أماط البروفيسور الأمريكي من أصل يوناني (نيكوس ريتسوس) وهو أستاذ العلوم السياسية المتقاعد في شيكاغو بالولايات المتّحدة، اللّثام عن العديد من القضايا والأمور المهمّة والمعلومات الدقيقة الخاصّة بتطوّرات الأوضاع في مصر، وذلك من خلال ما كتبه في مدونّات نشرتها صحيفتا (تليغراف) البريطانية و(ديلي ستار)اللّبنانية باللّغة الإنجليزية. وكشف الأكاديمي الأمريكي البارز عن وجود شراكة بين المجلس العسكري الحاكم في مصر مع الولايات المتّحدة وإسرائيل في إعادة إنتاج نظام مبارك -على حدّ وصفه- بمسمّيات تتلاءم مع الربيع العربي. وقال البروفيسور (ريتسوس): (أحمد شفيق هو الخيار الاستراتيجي الجديد للولايات المتّحدة وإسرائيل بالشراكة مع أعضاء المجلس العسكري مجتمعين وفرادى). وتحدّث الكاتب عن دور واشنطن في شيْطنة الثورة وإجهاضها وإثارة التشكيك والتخوين بين القوى الثورية، مشيرًا إلى تلاعب المخابرات الغربية بالمصريين من خلال حرب نفسية تهدف إلى تشتيت الإرادة والوحدة وتثير الفزاعات واستحضار معارك الماضي، والهدف هو إعادة إنتاج النظام القديم. وفيما نشره بصحيفة (ديلي ستار) وترجمته صحيفة (الوفد) المصرية، قال الأكاديمي الأمريكي: (سقط مبارك وكان هناك شخصٌ آخر في صعود وهو أحمد شفيق آخر رؤساء وزاراته، وهو الآن الخيار المفضّل لدى الولايات المتّحدة وإسرائيل والمجلس العسكري الذي يعتمد تمامًا على الولايات المتّحدة في الدعم والإمدادات والتدريب والتمويل)، وأضاف: (إذا كان قد حكم على مبارك واتّهم بقتل الشهداء فلماذا لم يتمّ الحكم على رئيس وزرائه في ذاك الوقت أحمد شفيق؟ أليس هو الآخر مسؤولاً وبدرجة مماثلة؟! من الواضح أن محاكمة مبارك كانت مظهرية للترضية والالتفاف على الرأي العام، بينما من وراء الستار كانت الولايات المتّحدة والمجلس العسكري يعدّون رئيس وزراء مبارك ليستبدله ويستمرّ عهدُه بكلّ معانيه، وأشكّ في أن مبارك سيتمّ تبرئته عقب الانتخابات لانعدام الأدلّة). وأردف البروفيسور الأمريكي من أصل يوناني (نيكوس ريتسوس): (أراهن أن المجلس العسكري والجنرالات سيستمرّون ليكونوا أصحاب الكلمة الأخيرة والفصل، لتذهب مصر في الاتجاه الذي يقرّرونه هم وحدهم، وبالتالي فإن عهد مبارك لم ينته لكن جار إعادة صياغته وتشكيله وتضبيطه ليتلاءم مع سياسات إسرائيل والولايات المتّحدة ويتمّ هذا بواسطة المجلس العسكري)، وقال: (ما يجري الآن هو إعادة تعبئة عهد مبارك في صندوق يتلاءم مع الربيع العربي وإعادة بيعه للمصريين مرّة أخرى). وأشارت صحيفة (الوفد) إلى أن صحيفة (تليغراف) نشرت كذلك قول البروفيسور الأمريكي: (لقد عاش المصريون ربيعًا عربيا تحوّل إلى ثورة، وظنّوا أنهم فازوا بذلك، وكان المصريون في منتهى البهجة واحتفلوا. لكن فجأة اختفت الثورة ويبدو الآن أن الثورة كانت مثل خدعة الساحر: تراها الآن، ولا تراها الآن فماذا حدث؟)، وأضاف: (لقد تمّ اختطافُ الثورة من قبل المجلس العسكري امتثالاً لطلب الولايات المتّحدة باحتواء ما قد يلحق من ضرر لمصالح الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط). وأردف البروفيسور (ريتسوس): (كان الرئيس السابق حسني مبارك قد تعهّد بعدم الاستقالة خلال الاحتجاجات الواسعة والمستمرّة وكانت الولايات المتّحدة تخشى قيام انقلاب عسكري من قبل صغار الضبّاط كما حدث في عام 1952 بقيادة جمال عبد النّاصر، ولمنع هذا فقد أمرت الولايات المتّحدة الجنرالات بالإطاحة بمبارك، ثمّ ظهر مبارك عقب ذلك في حالة نفسية سيّئة على الشاشة حين تمّ اصطحابه لطائرة هليكوبتر عسكرية تحت حراسة لوضعه قيد الإقامة الجبرية في استراحته بمنتجع بسيناء، وبعدها ظهر نائبه عمر سليمان على شاشة التلفزيون ليقول للمصريين: إن الرئيس مبارك قد ققر التنحّي عن منصبه، وهو ما لم يحدث في الواقع، لكن المجلس العسكري الحاكم طالب مبارك بالحفاظ على الهدوء أو السجن مدى الحياة، كانت هناك محاكمة هزلية قصيرة). وطرح البروفيسور الأمريكي سؤالاً هو: لماذا استجاب الجنرالات للأوامر من الولايات المتّحدة؟! وأجاب عن هذا السؤال بقوله: إن الأسباب وراء ذلك هي: 1- دون أسلحة الولايات المتّحدة والمستلزمات والتمويل وقطع الغيار سيصبح الجيش المصري بلا غطاء. 2- لقد ساعدت الولايات المتّحدة جنرالات الجيش المصري على السيطرة على قطاع واسع من الصناعات التي يقدّرها خبراء بنحو 20 % من الاقتصاد المصري (وفي تقديرات أخرى بالضعف، وهذا ما يجعلهم في غنى عن أمراء السعودية كردّ لجميل علاقاتهم والتبعية للولايات المتّحدة. من ثمّ هل في إمكانهم الفعل دون ما تقدّمه الولايات المتّحدة من الأسلحة والمال؟ لا فلديهم القليل من النّفط والغاز الطبيعي، كما أن اعتمادهم على الولايات المتّحدة مماثل لاعتماد حامد كرزاي والحكومة الأفغانية، إلاّ أنه لا يوجد لديهم تمرد طالبان للتعامل معه). وقال البروفيسور (ريتسوس): (عندما أمرت الولايات المتّحدة المجلس العسكري المصري بإسقاط مبارك فإن الولايات المتّحدة كان لديها خطط أخرى لتحقيق الاستقرار في مصر، وهو تعبير عن كناية ملازمة لتخريب الثورة والحفاظ على الوضع الرّاهن كما هو، وعلى الفور خصّص الكونغرس الأمريكي ملايين الدولارات لتمويل المنظّمات غير الحكومية، مثل المعهد الجمهوري الدولي، المعهد الديمقراطي الوطني وبيت الحرّية بالتزامن مع المنظّمات الأوروبية غير الحكومية الأخرى، والتي مهّدت الطريق لشيطنة الثورة المصرية، وعندما بدأ بعض المصريين يتساءلون لماذا لم تكن هذه المنظّمات غير حكومية الأجنبية موجودة أو كان لها حضور لتعزيز الديمقراطية خلال 30 سنة من حكم مبارك الاستبدادي بينما الآن هم يملأون مصر؟ في العام الماضي ألقي القبض على سام لحود نجل وزير النقل الأمريكي كستار دخان ليبين المجلس العسكري للمصريين أن الأجانب لن يكون لهم دور في تشكيل مستقبل مصر، لكنهم سيفعلون ذلك، فبوفرة من المال الأمريكي ودعم من المنظّمات غير الحكومية ودعم كامل من المجلس العسكري، صعد رئيس وزراء حسني مبارك أحمد شفيق السابق إلى القمّة). وأضاف أستاذ العلوم السياسية المتقاعد في شيكاغو بالولايات المتّحدة: (لقد قلبت الولايات المتّحدة الثورة المصرية مثلما تقلب قطعة نقود، فقد توارى جانب مبارك وصعد جانب شفيق وخرجت الولايات المتّحدة فائزة بالرّهان).