بعد أن تناولنا على مدار ثلاثة حلقات القصة الكاملة لفريق مولودية الجزائري بحر الأسبوع الماضي، نواصل سرد أهم المحطات التاريخية في مسيرة الكرة الجزائرية، وهذا بمناسبة الذكرى ال50 للاستقلال، الذكرى التي ستحل علينا قريبا. ففي نظرة خاطفة عن أهم المباريات التي خاضها منتخبنا الوطني لكرة القدم منذ فجر الاستقلال تستوقفنا بعض اللقاءات التي صنعت مجد الكرة الجزائرية. أول محطة هي الفوز التاريخي لمنتخبنا على منتخب بلغاريا بملعب 20 أوت، فرغم الطابع الودي للقاء، إلا أن الجزائريين تعايشوا معه أكثر مما عايشوا جيل اليوم بلوغ منتخبنا مونديال جنوب إفريقيا الأخير، حيث خرج الملايين في أمسية السادس من شهر جانفي إلى الشوارع محتفلين بالفوز التاريخي، لا لشيء بل لكون هاته المباراة لأول مرة يرفرف فيها العلم الوطني بأرض الجزائر الحبيبة، بعد 132 سنة من القهر والعذاب والاحتلال، فما كان قبل هذا التاريخ ضربا من الخيال تحول بعد الخامس جويلية حقيقة، فمن البديهي أن يفرح الجزائريون بأول لقاء لمنتخبنا الوطني، وعن هذا اللقاء نتوكل على الله وندخل في صلب الموضوع. لقاء بلغاريا الذي جاء مباشرة بعد الاستقلال أول لقاء انتظره الجزائريون بعد الاستقلال، هو ذلك الذي جرى بتاريخ السادس من شهر جانفي من عام 1963، أي في السنة الأولى التي أعقبت الاستقلال، الأمر الذي يعد تاريخي رغم طابعه الودي. اللقاء احتضنه ملعب 20 أوت، أمام جمهور غفير جدا اكتظ به هذا الملعب، وجاء اللقاء سريعا، المنتخب البلغاري كان السباق إلى التسجيل في المرحلة الأولى، لكن المرحلة الثانية كانت لمنتخبنا الوطني حيث فرض أشبال المدرب خباطو سيطرة كلية جسّدها لاعب أولمبي العناصر آنذاك عبد الغني زيتوني بهدفين، سمحت للمنتخب الوطني بإنهاء اللقاء لمصلحته، وهو أول فوز بعد الاستقلال يوقعه منتخبنا الوطني. الرباعية التاريخية في نهائيات كأس أمم إفريقيا عام 1968 بعد أن كسب منتخبنا الوطني ورقة العبور لأول مرة إلى الأدوار النهائية لكأس أمم إفريقيا التي جرت في شهر فيفري من عام 1968 على حساب كل من منتخب مالي في الدور الأول، حيث تفوق عليه منتخبنا الوطني ذهابا في بماكو 3/0 وإيابا في الجزائر 1 / 0، وفي الدور الموالي تأهل زملاء لالماس على حساب المنتخب البوركينابي بفوز في الجزائر 3/1، فيما لم يلعب لقاء العودة بعد انسحاب المنتخب البوركينابي. أوقعت عملية القرعة منتخبنا الوطني في الأدوار النهائية لكأس أمم إفريقيا في المجموعة الأولى، إلى جانب منتخب البلد المنظم إثيوبيا وكوت ديفوار وأوغندا، الأمر الذي صعّب من مهمة الفريق الجزائري من بلوغ الدور نصف النهائي، فبعد أن دشن الفريق الوطني المنافسة في 11 جانفي 1968 بخسارة أمام المنتخب الإيفواري 3/0، عاد من بعيد في اللقاء الثاني وسجل فوزا ساحقا على المنتخب الأوغندي بنتيجة لا تقبل أي جدل 4 / 0. ففي يوم 14 جانفي من ذات السنة، وفي يوم بارد وجد ممطر، وفي اللقاء الافتتاحي للقاء كوت ديفوار وإثيوبيا، عبث الخط الهجومي بدفاع وحارس المنتخب الأوغندي وهز شباكه برباعية سجل منها حسان لالماس ثلاثة أهداف كاملة، وهو اللاعب الوحيد إلى حد اللحظة في تاريخ مشاركات منتخبنا الوطني في الأدوار النهائية لكأس أمم إفريقيا الذي يتمكن توقيع ثلاثية كاملة في لقاء واحد، فيما سجل الهدف الرابع في شباك المنتخب الأوغندي زميل لالماس في شباب بلوزداد مختار كالام. وقد استقبل الجمهور الرياضي الجزائري هذا الفوز الساحق بفرحة عارمة كيف لا يفرح الجزائريون بهذا الفوز الذي جاء في وقت لم يسبق وأن شارك من قبل منتخبنا الوطني في أي دورة نهائية لكأس أمم إفريقيا، لكن هذه الفرحة سرعان ما تلاشت في اللقاء الموالي أمام مستضيف الدورة أثيوبيا، وكما كان منتظرا خسر الفريق الوطني اللقاء بنتيجة 3/1، لكن حتى وإن أقصي أشبال المدرب الفرنسي لوسيان لوديك، إلا أن اللاعبين الجزائريين كانوا محل إعجاب الأفارقة، فتم اختيار اللاعب حسان لالماس واحدا من بين أحسن اللاعبين في الدورة، وسيبقى الفوز المسجل على المنتخب الأوغندي راسخا في ذاكرة أرشيف الكرة الجزائرية. الفوز على فرنسا في نهائي دورة الألعاب المتوسطية عام 1975 سيبقى اللقاء الذي خاضه منتخبنا الوطني في يوم 6 سبتمبر عام 1975 ليلة أول يوم من رمضان المعظم من بين أهم المباريات التي لا تُنسى، كيف لا وأن المنافس اسمه المنتخب الفرنسي والمنافسة نهائي دورة الألعاب المتوسطية التي استضافتها بلادنا في تلك السنة. فأمام حوالي 80 ألف متفرج وتحت إشراف المدرب رشيد مخلوفي، انتظر الجمهور الرياضي الجزائري الثواني الأخيرة من اللقاء لتعديل النتيجة بفضل الهدف التاريخي الذي وقعه عمر بتروي بعد أن كان المنتخب الفرنسي متقدما في النتيجة 2/1، لكن في الوقت الذي كان فيه الحكم يستعد لإنهاء المباراة بفوز المنتخب الفرنسي، حدث مالم يكن يتمناه الفرنسيون بل مالم يكن يحلم به جل الجزائريين، ففي الوقت الذي انطفأت فيه أنوار صبورة ملعب 5 جويلية بانتهاء التسعين دقيقة، وإذا بعمر بتروني يقوم بهجمة خاطفة تمكن على إثرها من إسكان كرته شباك المنتخب الفرنسي، وياله من هدف، حيث أغمي على العديد من الجزائريين، كما أنه أعاد الرئيس الراحل هواري بومدين إلى ملعب 5 جويلية بعد أن غادره حتى لا يقف وقفة إجلال إلى النشيد الفرنسي، فجاء هدف منقلتي في الوقت الضائع ليمنح المنتخب الجزائري أول وآخر ميدالية ذهبية في الألعاب المتوسطية، وتتويج للكرة الجزائرية بعد الاستقلال. الخماسية التي لن ينساها المغاربة بعد أربع سنوات من الفوز التاريخي بالميدالية الذهبية لدورة الألعاب المتوسطية التي احتضنتها بلادنا عام 1975، كان الجزائريون على موعد مع فوز لا تزال طلاسمه مستورة إلى حد اللحظة، كيف لا وأن الفوز كان بملعب الدارالبيضاء المغربية والمنافس هو (أسود الأطلس) المغرب، والمنافسة الدور التصفوي الأخير لأولمبياد موسكو عام 1980. بعد مشوار إيجابي للفريقين في التصفيات، التقى الفريقان في الدور الأخير، ففي ملعب محمد الخامس بمدينة الدارالبيضاء وأمام حوالي 50 ألف متفرج، وتحت إدارة الحكم ميشيلوتي، انطلق الشوط الأول وأول محاولة كانت للاعب الخضر قمري الذي ضيّع هدفا محققا، وفي الدقيقة ال 15 قمري رضوان يمرر كرة بطبق من ذهب إلى اللاعب بن ساولة الذي راوغ بطريقة ذكية كل من العربي وليمان وأسكن الكرة في الزاوية اليمنى لمرمى حزاز، 1-0 للخضر بعد 15 دقيقة، دقيقة من بعد نفس اللاعب بن ساولة من جديد يفاجئ المغاربة ويصرعهم بهدف ثاني، وبالرغم من هذا لم يتسرب اليأس إلى صفوف المغاربة وتمكنوا من تقليص الفارق عن طريق ليمان في الدقيقة 32 بعد ضربة جزاء، وعلى وقع هدفين لواحد انتهى الشوط الأول. الشوط الثاني لم يختلف عن الأول ففي الدقيقة ال69 بن ساولة يرسل رصاصة الرحمة للمغاربة ويوقع بطريقة مبدعة الهدف الثالث، ولم يبق للمغاربة سوى الإرادة لإتمام اللقاء، وفي الدقيقة ال 71 فرقاني يضع مري رضوان وجها لوجه مع الحارس المغربي حزاز، وبكل سهولة يضيف ابن جمعية وهران الهدف الرابع، ليختم صالح عصاد مهرجان الأهداف في الدقيقة 87 بهدف ولا أروع منه برجله اليسرى، بعدها بدقائق قليلة أعلن الحكم ميشيلوتي صافرة النهاية بفوز تاريخي للخضر، وفي لقاء الذهاب جسد المنتخب الوطني قوته وهزم المنتخب المغربي بنتيجة 3/0 بملعب 5 جويلية ويبلغ لأول وآخر مرة الدورة النهائية للأولمبياد. التأهل لنهائي أمم إفريقيا 1980 على حساب "الفراعنة" من بين أبرز الانتصارات التي حققها منتخبنا الوطني، ذلك الذي حدث خارج أرض البلدين، بمدينة أيبادان النيجيرية في نصف النهائي لكأس أمم إفريقيا لعام 1980، فرغم تقدم المنتخب المصري بهدفين لصفر، تمكن كل من عصاد والمرحوم حسين بن ميلودي من تعديل النتيجة، وبهدفين لمثلهما انتهى الوقت القانوني، ليبدأ الوقت الإضافي الذي لم يحمل أي جديد في النتيجة، ليحتكم المنتخبان إلى ركلات الجزاء، فبعد انتهاء السلسلة الأولى بالتعادل 4/4، تمكن لخضر بلومي من حسم الموقف لمصلحة منتخبنا الوطني بتسجيله الضربة الأخيرة في شباك إكرامي، فجر بها حناجر اللاعبين الجزائريين، لم يصدق المصريون وهم يرون فرحة أشبال خالف محيي الدين يتأهلون إلى النهائي. يوم لن ينساه الجزائريون في ليلة الفاتح من نوفمبر عام 1981، التقى منتخبنا الوطني بنظيره النيجيري بملعب 17 جوان بمدينة قسنطينة في إياب الدور التصفوي الأخير لمونديال إسبانيا 82، الفريق الوطني دخل بالتشكيلة التالية: في الحراسة مهدي سرباح، في الدفاع صالح لرباس وفوزي منصوري ونور الدين وريشي ومحمود قندوز، وفي الوسط محمد قاسي سعيد ومحيوز وبلومي وفي الهجوم قموح وماجر وجمال زيدان، المدربون كل من الراحل روغوف ومعوش وصوكان. في الدقيقة 42 من بداية اللقاء قموح يضيع هدفا محققا، ست دقائق من بعد كان الجمهور الجزائري على موعد مع الهدف الأول وقعه لخضر بلومي، حيث استغل كرة مرتدة من زيدان يقذفها من 20 مترا ليسكنها في شباك الحارس النيجيري العملاق بيست، النيجيريون لم يستسلموا وراحوا يشنون الهجمة تلو الأخرى كللت بهدف في الدقيقة 40 عن طريق اللاعب ايسماو بنتيجة التعادل هدف لمثله انتهت المرحلة الأولى. المرحلة الثانية دخلها النيجيريون بقوة قصد إضافة هدفا ثانيا قد يمهد لهم الطريق إلى أهداف أخرى، لكن ونظرا لصمود الدفاع الجزائري بقيادة قندوز وقريشي بدأت تتلاشى القوة النيجيرية، وكان لحماس الجمهور الجزائري من المدرجات الأثر الإيجابي في نفسية اللاعبين، حيث راحوا ينقلون الخطر من منطقة الحارس سرباح إلى منطقة الحارس سيبت. وفي الوقت الذي بدأت فيه حناجر الجمهور الرياضي تنادي (وان تو ثري،، فيفا لالجيري) بلومي يرسل كرة طويلة إلى ماجر الذي حاول مباغتة الحارس النيجيري سيبت، لكن المدافع أويلي يرجع الكرة ثم يفقدها واستغل ماجر الكرة وسجل هدفا وهو ملقي على الأرض، هدف ولا أروع مثله، ثلاث دقائق من بعد أعلن الحكم السويسري دانيا نهاية اللقاء، بتأهل تاريخي لمنتخبنا الوطني إلى المونديال. الفوز على ألمانيا في مونديال إسبانيا بعد بلوغ منتخبنا الوطني نهائيات كأس العالم بإسبانيا على حساب المنتخب النيجيري كما سبق الذكر منذ قليل، أوقعت عملية القرعة منتخبنا الوطني في المجموعة الرابعة التي ترأستها ألمانيا إضافة إلى المنتخبين النمساوي والشيلي. دشن المنتخب الوطني مونديال إسبانيا في ال16 جوان 1982، ففي تمام الساعة الرابعة والربع من عصر يوم الأربعاء أعلن الحكم البيروفي لابوا إعطاء إشارة الانطلاقة بملعب خيخون أمام حوالي 20 ألف متفرج، فرغم الأسماء الرنانة التي كانت تزخر بها الآلة الألمانية، إلا أن شبان الجزائر بقيادة ثنائي التدريب رشيد مخلوفي وخالف محيي الدين تمكنوا من إنهاء الشوط الأول بدون أهداف، وهي النتيجة التي تمنى حينها الجمهور الرياضي الجزائري أن تنتهي بها المباراة كونها أشبه بالانتصار. لكن زملاء ماجر في المرحلة الثانية قالوا: لا.. يجب أن نفوز، حيث تمكن ماجر بطريقة رائعة من فتح باب التسجيل بعد 15 دقيقة من اللعب، وبعدها ب10 دقائق تمكن ورمينيغي من تعديل النتيجة، لكن فرحة الألمان لم تدم إلا دقيقة واحدة، ففي عز هذه الفرحة نجمنا الكبير وأحسن لاعب جزائري لكل الأوقات لخضر بلومي يتمكن من هز شباك الحارس الألماني شوماخر، ورغم الفرص العديدة التي أتيحت لزملاء شتيليكي وروباش، إلا أن النتيجة بقيت على حالها إلى غاية انتهاء اللقاء بفوز تاريخي لمنتخبنا الوطني.