استعادت الأدوات والأواني الفخارية، خلال السنوات القليلة الماضية مكانتها، وراح المواطنون يقبلون على مختلف أشكالها وأحجامها، ويفضلونها على الأواني العادية، لما تتميز بها من جمال وحتى نكهة طيبة تتركها على الأكل، خاصّة مع اقتراب شهر رمضان المبارك تجهنا إلى مدينة تيبازة، والتي، وبالإضافة إلى مناطقها الأثرية والسياحية، فهناك المحلات التي تختص في بيع الأواني التقليدية، والتي وجدنا أنها تصطف على كامل الطريق الرئيسية، تعرض قطعا جميلة للبيع، حتى أنّ بعضها نادرة وتعتبر تحفا حقيقية وبالإضافة إلى الأواني الفخارية كانت هناك الحقائب والسلل المصنوعة يدويا، وغيرها من الأشياء التقليدية التي راح المواطنون يتهافتون عليها بكثرة. لدى مرورك من الطريق الرئيسية ترى الكثير من المحلات وحتى الأفراد يبيعون الأواني التقليدية، التي وبعد اقترابنا من الباعة والزبائن، اكتشفنا أنها استعادت شعبيتها في السنوات الأخيرة، وصار الفخار والأدوات الفخارية تنافس الأواني المستوردة، وذلك رغم ارتفاع أسعارها أحيانا. فريد بائع أواني فخارية قال لنا عن الموضوع:" إنّ الناس يقبلون أكثر من أي وقت مضى على الأواني الفخارية، وصار يفضلونها على غيرها، ورغم أنّ اغلبهم يقتنيها قبل رمضان، إلاّ آن أشهر السنة الأخرى تعرف كذلك إقبالا عليها من طرف ربات البيوت"، وعن مكان صناعتها يقول لنا فريد:" في الحقيقة أنا أبيع لمجرد البيع فقط، بل إنني اعتبر هذه المهنة فنا وتجارة تستحق الاهتمام والاعتناء، لهذا فانا لا اجلب سلعتي من عند بائع واحد، فكما اشتريها من عند بعض التجار بائعي الجملة، فانا كذلك اقتنيها من بعض الأفراد، الذين يبيعون لي قطعا مستعملة أحيانا وأخرى صنعوها بأنفسهم، فإذا ما وجدت أنها مطابقة للمقاييس، فاشتريها حتما، وقد احتفظ لها لنفسي كذلك"، وعن تلك المقاييس وأسعار القطع يضيف فريد:" إنّ الفخار ومثل أي سلعة أخرى يعرف اختلافا، ومنه الجيد والرديء، وحتى الذي لا يستعمل، وكذلك الذي يصلح للطهي وآخر لمجرد الزينة وهكذا، وبحكم ممارستي لهذه المهنة لأكثر من عشرين سنة، فقد صرت اعرف كلّ تلك الأنواع، وحتى المادة التي صنع منها الفخار، ويبقى في النهاية الشكل، فهناك قطع صنعتها أنامل محترفة فأجادت وتفننت فيها، فهي بالتالي قطع ثمينة وتستحق أن تباع بسعر مرتفع نسبيا، وحتى المواطنين، مع الوقت، صاروا يستطيعون التفريق بين النوعية الجيدة وتلك الرديئة، ولا يهتمون إن دفعوا فيها مبالغ مرتفعة قليلا، ولو أني لا أجدها كذلك، لا يهتمون لأنهم يدركون قيمتها الحقيقية". وقد انتهزنا الفرصة لكي نتحدث إلى السيدة مريم، والتي كانت بصدد انتقاء قدر من الفخار، قالت لنا عنه:" أحب الأواني الفخارية، والتي لها ميزة لا نجدها في غيرها من تلك المصنوعة من الزجاج او الحديد، فبالإضافة إلى شكلها الجميل، والذي يذكرنا بأصالتنا وثراتنا العريق، فإنّ الطهي في أواني فخارية يعطي للأكل مذاقا خاصا، ويجعله أكثر طيبة، كما لو انك قد طهوته على الجمر، وأنا شخصيا لا أطهو إلاّ فيها، ولا استبدلها بتلك الزجاجية، والتي لا مذاق ولا طعم لها". رغم ذلك فان بعض السيدات وجدن أن تلك القطع الفخارية، وفي وقتنا الحالي، لا تصلح إلاّ للزينة، وتفسر كلامها قائلة:" لقد قدمت لاشتري بعض القطع لأضعها في البيت كزينة، لأنها لا تصلح إلا لهذا، فهي سريعة التلف، وتتشقق بسرعة، كما أنها غير عملية للطهو على غاز المدينة، ففي السابق كانت تصنع من طين أصيل، وكانت إبداعا قبل أن تكون تجارة، ويمارسها أشخاصا توارثوها أبا عن جد، ويعرفون كلّ ما يتعلق بهذه الحرفة، وهو ما كان يصنع فعلا ذوقا خاصا في الأكل أما اليوم، فالجميع صار يصنع الفخار، ودون حب في هذه المهنة، حتى لأنك تشعر بان صانعها لم ينفق فيها أكثر من ساعة او ساعتين، وصنعها وهو يفكر في الأجر الذي سيتقاضاه من وراءه عمله استطلاع وتصوير: مصطفى مهدي