بأنواعه لتعود غزة إلى العصور الوسطى وما قبل التاريخ· وعلى معبر رفح يومياً يعتصم العشرات من صغار وكبار القطاع رافعين اللافتات التي تدعو إلى مد غزة بالكهرباء والوقود في ظل ما تتعرض له قطاعات الصحة والزراعة والتعليم إلى كوارث حقيقية· وعمقت أزمة الوقود وانقطاع الكهرباء في قطاع غزة الخلاف بين حركتي فتح وحماس، فقد حمّلت حكومة حماس في غزة السلطة الفلسطينية وحركة فتح المسؤولية المباشرة لهذه الأزمة بهدف خلق حالة من الغضب في القطاع تجاهها· واعتبر عضو المكتب السياسي في حركة حماس خليل الحية أن (قيادات أميركية وإسرائيلية وغربية وفلسطينية في رام الله اجتمعت لإسقاط حماس وتشديد الحصار على غزة)، مؤكداً أن (المؤامرة تهدف إلى قطع طرق الإمداد للمقاومة وخنق غزة بقطع الوقود والكهرباء والدواء عنها)· كوارث إنسانية وتتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة يوما بعد يوم، خاصة في ظل النقص الحاد في الوقود الذي يعاني منه السكان لدرجة أنه دفع السائقين لإعادة استخدام زيت القلي بديلا عن السولار بالرغم من خطورة استخدامه على حياة الإنسان والبيئة معا· وهم يبدون تذمرهم مما وصل إليه حال مدينتهم تساءل مواطنون في أحاديث منفصلة ل(إسلام أون لاين) عن جدوى الربيع العربي والثورات؟! وبسخط غلّف نبرات صوتها قالت أم أحمد أبو الخير أم لسبعة أطفال: (كلنا أملنا خيرا بثورات الشعوب وتغيير الأنظمة ولكن للأسف اليوم الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم ··)· وعلى باب محلّه قال التاجر (أبو محمد) إن غزة كانت تتمنى لو تعيش حياة أخرى وأن ينتظرها الخلاص وتودع أيام الحصار وتابع بألم: (غير أن الصورة تنعكس·· أين مصر وأين ثورتها وأين ثورات الشعوب؟ نحن نموت يوميا·· لا كهرباء ولا ماء)· نحو الأسوأ وفي قراءته للمشهد الحالي حذر (مخيمر أبو سعدة) من انفجار وشيك لأهالي قطاع غزة وعدم صبرهم على ما يتعرضون له من ضيق شديد وحصار لم يشهد له القطاع مثل (غزة تنتظر من مصر الكثير وكانت تتمنى من الشعوب العربية أن تنتصر لألمها ومعاناتها بعد كل هذه السنوات خاصة وأن النظام المصري السابق ساهم في تضييق الخناق على المدينة المحاصرة)· ورأى أبو سعدة أن أهالي القطاع يشعرون بالحنق والضيق عندما يرون مصر وهي تمد إسرائيل بالغاز المصري فيّما غزة تغرق في الظلام وتعود إلى العصور الحجرية بحياتها وإدارة شؤونها فإنّ ذلك يُولد المزيد من الغضب تجاه النظام الجديد· ومن جهته رأى المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني (طلال عوكل) أن غزة تبني آمالا كثيرة على النظام المصري الجديد وقال إن غزة كانت تتوقع انفراجا كبيرا في حياتها بعد ثورات الربيع العربي واستدرك: (غير أنه للأسف باتت الأمور تذهب نحو الأسوأ...)· وكانت الأصوات الفلسطينية وعقب سقوط النظام المصري السابق قد طالبت بإعادة تفعيل التفاهمات التي جرى الحديث عنها خلال السنوات الماضية، ومن أبرزها مد قطاع غزة بالغاز المصري اللازم لتشغيل محطة الكهرباء وإعادة تفعيل مشروع المنطقة الصناعية المشتركة وسائر المشاريع الأخرى في قطاعات الصناعة· انفجار وشيك وبالرغم من تشديد عوكل على انشغال المصريين بشؤونهم الداخلية إلا أنه أكد أن غزة وصوتها الجريح يجب أن يحظى بتقدير يتوافق مع ما أفرزته المرحلة الراهنة وصعود الإسلاميين سدة الحكم· وعلى مدار الأيام القليلة الماضية طالبت مسيرات حاشدة بغزة مصر بمد القطاع بالوقود لتشغيل محطة الكهرباء من معبر رفح البرى بعيدا عن الارتباط بإسرائيل· كما رفعوا لافتات تستنكر بيع الغاز المصري لإسرائيل ومنع إدخال الوقود والكهرباء لقطاع غزة، وحرمان القطاع من الغاز، مطالبين بحسم قوى من البرلمان المصري لهذا الأمر· وكان الاحتلال الإسرائيلي قد قلّص كميات غاز الطهي المدخلة يومياً إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب قطاع غزة إلى حوالي 40 _ 60 طناً يومياً بينما كان يدخل سابقاً ما كميته 160 _ 180 طناً في الوقت الذي يحتاج قطاع غزة فيه إلى 250 طناً يومياً لتغطية احتياجاته· وبدوره رأى المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني مصطفى الصواف أن على غزة أن تتحرك شعبيا إلى جانب التحركات الشعبية في مصر من أجل الضغط على جهاز المخابرات المصري والمجلس العسكري من أجل إنهاء أزمة ومعاناة القطاع· وأشار إلى أن أزمة الوقود والكهرباء في غزة ظاهرها إنساني ولكنها لا تخلو من أبعاد سياسية، مؤكداً أن مصر مُلزمة بحل الأزمة لما تحمله من بعد إنساني· واتفق الصواف مع تحذيرات المحللين السابقين في أن استمرار الأزمة في غزة يمكن أن يؤدي إلى انفجار الأوضاع باتجاه الحدود المصرية· * على مدار الأيام القليلة الماضية طالبت مسيرات حاشدة بغزة مصر بمد القطاع بالوقود لتشغيل محطة الكهرباء من معبر رفح البرى بعيدا عن الارتباط بإسرائيل· كما رفعوا لافتات تستنكر بيع الغاز المصري لإسرائيل ومنع إدخال الوقود والكهرباء لقطاع غزة، وحرمان القطاع من الغاز، مطالبين بحسم قوى من البرلمان المصري لهذا الأمر·