تختلف أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة وتنعكس آثاره المأساوية على المدى القريب والبعيد على الحالة الجسدية والنفسية لأولئك النسوة وتمتد إلى أولادهن, الإحصائيات وإن كانت غير دقيقة, إلا أن النتائج تؤثر لا محالة على توازن واستقرار المجتمع بأكمله, لتبقى مسألة الحد منه تتطلب تضافر المساعي وتزايد الاهتمام بهذا الموضوع من طرف كل فئات المجتمع. العنف كما هو معرف في نصوصه الصادرة عن ميثاق الأممالمتحدة »أنه سلوك عدواني, هدفه إلحاق الأذى بالغير في جسده ويتمثل في الدفع والقرص والبصق والركل والجذب من الشعر واللكم والخنق والضرب بعصا والطعن بالخنجر والرمي بالأحماض أو الماء الساخن والهجوم بسلاح ناري«.وهكذا نلاحظ أن أشكال العنف تتدرج من سلوكات بسيطة إلى القتل, كلها أنماط من العنف تعانيها نساء منها ما نتجت عنه آثار بليغة وعاهات مستديمة ومنهن من صارت في عداد الموتى. وإليكم شهادات حية لحالات عنف يومية ضحيتها نساء من مختلف الأعمار وصاحب السيطرة ومصدر العنف يكون إما الأب أو الأخ أو الزوج في غالب الحالات, فالعنف الأسري يدق ناقوس الخطر, فعوض أن يكون البيت العائلي أكثر الأماكن أمانا, صار جهنم بالنسبة للكثير من النسوة. عنف أبي عقدني من كل الرجال ريمة, منذ أن فتحت عيناها على الدنيا وهي تشاهد مظهرا يمزق قلبها وأمها تضرب بالحزام الجلدي من طرف أبيها وتحتجز في المرحاض لأيام دون أكل وشرب, والويل لمن أراد تخليصها من أولادها ليثور غضبا عليهم ويشبعهم ضربا, تاركا على أجسادهم الصغيرة آثارا جسيمة, تضيف ريمة صاحبة 18 سنة: «لقد كرهت الزواج, وأفكر أن أبقى عانسا طول حياتي على أن أتزوج رجلا يحتمل كثيرا أن يكون مثل أبي». بأي حق يوقفني أخي عن الدراسة؟ تقول حياة 23 سنة: «أوقفني أخي عن الدراسة منذ كنت في الإكمالية بعد أن وجدني جالسة مع رفيقاتي أمام باب المدرسة بعد خروجي منها, تصرف معي تصرفا لن أنساه ما حييت, فقد أمسكني من شعري وجرني إلى البيت على مرآى الجميع, ولا أحكي لكم ما تعرضت له من ضرب, ولم تستطع أمي المسكينة ردعه, خاصة وأنه رجل البيت بعد وفاة والدي, ومنذ ذلك الحين وأنا ماكثة في البيت لا أخرج منه إلا للضرورة القصوى», تضيف: «لقد قضى على حياتي بسلطته تلك, وقد أنسى ما أتعرض له من عنف يومي, ولكن لن أسامحه على توقيفي من مزاولة الدراسة». العنف الزوجي حالات لا تعد ولا تحصى «يبصق على وجهي, يضربني ولكن لن أخرج من البيت إلا وأنا ميتة» تقول زينب 42 سنة, وهي التي تزوجت منذ قرابة عشر سنوات, ولم تنعم بطعم الراحة, لم تعرف لا حب ولا حنان الزوج, تفصل قائلة: «لقد حاول من خلال فرض كل أنواع العنف الجسدي والمعنوي إخراجي من البيت, ولكنني صبرت على كل ذلك, ولم أتجرأ على رفع شكوى لكي لا يحرم أبنائي من والدهم أو أكون سببا في تعقدهم». العنف حتى في أماكن العمل ياسمين, 20 سنة, تتعرض للضرب من مسؤولها الذي هو طليق أختها, فبعد مناوشات كلامية بينهما سمح لها بالخروج لبعض الوقت, ولكنه تبعها ليشبعها ركلا في الشارع ويهم برفع شكوى ضدها وقفت بسببها ياسمين رغم صغر سنها متهمة أمام هيئة المحكمة بتهمة السب والشتم, وقبل أن ترفع هي الدعوى سبقها إلى ذلك لتعلق قائلة صدق من قال «ضربني وبكى سبقني واشكى». هذه الشهادات ما هي إلا عينات من الحالات الكثيرة التي تتعرض فيها المرأة للعنف, ويكفي أن نحضر جلسات في المحكمة لنقف على ما تتعرضن له ابتداء من التهديد, ومرورا بإهمال وغياب الرعاية إلى العنف الجسدي واللفظي. دليلة جلبان عضوة في شبكة وسيلة لمكافحة العنف ضد المرأة: »نتأسف لأننا عاجزون عن تقديم إحصائيات دقيقة« ورغبة منا في الحصول على إحصائيات حول حالات العنف الذي تتعرض له المرأة, أكدت دليلة جلبان, عضوة في شبكة وسيلة التي تمثل خلية إصغاء تسعى لتوجيه النساء المعنفات للهيئات التي تضمن لهن الحماية من أي عنف قد يتعرضن له ويتم إحصاء الحالات, حيث تقول في هذا الصدد: «لا يمكن معرفة إذا كانت حالات العنف قد ازدادت فعلا, فنحن نتأسف, لأننا عاجزون اليوم عن تقديم أرقام تخص هذه الحالات بهدف إقناع الرأي العام بخطورة الظاهرة, وهذا ما قمنا بتوضيحه في الكتاب الأبيض والأسود الصادرين عن شبكة وسيلة», ويرجع السبب حسب ذات المتحدثة إلى الضعف الكبير الذي يعاني منه الجهاز الإحصائي في هذا المجال. وتقول الإحصائيات التي قدمت لنا من طرف الشبكة أن العنف المسلط ضد المرأة من عائلتها المقربة وتشمل الأب والأخ تمثل نسبة 13 بالمئة, حيث يمكن أن يكون الأب مصدر العنف في الأسرة يستعمل العنف البدني والمعنوي ضد بناته أو زوجته وأحيانا نسمع عن جرائم تخص زنا المحارم, فهناك من أجبر ابنته على ارتكاب الفعل المخل بالحياء, وهناك من أجبرها على الإجهاض لتغطية الفضيحة, وهناك من يحرم بناته من الدراسة أو يفرض عليهن الزواج من شخص لا تتقبله أو يجبرها على التسول أو يستولي على مالها أو يسلط عليها عنفا جسديا أو معنويا, كلها قضايا واقعية منها ما وصل إلى أروقة المحاكم ومنها مازال مسكوتا عنه. الأخ هو الآخر مصدر للعنف ضد المرأة, قد يمارس عنفا جسديا أو معنويا على شقيقاته, فهناك من يحتجز أخته حارما إياها من حقها في الدراسة, يهددها, بل ويوجد من تحرش جنسيا بأخته. العنف المسلط ضد المرأة من أشخاص تعرفهم, حددته الإحصائيات المقدمة من طرف شبكة وسيلة ب42 بالمئة. الصديق أو العشيق يمكن أن يكون طرفا في العنف الممارس ضد المرأة. فهناك من خطف صديقته, احتجزها, تحرش بها أو اغتصبها والتخلي عنها وإجبارها على الإجهاض أو عدم الإعتراف بولدها هو أيضا عنف ضدها, كما يندرج في هذا الإطار العنف في الشارع أو في مكان العمل.أما العنف الذي قد تتعرض لها المرأة من أشخاص لا تعرفهم فبلغ 13 بالمئة. هذا وفي تحليلها للنتائج, تقول دليلة جلبان أن العنف المسجل في البيت يساوي العنف الممارس من الأشخاص المجهولين ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر لما آلت إليه الأوضاع داخل البيوت. هذا وأضافت أن 78 بالمئة من المعنفات بين 29 و44 سنة والباقي بين 12 أو 13 وحتى 80 سنة, 18 بالمئة منهن عاملات و40 بالمئة بدون عمل. وصنفت محدثتنا العنف إلى العائلي, الإجتماعي والسياسي الذي يندرج فيه العنف القانوني مثل التماطل في الشكوى, ضياع الملفات وغيرها من التعقيدات البيروقراطية وهناك من يصنفه إلى نفسي وجسدي. حسب الأستاذة فطيمة أوصديق أستاذة في علم الاجتماع »السكوت عن العنف أحد أسباب انتشاره« إن انتشار حالات العنف في التعامل يحدث خللا في العلاقات بين الأفراد, وعن الأسباب التي أدت إلى هذا الاستفحال لظاهرة العنف هو السكوت عنه حسب ما أكدته فاطمة أوصديق, أستاذة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر, مرجعة ذلك إلى أن بعض أساليب التربية في المجتمع للبنات جعلتهن يسكتن عن حالات العنف التي يتعرضن لها «يتم إفهام البنت منذ صغرها أنه يجب أن تكون في خدمة العائلة من الإخوة والأب, وأن مصيرها هو بيت زوجها ويجب أن تصبر على كل ما يصدر منه حتى تحافظ على عائلتها, هذا ما عزز المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه, وما يجعل المرأة عموما تسكت على ما تتعرض له من عنف هو التبعية المادية التي تعيشها الأغلبية الساحقة منهن فتقبل حياة الهوان تلك على أن تخسر بيتها وتيتم أبناءها, حيث يشكل الأطفال العائق الأول الذي يجعل الأم ترفض رفع دعوى ضد زوجها, وبالتالي تفضل السكوت والتضحية من أجل أولادها, لذا تكون النساء العاملات والمستقلات ماديا أكثر جرأة من غيرهن في التصريح بما يتعرضن له». وتضيف نفس المتحدثة أنه في بعض الأحيان تكون تكاليف الإجراءات القانونية سببا في ذلك بسبب عدم توفر المال الكافي لتحريك الدعوى قضائيا أو بسبب جهل المرأة للإجراءات القانونية «صحيح أن هناك مساعدة قانونية, ولكنها مجهولة لدى العديد من النساء». إن ضحايا العنف من النساء عموما لا يجدن من يشجعهن على التبليغ, وإذا رفعت شكوى عند مصالح الشرطة يطلبون بشهادة طبيب شرعي, ولكن هناك بعض ضحايا العنف غير الظاهر الذي لا يمكن إثباته طبيا, وهذا ما تعتبره شبكة وسيلة ضرورة لابد من الاجتهاد لإثباتها قضائيا. الصمت على العنف هو تشجيع له هذا وتشير الأستاذة أوصديق أن كل أفراد المجتمع يلعبون دورا كبيرا في الحد من ظاهرة العنف ضد النساء, منها تشجيع الضحايا على الشكوى وتدخل الهيئات المسؤولة لوضع حد للعراقيل, فالإرادة وحدها ليست كافية للتغيير إن لم تكن مصحوبة بآليات رسمية ومتابعة سير إنجازها على أرض الواقع. وفي هذا الصدد تقول ذات المتحدثة «في زمان مضى كان الناس في حال مشاهدتهم لرجل يضرب امرأة يتدخلون وكثيرا ما يقف الجيران ضد رجل, لأنه ضرب زوجته ويحاولون منعه بشتى الطرق, ولكن اليوم صرنا نشاهد نساء يتعرضن للعنف في الشارع دون أن يحرك أحدهم ساكنا, مبررا ذلك بأن يكون زوجها أو أخاها وهو يقوم بتأديبها».