بعد أن كان البيت المكان الآمن لكل إنسان تحول بالنسبة للكثير من النساء الجزائريات إلى فضاء للمعاناة والعذاب، أما العنف الممارس عليها في الشارع فهو أشد ولكثرة وقوع الاعتداءات على المرأة في الشارع والأماكن العامة على يد أفراد غرباء وليسوا من الأهل· لم يكن صعبا الحصول على شهادات بعض النساء، تقول نبيلة، 24 سنة: (كنت في إحدى المرات متجهة إلى عملي وكان هناك شاب يلاحقني ويلح على محادثتي، وبعدما تجاهلته ولم ألتفت إليه بدأ يشتمني وعندما تمتمت بكلمة (الله يهديك) انهال عليَّ بالضرب دون مقدمات ووجه إلي لكمة على الوجه وأصابني في عيني)، وبعد سؤالنا إن تقدمت بشكوى؟ أجابت (لا أريد فتح باب من المشاكل في مراكز الشرطة ولست مستعدة)· وقد أصبحت معاكسات بعض الشباب للفتيات بمثابة القنبلة التي تنفجر بمجرد رفض الفتاة الرد وإبدائها ردا سلبيا، فهم يتلفظون بكلمات غير لائقة دون مراعاة كرامتها، ولذلك نجدهم لا يتقبلون أي معارضة من طرف الفتاة، وبمجرد أن تبدي رفضها يكون الانقلاب من الغزل إلى الهجاء حيث يسمعونها وابلاً من الشتائم، وبهذا يكون العنف اللفظي أبشع من العنف الجسدي، وفي هذا السياق تقول رزيقة، 23 سنة، طالبة في كلية الإعلام، إن الشبان لا يكفون عن مطاردتها فهم يغازلون أي فتاة المهم أن يصطادوا واحدة، وقد تعرضت إلى الضرب والشتم من طرف شخص رفضت الاستجابة لمعاكساته، فبمجرد أن طلبت منه أن يتركها وشأنها حتى راح يتلفظ بكلمات مشينة وينعتها بأقبح الصفات بصوت مرتفع وأمام الملأ ما جعلها تصرخ في وجهه فأمسكها من يدها ووجه لها لكمة كاد أن يغمى عليها، وراحت تصرخ وتردد (حقار) فلم يجد سوى توجيه لها عدة لكمات متتالية قبل أن يتدخل بعض المارة لإنقاذها من قبضته· وهناك عنف آخر تتعرض له النساء الماكثات بالبيت من طرف أزواجهن، وقد قمنا بزيارة بيت حبيبة التي تعرضت للعنف من قبل زوجها، وتقول إنها متزوجة من رجل لا يعرف لغة الحوار والمناقشة، وهي تتعرض لكل أنواع العنف والذل والسب، فكان ينهال عليها بالضرب لأتفه الأسباب وهذا ما أثر عليها نفسيا فأصبحت متوترة وقلقة، بينما كانت قبل زواجها إنسانة هادئة ومرتاحة خاصة من ناحيةالجانب النفسي· أما رانية، 26 سنة، متحصلة على شهادة جامعية، فتروي تفاصيل معاناتها من العنف الممارس عليها من طرف زوجها وتقول (سبب خلافي معه هو رفضه زيارتي لمنزل شقيقتي فكلما طلبت منه ذلك ينهال علي بالضرب ولا تنفع معه توسلاتي ولا أي شيء آخر)· ورغم كل الإجراءات المتخذة تظل المرأة الجزائرية تعاني الضرب والشتم والاغتصاب والتهديد، ومازال العنف الممارس ضد المرأة في تزايد مستمر، فحسب الأخصائية الاجتماعية ياسمين بوطران فإن أسباب تزايد ظاهرة العنف ضد المرأة بالدرجة الأولى تعود إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي مثل تدهور الوضع المعيشي لبعض العائلات بسبب فقد رب الأسرة مثلا لوظيفته التي كانت مصدر رزق وإنفاق الأسرة، كما أن لسوء التربية والانحلال الخلقي الدور الكبير في فتح المجال لاقتراف أبشع صور العنف ضد المرأة وكذلك صمت الضحية وعدم تبليغها على الجاني ساهم في تنامي الظاهرة بشكل ملفت للانتباه·