رحلتنا عبر دهاليز تاريخ أقوى بطولة قارّية تتواصل ومعها يتواصل التشويق والإثارة، فبعد أن تعرّفنا في حلقة أمس على دورة 1972 التي أقيمت في بلجيكا وتوّج بها المنتخب الألماني بفوزه في اللّقاء النّهائي على الاتحاد السوفياتي، والدورة الموالية التي أقيمت في يوغسلافيا عام 1976 وعاد لقبها للمنتخب التشيكي على حساب حامل اللّقاء ألمانيا. في حلقة اليوم سنتحدّث عن دورتي 1980 التي أقيمت في إيطاليا ودورة 1984 التي أقيمت في فرنسا، ترى من كان له شرف انتزاع لقبي البطولتين السلفي الذّكر؟ ذلك ما سنتعرّف عليه حالا. البطولة السادسة إيطاليا 1980: اللّقب الثاني لألمانيا وسقوط مدوّي لإيطاليا أفرزت تصفيات دورة إيطاليا 1980 فشل منتخب فرنسا للمرّة الخامسة على التوالي في التأهّل في المجموعة الخامسة، كما أخفق المنتخب السوفياتي في التأهّل بعد أن حلّ في الصفّ الأخير في مجموعته، وهو ثاني غياب للرّوس بعد أن سجّلوا حضورهم في الدورات الأربع الأولى. المنتخب الفرنسي حلّ ثانيا في مجموعته التي تصدّرها بطل الطبعة الأخيرة منتخب تشيكوسلوفاكيا بفارق نقطة واحدة عن هذا الأخير، وقد كلّفت الفرنسيين خسارتهم بأرضهم أمام التشيكوسلوفاكيين غاليا، حيث أبعدتهم عن حضور العرس الأوروبي، وبذلك تبخّر الحلم الفرنسي في رؤية فريقهم في إيطاليا. بطل الرّقم القياسي في عدد الحضور إلى النّهائيات قبل دورة 1976، منتخب الاتحاد السوفياتي، فأجا المتتبّعين بحلوله في الصفّ الأخير في المجموعة السادسة التي تصدّرها المنتخب اليوناني، فيما حلّ ثانيا المنتخب المجري وثالثا المنتخب الفنلندي. قرعة النّهائيات.. مجموعتان ناريتان أفرزت قرعة النّهائيات مجموعتين ناريتين، فالمجموعة الأولى وضع على رأسها مستضيف البطولة إيطاليا إلى جانب كلّ من إنجلتراوبلجيكاوإسبانيا، فيما ضمّت المجموعة الثانية كلاّ من تشيكوسلوفاكيا بطل الدورة الأخيرة وإلى جانبه من توّج عليه منتخب ألمانياالغربية، إلى جانب كلّ من هولندا واليونان. نهائي الطبعة الأخيرة يتكرّر في لقاء الافتتاح في أمسية ربيعية من يوم 11 جوان من عام 1980 أعطيت إشارة انطلاقة البطولة بالملعب الإولمبي بالعاصمة الإيطالية روما، بحضور حوالي 50 ألف متفرّج بين منشّطي آخر نهائي المنتخبين التشيكي البطل وألمانياالغربية الوصيف. الألمان بدأوا مسيرتهم بضربة حظّ على حساب نظيرهم التشيكي في افتتاح البطولة، وبهدف وحيد من رأس رومينيغي في الشوط الثاني. هدف يتيم يطيح باليونان أمام هولندا في نفس اليوم وبملعب سان باولو بمدينة نابولي كان الموعد مع مباراة وصيف مونديال 1974 و1978 المنتخب الهولندي مع الوافد الجديد اليونان. أبناء (الإغريق) وقفوا الندّ للندّ في وجه (الطاحونات) الهولندية، وبع جهد جهيد تمكّن الهولندي الصاعد كيس كيست من هزّ شباك اليونان، هدف ضمن به الهولنديون نقطتين مهمّتين. وبالرغم من الخسارة التي تكبّدها اليونانيون إلاّ أن لاعبيهم استحقّوا الثناء أكثر من الهولنديين بقيادة نيسكنز. تعادلان في افتتاح المجموعة الثانية شهدت مبارتا افتتاح المجموعة الثانية تعادلين، ففي اللّقاء الأوّل الذي كان مسرحا له ملعب كومونالي بمدينة تورينو بين المنتخبين الإنجليزي بقيادة كيفن كيغان والمنتخب البلجيكي بقيادة أنزو شيفو البالغ من العمر 18 سنة، وانتهى اللّقاء بالتعادل الإيجابي هدف لمثله، سجّل للإنجلترا راي ويلكينز فيما سجّل لبلجيكا اللاّعب المتألّق جان كويلمانس، فقد أسال العرق البارد للإنجليز، ولولا عامل الحظّ لوقع أكثر من هدف. ففي الوقت الذي كان فيه الإنجليز يبحثون عن نقاط ضعفهم تحسّبا للمواجهة الثانية، سقط الإيطاليون في فخّ التعادل السلبي أمام إسبانيا بملعب سان سيرو، حيث لم يجد نفعا حضور أكثر من 60 ألف إيطالي في انتزاع نقطتي اللّقاء. أشبال المدرّب الإيطالي بيرزوت فينتشنزو دخلوا البطولة دون المهاجم باولوو روسي، وغياب هذا النّجم كان له الأثر السلبي على الخطّ الأمامي. ألمانيا تهزم هولندا وتحسم تأهّلها إلى النّهائي مبكّرا بعد هزمهم للمنتخب التشيكي في اللّقاء الأوّل التقى منتخب ألمانياالغربية في مواجهته الثانية مع هولندا في لقاء هو نسخة طبق الأصل لنهائي مونديال 1974، والذي عاد فيه الفوز للألمان بهدفين لواحد. اللّقاء الثاني من ذات المجموعة الأولى كان مسرحا له الملعب الأولمبي بالعاصمة الإيطالية روما، وجمع بين المنتخبين التشيكي واليونان وانتهى لمصلحة بطل الدورة الأخيرة تشيكوسلوفاكيا بنتيجة ثلاثة أهداف لواحد، فوز معنوي ليس إلاّ خاصّة بعد فوز ألمانيا على هولندا. بلجيكا تقصي إسبانيا و"الطاليان" يقصون الإنجليز شهدت مبارتا الجولة الثانية من المجموعة الثانية إقصاء كلّ من إسبانيا على يد بلجيكاوإنجلترا أمام مستضيف البطولة إيطاليا، فيما انتهت مبارتا ختام المجموعة الأولى بالتعادل، الأولى بين المنتخبين التشيكوسلوفاكي والهولندي بهدف لمثله، والثانية بين المنتخبين اليوناني وألمانياالغربية وانتهى اللّقاء كما انطلق دون أهداف. بلجيكا تقصي إيطاليا وفوز دون طعم لإنجلترا على إسبانيا عكس مبارتي المجموعة الأولى، في الثانية اتجهت الأنظار إلى ملعب روما الأولمبي بمناسبة احتضانه للقاء ملتهب بين إيطاليا وبلجيكا، الأخير كان يكفيه التعادل لبلوغ النّهائي، فيما كان لا خيار لإيطاليا سوى الفوز لمواجهة ألمانيا في النّهائي لكن ذلك لم يتحقّق بعد انتهاء المباراة بالتعادل السلبي. اللّقاء الثاني من ذات المجموعة جرى بملعب سان باولو بمدينة نابولي، وانتهى لمصلحة إنجلترا على حساب إسبانيا بهدفين لواحد، سجّل للفائز كلّ من تريفور بروكنغ توني وودكوك وللمنهزم دانييل روز. النّهائي.. ألمانيا تستعيد تاجها على حساب بلجيكا جرى اللّقاء النّهائي يوم 22 جوان بملعب روما الأولمبي بين المنتخبين الألماني والبلجيكي، في لقاء شهد ندية كبيرة بين منتخبين متباينين. افتتح الألماني روباش باب التسجيل في الشوط الأوّل، لكن في الوقت الذي انتظر فيه الألمان حسم اللّقب تماما في الشوط الثاني كانت استفاقة البلجيك ناجعة، حيث حصلوا على ضربة جزاء جسّدها اللاّعب فينديرأيكن في الدقيقة ال 78. لكن في الأنفاس الأخيرة من اللّقاء ومن ركنية أضاف الألمان هدفا ثانيا، وقّعه اللاّعب روباش معلنا نهاية الدورة السادسة بتتويج ألماني مستحقّ. البطولة السابعة فرنسا 1984: ديوك فرنسا من ذهب في نظرة خاطفة عن هوية المنتخبات المتأهّلة إلى النّهائيات نلاحظ عودة بعض منتخبات مقابل غياب البعض منها، كما نسجّل وجود ولأوّل مرّة منتخبات في النّهائيات. فإضافة إلى إيطاليا سجّل غياب الاتحاد السوفياتي، بطل الدورة الأولى، كما غاب بطل دورة 1976 المنتخب التشيكوسلوفاكي، ولا ننسى المنتخبين الإنجليزي واليوناني. بالمقابل، سجّلت عودة منتخبات سبق لها وأن غابت في الدورة الأخيرة ونخصّ بالذّكر يوغسلافيا والدانمارك، فيما سجّلت مشاركة ولأوّل مرّة المنتخبين الرّوماني والبرتغالي. قرعة البطولة أفرزت قرعة البطولة مجموعتين غير متكافئتين، فالمجموعة الأولى ضمّت كلاّ من منتخب البلد المنظّم فرنسا والدانمارك ورومانيا ويوغسلافيا، فيما ضمّت المجموعة الثانية كلاّ من ألمانياالغربية بطلة الدورة الأخيرة، وبلجيكا منافسها في النّهائي، والبرتغال. الانطلاقة.. "الديكة" تلتهم "الدببة" في الثاني عشر من شهر جوان سنة 1984 وبملعب حديقة الأمراء بباريس وأمام مدرّجات مكتظّة عن آخرها انطلقت المباراة الافتتاحية بين أصحاب الأرض فرنسا والمنتخب الدانمارك، الأوّل يقوده ميشال بلاتيني والثاني أليكار لارسن. المنتخب الفرنسي عرف فوزا افتتاحيا على حساب الدانمارك وعلى حساب ساق أسطورتها آلان سيمونسن التي كسرت خلال اللّقاء، ليودّع الدانمارك القصير جيلا كاملا من المشاهدين لم يعاصروا أمجاده خلال السبعينيات. اليوغسلاف يسقطون في كمين الوصيف في اليوم الموالي من لقاء الافتتاح وعلى ملعب فيلكس بولارت سقط المنتخب اليوغسلافي في كمين وصيف البطولة الأخيرة المنتخب البلجيكي بهدفين لصفر، وقّعهما الثنائي إروين فاندينبيرغ وجيورجيس جرون، فوز مكّن المنتخب البلجيكي من انتزاع ريادة المجموعة من المنتخب الفرنسي بفارق الأهداف. تعادل مخيّب للبطل ولإسبانيا أمام البرتغال ورومانيا أولى مباريات المجموعة الثانية جمعت حامل اللّقب منتخب ألمانيا بالمنتخب البرتغالي، ورغم السيطرة الكبيرة التي فرضها الألمان بقيادة رومينيغي إلاّ أن جميع المحاولات باءت بالفشل، لتنتهي المباراة بتعادل السلبي. وفي نفس اليوم، أي في الرّابع عشر من شهر جوان، وبملعب غيوفروي غيشارد جرى اللّقاء الثاني من ذات المجموعة، وجمع المنتخبين الإسباني والروماني، وبالرغم من تباين مستوى المنتخبين إلاّ أن اللّقاء انتهى بالتعادل هدف لمثله. خماسية فرنسية في شبابك بلجيكا وأخرى دانماركية في شباك يوغسلافيا شهدت مبارتا الجولة الثاني عن المجموعة الأولى تسجيل خماسيتين، الأولى فرنسية في شباك بلجيكا والثانية دانماركية في شباك بوغسلافيا. (سنفونية) بلاتيني تواصلت في ختام مباريات ذات المجموعة، أمام يوغسلافيا كان الفرنسيون عمليا في نصف النّهائي، إلاّ أن التأخّر بهدف في سانت ايتيان طيلة ساعة كاملة كان محرجا. تمريرة من جان ماري فيريرا إلى بلاتيني الخالي من الرقابة سمح بالتعادل، بعدها قفزة في الفراغ من نجم جوفنتوس خلف عرضية من فيرنانديز كان نتاجها هدف التقدّم الفرنسي، الهدف الثالث في أقلّ من 18 دقيقة جاء من ضربة حرّة على أطراف المنطقة، منهيا به المباراة. الدانمارك يقصون وصيف الدورة الأخيرة الكلاسيكية الكروية التي أقيمت بملعب ستراسبورغ عرفت تقدّما بلجيكيا بهدفين نظيفين في أوّل 40 دقيقة (منها الهدف الثاني الإعجازي لفرانك فيركوتيرن)، الردّ الدانماركي كان سريعا قبل الشوط الأوّل عن طريق ركلة جزاء مثيرة للجدل حوّلها فرانك أرنسن، معطيا بصيصا من الأمل لرفاقه تحقّق بالفعل على رأس كينيث لارسن، ليختمها أليكار لارسن بواحد من أفضل أهداف البطولة متخطّيا الدفاع البلجيكي لنحو 35 مترا قبل أن يودعها مرمى جان ماري بفاف ضامنا مقعدا دانماركيا في قبل النّهائي كثاني المجموعة خلف أصحاب الأرض. الثانية الأخيرة تقصي البطل والجاران يواصلان انتظر الإسبان متصدّري المجموعة الثانية الثواني الأخيرة من مباراتهم أمام ألمانيا لانتزاع نقاط الفوز، النقاط التي تسمح لهم بالعبور إلى المربّع الذهبي، وبالتالي اللّحاق بكلّ من فرنسا والدانمارك. فقد كان الإسبان على وشك مغادرة البطولة لولا رأسية ماسيدا التي عرفت شباك توني شوماخر، رأسية أقصت حامل اللّقب بطريقة لم يهضمها الألمان، وفضّل لاعبوه البقاء داخل الملعب لأكثر من ربع ساعة تأثّرا بالإقصاء المرّ. المواجهة الثانية من ذات المجموعة بين المنتخبين الرّوماني والبرتغالي انتهت لمصلحة الأخير بهدف لصفر وقّعه اللاّعب تاماجنيني نيني، فوز مكّن البرتغاليين من بلوغ المربّع الذهبي، إلى جانب الجارة إسبانيا. الدور نصف النّهائي إسبانياوفرنسا إلى النّهائي مواجهة فرنسا والبرتغال شهدت ندية كبيرة وإثارة لم تشهدها بطولات أوروبا من قبل، الأمور كانت تبدو في مسارها الصحيح بلا متاعب وذلك في الدقيقة ال 24 مع هدف جان فرانسوا دوميرغ، وقبل ربع ساعة من نهاية المباراة،جاء هدف التعادل للبرتغال برأسية جورداو، ليدخل الفريقان شوطين إضافيين. في الدقيقة ال 98 أهدى شالانا التقدّم للبرتغال، لكن في الدقيقة ال 116 بلايتي عدّل النتيجة وبعدها بدقيقتين نفس اللاّعب قضى على أحلام البرتغاليين. وفي الوقت الذي كان فيه الفرنسيون يقيمون الولائم والأفراح بمناسبة بلوغ منتخبهم النّهائي، كان المنتخبان الدانماركي والإسباني يخوضان مباراة ماراطونية امتدّت إلى شوطين إضافيين، بعد أن فشل كلّ واحد منهما في إضافة هدف ثاني قد يحسم به اللّقاء. وقد لجأ المنتخبان إلى ضربات الجزاء لتحديد هوية المتأهّل، فكان الحظّ حليف الإسبان، علما أن مسجّل هدف إسبانيا في اللّقاء هو ماكيدا فرانسيس، فيما سجّل هدف الدانمارك اللاّعب سورين لاربي. النّهائي.. بلاتيني يبكي الإسبان ويمنح فرنسا أوّل لقب أوروبي بعد ليلة عصيبة عرفت التعادل في الوقتين الأصلي والإضافي (1 - 1)، استغرق الأمر شوطا أوّل (قبيحا) قبل أن يتمكّن بلاتيني في الدقيقة ال 57 من وضع بلاده على أوّل خطوات اللّقب، بركلة حرّة تسلّلت من تحت إبط الحارس الإسباني لويس أركونادا كدودة في تفاحة خضراء، خطأ وحيد أجهز على حارس البطولة الأوّل ذلك العام. بدا الأمر أكثر صعوبة بالنّسبة للإسبان في تحقيق معجزة أخرى (كالتي تحقّقت لضمان التأهّل إلى البطولة على حساب هولندا بإحراز 12 هدفا في مالطا بالتصفيات)، ليجهز بيلون على الأمر رسميا بهدف حاسم من هجمة مرتدّة في واحدة من أكثر المباريات النّهائية الأوروبية وداعة على الإطلاق.