يعد التسول من المظاهر الاجتماعية المشينة التي انتشرت في بلدنا، وفي كثير من البلدان العربية، حتى أصبحت تواجهنا في كل مكان تقريبا، إذ أصبحت هناك أعداد لا تعد ولا تحصى من المتسولين الذين تجدهم في أغلب الأحيان أمام المساجد، وفي محطات النقل، وعلى أبواب المقابر، وغيرها من الأماكن التي تكون مكتظة بالمواطنين، كما أنه يعد ظاهرة جد قديمة استفحلت في أوساط مجتمعنا، وباتت تشكل عليه خطرا كبيرا، خاصة وأنها بدأت تمتد إلى الأطفال الصغار، وهذا من خلال استغلالهم وإقحامهم في هذا العالم، وهو ما يعد تصرفا غير إنساني وغير أخلاقي إطلاقا، لأنهم بذلك يحرمون الطفل من أبسط حقوقه، كالتعليم وعيش حياة كريمة· التسول لم يعد حكرا على الضرير، أو الكسيح أو العجوز الفقير الوحيد، كما هو منطق التسول، حيث بات أسرع وسيلة لجمع الثروات، وتجارة رائجة، تصطاد زبائنها من أصحاب القلوب الطيبة الذين لا يتحملون رؤية مثل تلك المناظر، غير أن التسول اليوم أصبح فنا وتجارة مربحة، تدر على أصحابها الملايين، وهذا الأمر جعلها تتطور شيئا فشيئا، نحو الأسوأ والأخطر، حيث بات المتسولون، خصوصا النساء، يقمن باستغلال الأطفال ومنهم الرضع كوسيلة للتأثير على العامة، وهذا من أجل جمع أكبر قدر ممكن من المال بحجة العوز والجوع والتشرد، وغيرها من الجمل المؤثرة بعد أن ينتقون أماكن صيدهم بدقة فائقة ومنها مداخل المؤسسات الحكومية، كالبنوك وغيرها، وكذلك تقاطع الطرق والاختناقات المرورية ومحطات النقل والمساجد· إن استغلال الأطفال بمثل هذه الطريقة البشعة، من طرف أشخاص همهم الوحيد كسب المال، ولو كان ذلك عبر استعمالهم للأطفال من مختلف الأعمار، بدءا بالرضع، يعجل من تجريد هؤلاء الأطفال من براءتهم، ويحرمهم من عيش طفولتهم كبقية أقرانهم، لأن الطفل بولوجه عالم غير عالمه الطفولي، سيكتسب بالتأكيد عادات شاذة، وتصرفات غير أخلاقية، ناهيك عن تعلمهم واحترافهم لأغلب العادات المنحرفة على غرار السرقة والمخدرات، وهذا منذ نعومة أظافرهم، ليكونوا بذلك مجرمين وسارقين ومنحرفين مستقبلا، بدلا من أطباء ومهندسين وأساتذة، حيث يتم استغلالُهم بطريقة غير إنسانية مما يجعل الطفل الصغير يدخل إلى عالم مجنون، لا يعرف منه إلا المصالح والمنفعة، ولا يفقه غير المادة وكيفية الحصول عليها، وبذلك تتحول تلك البراءة وتتشوه، بما تكتسبه من الاحتكاك بهذه الفئة من المجتمع· وفي هذا الشأن، ومن أجل معرفة رأي المواطنين فيه، قمنا بالحديث مع البعض منهم، حيث أجمعوا على أن ظاهرة استغلال الأطفال في التسول، تعد مشكلة اجتماعية خطيرة، إذ قالت السيدة سعيدة، إن التسول ظاهرة رافقت الإنسانية منذ نشأة المجتمع الإنساني المدني، غير أن الخطير فيها، هي الطريقة البشعة التي يتم استغلال الأطفال فيها، فالطفل مكانه الطبيعي في بيته مدرسته، وفي عالمه الجميل البريء، وأحلامه البسيطة الصغيرة، وبين ألعابه، وليس في الشارع مع المجرمين واللصوص، يمد يديه للحصول على المال، الذي سيقضي بكل تأكيد على طفولته مستقبلا، وسيكون النهاية للحياة الكريمة لاحقا، وانتحارا أكيدا لكل طموح أو مستقبل كان ممكن أن ينتظره يوما ما· وعليه فان استفحال هذه الظاهرة في السنوات القليلة الماضية، جعلها بحاجة لجهود منظمة من طرف السلطات المعنية، من أجل القضاء عليها، وأيضا من طرف المواطنين، وهذا من خلال توعيتهم بضرورة مكافحتها، وعدم الانسياق وراء العواطف والمشاعر، لأن التعاطف بمثل هذه الحالات يزيد من تعقيد هذه المشكلة بدلا من التخلص منها· فالتسول ظاهرة غير حضارية وغير إنسانية، ويجب أن تتكاتف كل الجهود، للحد منها، ومعاقبة كل من ينظمها، وهو ما تعمل عليه الجهات المعنية فعلا، من خلال تنصيب لجنة لإعداد قانون أو نص مرسوم يسمح بانتزاع الأطفال من الأشخاص الذين يتخذونهم كوسيلة للتسول، حيث سيتم عرضه على الحكومة ليصبح ساري المفعول، ويبلغ للجهات المعنية ووزارة العدل، لكي يتمكن الأعوان من التصرف في إطار القانون، وبالتالي يتمكنون من حماية الأطفال، خاصة الرضع من التشرد ومن الظروف القاسية·