تمضي الأيام والسنوات وتزداد الآفات والآهات على شعب أبي وبلد عظيم اسمه الجزائر مات من أجله المليون ونصف المليون شهيد، ترملت من أجل استقلال الجزائر النساء ويتم الأطفال، وبرزت فئة معطوبي الحرب. لكن كل هذه التضحيات تهون أمام يوم من خير الأيام فيه، أعادت البسمة إلى وجوه الشعب الجزائري، والكرامة الضائعة إلى أصحابها المحرومين، هذا اليوم كلنا نعرفه بل ونحتفل به في كل سنة مرة وهو 05 جويلية 1962. نعم 05 جويلية الذي سنحتفل به في هذه الأيام بعد مرور خمسين سنة فما أشبه الأمس باليوم، بالأمس عانى آباؤنا وأجدادنا من ظلم الطغيان وجبروت الاستعمار الغاشم، ومن استغلال المعمرين الذين عاثوا في الأرض فسادا، فامتلكوا الأراضي واستعبدوا أبائنا، وشغلوهم بأثمان بخس دراهم معدودات، وساووهم بالحيوانات والحمير، وحرموهم من كل حقوق الإنسان .....حقا كلما طغى الطغاة، وازداد تفننهم في التعذيب، كلما تحققت المقولة المعروفة يمشي الظالم إلى حتفه. الظلم يولد الوعي الثوري والسياسي لإعادة الاعتبار، وتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة الواحد الديان وهذه سنة المنان، هذا ما تلمسناه في تطور ونمو وعي الجزائريين منذ احتلال الجزائر لما لاقوه من العذاب والحرمان، فظهرت مقاومات شعبية ثم تأسست فرق رياضية وعمل جمعوي والمسرح في سنة 1900، ثم اقتناع الشعب الجزائر بعد 08 ماي 1945، بأن الحرية تؤخذ ولا تعطى وأنه ما أخذ بالقوة ليسترجع إلا بالقوة، هذا ما أدى إلى بروز حركات وتنظيمات سياسية كانت وراء ظهور المنظمة السرية التي فجرت ثورة التحرير في 01 نوفمبر 1954، والتي أحدثت المفاجأة، وردود أفعال من جميع القوى الفاعلة في الجزائر خاصة ميصالي الحاج الذي كان يرى فيها مغامرة أو انتحار، وجمعية العلماء المسلمين التي رفضت في البداية الالتحاق بالثورة ولكنها التحقت فيما بعد، وغيرها من التيارات في الداخل والخارج، لكن المفاجأة الكبرى هي التي حلت بالاستعمار حيث أفقدته صوابه، فكل ما بناه منذ زمن طويل من أجل جزائر فرنسية، أثبت فشلها وترسخ في ذهن العدو حقيقة صريحة وواضحة، بأن الجزائري لن يكون مسيحيا ولا فرنسيا وإنما هو جزائري قلبا وقالبا حينها اقتنع: أن شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب، فانطلاق ثورة 01 نوفمبر هو خطاب عقلاني، وفعل رشيد، ولغة سليمة وسوية، حققت وحدة الشعب وتضامن الأقطاب الفاعلة تحت راية جبهة التحرير الوطني أعطيناك عهدا، وتزايد لهيب الثورة بعد التحاق كل القوى الوطنية بما فيهم الطلبة الجزائريون، وتأسيس النقابة المركزية الغنية عن كل تعريف الاتحاد العام للعمال الجزائريين برئاسة فرحات عباس - الذي كان مصيره الإعدام في سنة 1959- في 24 فيفري 1956 فقد كانت إستراتيجية النقابة تتماشى مع إستراتيجية جبهة التحرير، الذين ساهموا في تعبئة الجماهير والعمل على نقل الثورة الجزائرية إلى المحافل الدولية، على الرغم من الهمجية الوحشية التي تلقوها من طرف الاستعمار الغاشم، من قتل وسجن ونفي وإغراءات..، هذا التنظيم الفعال الذي كان من إنجاز رجال ليسوا بعلماء ولا مفكرين بل هم رجال آمنوا بالرسالة التي حملوها وضحوا من أجلها بالنفس والنفيس من أجل رد الاعتبار وطرد الاستعمار والمعمرين، لكن فرنسا ولتعلقها بالجزائر أبت إلا أن تتخلى عن كل من المغرب وتونس وتنفرد بالجزائر من أجل القضاء على الثورة والثوار، فسخرت الملايير من الدنانير، السلاح، العتاد، الطائرات، الدبابات، الحركة والاستبداد..... لكن هيهات هيهات، فالشعب قد قال كلمته عن وعي، وبكل ثقة في النفس يحفظها الصغير والكبير، النساء والرجال نحن ثرنا فحياة أو ممات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا، فاشهدوا، فاشهدوا، حينها تيقن ديغول سنة 1958 بأن فرنسا قد حان وقت رحيلها وما عليها إلا أن تجمع أمتعتها وترحل، لأن الجزائر لا يمكنها أن تكون إلا جزائرية، على الرغم من أن ديغول لم يستسلم وحاول المراوغة أي تقسيم الجزائر، لكنه أيضا خاب وخسر لأن الذي استشهدوا في ساحة الوغى كان من أجل الجزائر وليس جزء من الجزائر. فهنيئا لشعب المعجزات الذي أطاح بأعتى قوة من أجل أن نحيا نحن، افتدونا بأموالهم وأرواحهم ودمائهم ...من أجل أن تشرق شمس الحرية، ويرفع العالم الجزائري في كل ربوع الوطن يوم 05 جويلية 1962. ولإتمام المشروع والعمل على بناء جزائر قوية، قال آنذاك السياسيون خرجنا من الاستعمار الأصغر إلى الاستعمار الأكبر ألا وهو البناء والتشييد، .....فهل يمكننا اليوم أن نقيم أنفسنا ونقيس مكانتنا بين الشعوب وأخص بالذكر الدول المتحضرة؟ هل استطعنا أن ننجز فكرة الاتحاد المغرب العربي التي طرحت في 1956 ولم نستطع أن نصل لحد اليوم إلى أي تقدم؟ ومتى سيتحقق المشروع المغاربي كما تحقق مشروع الاتحاد الأوروبي؟. بقلم: موسى كاف