كثيرا ما نتوقف أمام رمزية الخامس من شهر جويلية في حيرة وفي أي خانة نضعه، وهل نحن نتذكر فيه انتكاسة الجزائر وسقوطها أمام المحتل الفرنسي؟ أم نحتفل فيه برفع ليل الاستعمار الطويل عن هذه الأرض والشعب، ويبقى هذا اليوم وهذا الرقم الخامس رمزا للتذكير والتحرير؟ وهاهي اليوم الجزائر تتذكر الاحتلال الذي وقع عليها في الخامس جويلية من سنة 1830 وتتذكر الاستقلال الذي نالته بعزائم شبابها وزنودهم ودمائهم الزكية الطاهرة في الخامس من شهر جويلية من عام .1962 عندما نحتفل بعيد الاستقلال اننا في الحقيقة نحتفل باسترجاع الذات وتحريرها من الهيمنة والأغلال التي كانت تتعرض لها والجرائم والإبادات التي كانت تمارس في حق شعبها أفرادا وقبائل وجماعات سكانية كبيرة. فرنسا الإجرامية التي جيشت لصوص الغرب وأشراره ومجرميه من أجل تركيع قلعة الإسلام الجزائر وتدميرها، بل ومسح كل تاريخها وحضارتها فكان الغزو الفرنسي اجراميا إباديا قاسيا حيث تمت عملية إنزال الجحافل المجرمة على شواطئ سيدي فرج من الأسطول الفرنسي بالإضافة إلى القصف المتواصل، ودارت معركة اسطاوالي التي كانت معركة قاسية ولم تكن الاستعدادات والعدة من طرف الجزائريين كافية فكان للاحتلال الصولة والجولة واليد الطولى، وكانت للجانب الجزائري الانتكاسة فحاول الدفاع عن الجزائر العاصمة غير أن الجيوش الإجرامية كانت تفوق الجزائريين عددا وقوة بالإضافة إلى ضعف القيادة العسكرية والحنكة السياسية مما أجبر الداي حسين على توقيع معاهدة تسليم العاصمة الجزائرية ولكن بشروط سقطت في الأخير مع سقوط المدينة ولم تحترم الجحافل الفرنسية هذه الشروط التي وقعت عليها وهذا ما جعل الجزائر تتعرض للسلب والنهب والتحريق والتخريب والتدمير وسكانها إلى القتل إلا من فر منهم إلى حقول متيجة والمناطق الأخرى، وقد أبيدت قبيلة كاملة بمنطقة العاصمة. لم يستسلم الشعب الجزائري وأشعل فتيل المقاومة الشعبية ورفع راية الجهاد من الأمير عبد القادر إلى بوبغلة والمقراني والزعاطشة، وغيرها من المقاومات الشعبية التي لم يبرد بارودها ولم تسقط رايتها إلا وبدأت المقاومة السياسية والإصلاحية وتهيئة الشعب الجزائري وتوعيته في الوقت التي ظنت فيه فرنسا الاستعمارية أن الجزائر استكنت ولانت وأن شوكتها انكسرت ومقوماته اندثرت وأن فرنسا الكولونيالية انتصرت فظهرت الحركة الوطنية في رمزها الأمير خالد ثم في حزب نجم شمال افريقية وحزب الشعب الجزائري ومن أجل انتصار الحريات الديمقراطية بمنظمته الخاصة (L'OS) ومظاهرات الثامن من ماي 1945 ثم الثورة التحريرية المباركة سنة 1954 حيث بدأت المواجهة وأحيلت المهمة إلى عاتق البنادق وألسنة البارود ومعزوفات الرشاش واصطدمت فرنسا الاستعمارية بالحقيقة التي ظلت ترفضها، وبالشعب الذي ظلت تتجاهله، وبالحق الذي ظلت تهضمه. الشعب الجزائري تهيأ لخوض الدورة الأخيرة من المقاومة سياسيا ونفسيا وعسكريا فسكن قمم الجبال واستوطن بطون الأودية واستظل بالأحراش والغابات واستملك الفيافي والقفار، فأعد العدة واستنفر العزيمة واستوعب الدروس وصحح الأخطاء وانطلق يشق بالدم والنار طريق النصر ويخط تاريخ المجد وهو يجلي جيوش الظلام بأنوار الحق والحرية. الخامس جويلية من عام 1962 لم يأت الاستقلال كما تزعم فرنسا الإستعمارية وبقاياها من جيشها السري الذي لم يستطع ابتلاع مرارة الهزيمة هبة من ''ديغول'' بل جاء بفضل الدماء التي سالت غزيرة كالسيول حتى تغسل العار والشنار وتدك حصون الاستعمار وتعيده إلى الضفة التي جاء منها. إن الانتخابات التي لجأ إليها الاستعمار الفرنسي ما هي في الحقيقة إلا محاولة للحفاظ على ماء الوجه والظهور بمظهر الديمقراطي المتحضر حتى يقال أن فرنسا مارست الديمقراطية وأعطت للشعب الجزائري حقه في تقرير مصيره بنفسه. ولكن فرنسا نسيت أن القائمة الانتخابية التي صوت عليها الشعب الجزائري والبرنامج هما قائمة الاستقلاليين وبرنامج بيان أول نوفمبر 1954 فتحقق الاستقلال وكان الخامس من جويلية رمزا من رموز التذكير وعيدا للتحرير فكان يوم أعلن فيه استقلال الجزائر بكل فخر وانتصار وقهر لفرنسا وتشييع جنازة الاستعمار إلى مثواه الأخير.