لطالما اقتصرت العديد من المهن على فئة الرجال باعتبارهم الأقدر والأكثر تحملا للأعباء، كمهنة الحراسة التي دخلت النساء غمارها نتيجة ظروف وضعتهن أمام حتمية قبول ذلك، ولمعرفة طبيعة عملهن والظروف التي دفعت بهن لمهنة كهذه كان لنا لقاء ببعض الحارسات اللواتي تكفلت وكالة عدل بتوظيفهن تحت ذلك الإطار وهن حوالي 6 نساء على مستوى العاصمة يتواجدن في بعض المناطق السكنية التابعة لها، كالسيدة نسيمة وهي مسؤولة عن بنايتين في منطقة بابا حسن تقوم بمزاولة منصبها من حوالي 3 سنوات، حيث تأخذ على عاتقها مشاغل السكان، مراقبة السيارات وغيرها من المهام التي وجدت صعوبة في التأقلم معها، فبعد أن كانت تحظى بوظيفة إدارية تابعة لوزارة الصحة مقابل راتب محترم لكن هذا لم يخلصها من هاجس السكن الذي لا زال يؤرق نوم الجزائريين، ما دفع بها إلى الإستقالة وإيداع ملفها الخاص لدى الوكالة، فالبرغم من صعوبة الوظيفة والراتب الشهري المتواضع المقدر ب 18000دج إلا أنها أنهت معاناتها مع الكراء الذي دام 15 سنة، ففي البداية وجدت معارضة كبيرة من قبل الزوج خاصة الذي لم يهضم فكرة حراستها لسيارات رجال ووقوفها على العمارات لخدمة سكانها، لكن وبعد محاولات عديدة تمكنت من إقناع الزوج بضرورة أخذها المبادرة لتكون قريبة من بناتها وتلم شتات عائلة فرقتها الظروف المعيشية الصعبة. أما السيدة لويزة، أرملة، شاء القدر أن يضعها رفقة ابنتيها وسط طريق وجدت أبوابها موصدة في وجهها، فبعد معاناتها مع الأقارب الذين أصبح كل واحد منهم يرمي بها عند الآخر خرجت للبحث عن عمل يضمن لها السكن فيخلصها بذلك من مسلسل المعاناة التي تعرضت لها، فوجدت ذلك فعلا لدى رجل أعمال معروف من الذين لديهم مكانة واسم في الاقتصاد الجزائري فأصبحت عاملة متعددة الخدمات عنده بما في ذلك حراسة الممتلكات والقيام بأعمال البستاني... وغيرها، فقد استغل حاجتها للسكن لإجبارها على أعمال نسائية ورجالية في آن واحد له ولأقاربه وأحبابه دون أي مراعاة منه لطبيعتها الفيزيولوجية، فقام بمنحها قبوّا يلمها هي وبناتها مادامت تشتغل عنده مقابل أجر زهيد يقدر ب 12000دج تصرفه على حاجات ابنتيها المدرسية والصحية اللتان ترى في مستقبلهما الأمل الذي قد ينصف صراعها الدائم مع مطبات الحياة. بالرغم من أن كل حالة تكفلت الأوضاع المزرية من جهة والقاسية من جهة أخرى بمنحهن القوة للقيام بأعمال ضد طبيعتهن الا أنهن يجمعن على أنهن لازلن يعانين من المعاملة السيئة لأصحاب العمل والسكن، حيث أنها أكثر قساوة من العمل في حد ذاته لأنهم يرجعنهن لزمن العبيد المطلوب منهم القيام بكل شيء دون المطالبة بشيء حتى الرفق الذي أصبحوا يخصون به الحيوان على حساب أخيهم الإنسان.