تلجأ الكثير من السيدات والفتيات اللواتي دفعتهن الحاجة والفقر إلى البحث عن عمل لكسب لقمة العيش، ولعل البعض منهن اخترن مهنة التنظيف في المؤسسات، الفنادق وحتى البيوت، كمنفذ وحيد، باعتبار أنه لا يتطلب شهادة دراسية عالية أو مستوى تعليمي معين غير أنهن يزاولن العمل في ظروف قاسية دون أي تأمين أو حتى أجر لائق يكفي مصاريفهن اليومية، علاوة على المضايقات والمساومات من طرف بعض أرباب العمل أو الزبائن. ولمعرفة وضعية عاملات النظافة وخادمات البيوت، ارتأت “الفجر” القيام بجولة استطلاع في بعض الفنادق العمومية والخاصة، وحتى في بعض المنازل في العاصمة وخارجها، أين استمعنا لقصص بعضهن وهن يسردن معاناتهن اليومية.. وجهتنا الأولى كانت ولاية تيبازة، أين قصدنا إحدى الفنادق الخاصة، تسللنا إلى داخله خفية، وهناك التقينا ببعض عاملات النظافة اللواتي كن منهمكات في تنظيف دورات المياه، أجمعن أن تدني ظروفهن المعيشية وراء اختيارهن لهذه المهنة، ويعتبرنها عملا شريفا يؤمن به لقمة العيش عوض مد اليد للغير، لولا تعرضهن للتوبيخ والمضايقات أثناء أدائهن لواجبهن من جهة، وأكل أرباب العمل لعرقهن من جهة أخرى. كما أن أغلبيتهن لم يكملن تحصيلهن العلمي ولا يملكن شهادة دراسية عالية أو مستوى تعليمي يؤهلهن للظفر بمنصب شغل لائق، والعديد منهن لم يتجاوز مرحلة الابتدائية، وتتقاضى بالمقابل أجرا زهيدا، بالكاد يكفي مصروفهن اليومي. وفي هذا الإطار، قالت زكية، إحدى عاملات النظافة ببلدية القليعة، إنها تزاول هذه المهنة منذ عشر سنوات، من أجل مساعدة زوجها العاطل عن العمل بسبب إعاقته. ورغم أنها تقوم بعملها على أحسن وجه بشهادة الكثير من العمال، إلا أن راتبها لم يعرف أي زيادة منذ سنوات. وأردفت أخرى قائلة: “إنني أعمل بهذا الفندق منذ أربع سنوات، بعدما توفي زوجي ولم يترك لي أي راتب أعيش به رفقة أطفالي الثلاثة”. الأمر لا يتعلق فقط بربات البيوت بل هناك أيضا من الفتيات العازبات من اختارت هذه المهنة من أجل ضمان لقمة العيش، وهو حال آمال ذات ال22 سنة، التي ولدت في إطار غير شرعي ووجدت نفسها في الشارع دون عائلة أومسكن، وهو ما دفعها للعمل بإحدى الفنادق لتضمن المبيت فيه ليلا، مشيرة إلى أنها مجبرة على الانصياع للأوامر مهما كان نوعها..! الصمت خوفا من الطرد والفضيحة.. الحل الأنسب لضمان العمل تتعرض بعض العاملات المضايقات من طرف المسؤولين أوالزبائن الذين يتحرشن بهن، إلا أن منهن من يصمتن خوفا من الفضيحة أوالطرد، وهو ما جاء على لسان نوال، البالغة من العمر ثلاثين سنة، التي دفعتها قساوة العيش بعد وفاة والدها إلى إعالة أمها وإخوتها الخمسة، علما أنها لا تملك أي شهادة دراسية، للعمل في إحدى الفنادق الخاصة بولاية تيبازة، وبأجر زهيد، مضيفة بأنها تعرضت للاعتداء الجنسي من طرف أحد الزبائن الذي اغتنم فرصة تنظيفها الغرفة ليغتصبها، وخوفا من الفضيحة تكتمت على الأمر”. أما فريدة، مطلقة وأم لطفلين، تقول إنها مجبرة على مسايرة بعض الزبائن خوفا من الطرد، كما أنها تلقت تعليمات بعدم إزعاج الزبائن وتلبية جميع طلباتهم، علما أنها تعمل طوال أيام الأسبوع دون راحة، وغير مؤمنة اجتماعيا، ناهيك عن سوء المعاملة ونظرة الإحتقار من طرف البعض. فتيات قصر ضحايا اغتصاب.. قصص كثيرة وقفنا عندها، تدمع لها العين ويقشعر لها البدن لفتيات قصر ضحايا اغتصاب وتحرشات من قبل بعض أرباب العمل. وفي هذا الشأن روت لنا فاطمة الزهراء، التي لم يتجاوز سنها الخامسة عشر سنة، أنها تعرضت لاغتصاب من طرف صاحب المنزل التي كانت تشتغل به، حيث اغتنم هذا الأخير فرصة غياب زوجته عن البيت ليقوم باغتصابها بالقوة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حتى بعض ربات البيوت يعاملن الخادمات وكأنهن عبيد يملكنهن حيث يطالبنهن في بعض الأحيان القيام بأعمال تتجاوز وظيفتهن المتفق عليها، ناهيك عن الشتم والصراخ في حالة رفض أي أمر. وفي هذا الشأن قالت دلال، تعمل كخادمة في إحدى المنازل، “إنه طلب منها أن تقوم بتنظيف منزل أحد أقارب العائلة التي كانت تعمل عندها دون أي راتب، وعندما رفضت هذه الأخيرة الذهاب تلقت وابلا من الشتم من طرف ربة العمل”. 54 امرأة عند بوابة سوق ميشلي بوهران ينتظرن زبائن للعمل في البيوت هن كثيرات، ولكل واحدة منهن حكايتها مع الزمن، ولم تتح لهن فرصة العمل إلا في إطار الشبكة الاجتماعية مقابل مبلغ لا يكفي حتى تذاكر الحافلة لمدة شهر واحد، ما جعلهن يفضلن العمل بالأجر اليومي كمنظفات في المنازل والشقق والفيلات، وذلك ما تعكسه الصور اليومية التي تتجلى عند بوابة سوق ميشلي بوسط المدينة الذي يزدحم يوميا بالعشرات من المنظفات. ويعد هذا المكان قبلة لكل النساء اللواتي يشتغلن في النظافة، أين تجدهن يوميا جالسات على الأرض بمحاذاة الرصيف في انتظار دور كل واحدة مع الزبون الذي يقبل عليهن لتنظيف مكتبه أو منزله مقابل أجر يومي ومبلغ معين يتم الاتفاق في المكان بينه والزبون، حيث تحدد قيمته حسب حجم الأشغال المسندة إليها. وفي هذا الشأن، قالت السيدة ع. فاطمة، امرأة في الخمسينيات، مطلقة لها 5 أطفال أكبرهم يبلغ 19 سنة يدرس بالجامعة، أن أمنيتها الوحيدة أن يحقق لها ابنها جهده بحصوله على عمل، من خلاله ستتوقف عن العمل كمنظفة نهائيا، ولأنها بحثت كثيرا وعملت في إحدى القطاعات الحضرية لبلدية وهران في إطار الشبكة الاجتماعية لمدة 4 سنوات دون أن يتم ترسيمها، رغم الوعود الكثيرة فإنها اختصرت الطريق بالعمل في المنازل، تجدها يوميا عند مدخل باب سوق ميشلي تنتظر رزقها وتعود في الفترة المسائية منهارة القوى لتحمل بعض الزاد والمصروف لأولادها وتحمد الله على ذلك، لدوام صحتها وعافيتها لتتمكن من مواصلة مشوارها. أما الآنسة زينب، 21 سنة، عندما تحدثنا معها اعتقدنا أنها ترافق والدتها لكنها بابتسامة عريضة تقول: “أشتغل في الحلال، في المطاعم، الفنادق والعيادات الخاصة، لكن حقوقي كانت مهضومة دائما، كما أن العمل فيها متعب جدا مع الكنس والغسل بجميع الطوابق وبمقابل شهري لا يتعدى 9000 دج بدون تأمين، ما جعلني أقرر العمل في المنازل لسد رمق الجوع بدل الانحراف والانسياق وراء الرذيلة، وأنا أساعد إخوتي ووالدتي المريضة، مع العلم أن والدي متوفي وشقيقتي تشتغل في إطار الشبكة الاجتماعية”. وأردفت السيدة “ف.نعيمة” أنها تجد راحة كبيرة بالعمل في الشقق لأنها تحدد بنفسها الأجر اليومي، “بالإضافة إلى أن هناك الكثير من الزبائن من يكرمني ببعض المأكولات للأطفال وبعض النقود بعد الانتهاء من العمل، لأعود بعدها إلى عائلتي وأنا بذلك راضية بالمكتوب لأنني أساعد زوجي على مصروف البيت والأولاد”. منظفات برتبة عون أمن بالمؤسسات التعليمية في وهران بعد اجتيازهن لمسابقة الدخول كمنظفات في قطاع التعليم ونجاحهن، تقول كريمة عينة من الكثيرات من زميلاتها: “لم أكن أتصور أنني سأشتغل أيضا بوابة أو حارسة بالمتوسطة التي أشتغل بها ببلدية بئر الجير، في ظل نقص أعوان الأمن، حيث أقوم يوميا بتنظيف أكثر من 23 قاعة تدريس، فضلا عن الإدارة وغيرها من المواقع، إلى جانب ذلك أقوم بحراسة المؤسسة، وبالرغم من الطلبات الموجهة إلى المقتصدة ومدير المتوسطة بتدعيم المؤسسة بمنظفات أخريات بعد فرار العاملات في إطار الشبكة الاجتماعية لكثرة الأشغال فلا حياة لمن تنادي”.. وهو حال الكثيرات من المنظفات بالمؤسسات التعليمية بوهران و اللواتي كثيرا ما يكن عرضة لاعتداءات من قبل بعض الأجانب الذين يترددون على المؤسسات، وهو ما جعلهن يطالبن من القائمين على القطاع بتدارك الوضع، خاصة أنهن يندرجن ضمن الأسلاك المشتركة، وقد تم حرمانهم من المردودية وكذا من العلاوات والمستحقات المالية المتأخرة لسنة 2008 والتي سددت لجميع العاملين في القطاع دونهم، وذلك ما جعلهن يطالبن بحقوقهن هذا، بالإضافة إلى نقص كبير مسجل في هذه الفئة بالمدارس بالرغم من توصيات الجهات المعنية لامتصاص البطالة وخلق مناصب شغل جديدة، إلا أن الواقع يطرح الكثير من التناقضات التي لا نكتشفها إلا في الميدان. المحامي جمال سردوك ل”الفجر: القانون يحمي عاملات النظافة ويقدم لهن ضمانات أكثر قال المحامي جمال سردوك، إن القانون الجزائري يحمي كل الموظفين بدون استثناء، ولا يميز بين وظيفة وأخرى، ونفس الشيء بالنسبة بعاملات النظافة نفس الحقوق والواجبات، حيث ينطبق عليهن قانون الوظيف العمومي أو قانون العمل، وهو كفيل بحمايتهن وضمان حقوقهن. أوضح الأستاذ، في تصريح ل”الفجر”، أن العقد المبرم بين رب العمل والموظفة يكفل حقوقها كاملة، وحتى في حال عدم وجود عقد مكتوب بينهما بسبب تهرب المستخدم، فالقانون يعتبر أن الموظفة تعمل بعقد غير محدد المدة. وإذا واجهت الموظفة مشكلة أو سوء تفاهم مع المستخدم، يقول المتحدث إنه ما عليها إلا التوجه لمفتشية العمل وطرح المشكل هناك، ليتم استدعاء المستخدم والاستماع للطرفين و محاولة الصلح بينهما، أما إذا لم يتم الوصول إلى اتفاق وإيجاد حل يرضي الطرفين، يتم إصدار محضر عدم المصالحة وتقدم العاملة شكوى لدى القسم الاجتماعي في المحكمة، ففي حال الطرد التعسفي مثلا تطلب المعنية إعادة الإدماج أو التعويض. أضاف المتحدث أن أي بيانات تقدمها المعنية تقبلها المحكمة، على اعتبار أنها الطرف الضعيف في القضية خاصة في حال عدم وجود عقد مكتوب بينهما، فلابد للموظفة أن تقدم بيانات تثبت عملها لصالح المستخدم، منها الشهود وكشف الراتب، و يمكن أن يعترف صاحب العمل. كل من دخله محدود يستفيد من المساعدة القضائية وأوضح المتحدث أن القانون يحمي الفئات الضعيفة من ناحية المصاريف القضائية، ففي حال لم تستطع الضحية التكفل بالمصاريف القضائية تتقدم بطلب إلى وكيل الجمهورية تطلب فيه مساعدة قضائية، فإن توفرت فيها الشروط يتم تعيين محامي للدفاع عنها مجانا، مؤكدا أنه من حق أي عامل لم يبلغ دخله الشهري 2 مليون سنتيم أن يعفى من الرسوم القضائية. في سياق مغاير، قال الأستاذ إن النساء لا يطالبن بحقوقهن ولا يلجأن للقضاء إلا في حالات قليلة، سواء تعلق الأمر بقضايا الطرد التعسفي أوممارسة العنف الجسدي أوالمعنوي ضدهن، مرجعا السبب إلى الذهنيات السائدة في المجتمع الجزائري التي تعتبر دخول المرأة لأروقة المحاكم عيبا. وأضاف المتحدث في السياق ذاته أن هذا الدور الذي يجب أن تلعبه الجمعيات الناشطة في حقوق الإنسان وتدافع عن المرأة عن طريق التوعية والتحسيس. وتجدر الإشارة إلى أن التشريع الجزائري يضمن حقوق الموظفين، حيث نجد في الدستور مادة تنص على أن الدولة تضمن حرمة الأشخاص، وتمنع كل عنف جسدي أومعنوي أو مساس بكرامة أي شخص. وقانون العمل 90 / 11 المؤرخ في 21 أفريل 90، في المادة السادسة منه، يشير إلى ضرورة احترام الحرمة الجسدية. كما أن قانون العقوبات في المادة 341 مكرر: يعد مرتكب الجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهرين لسنة وبغرامة 50 ألف إلى مائة ألف دينار كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار أوامر للغير، وبالتهديدات أو الإكراه أو الضغوطات قصد إجباره الاستجابة لرغباته الجنسية، في حالة العودة تضاعف العقوبة. إضافة إلى أن الجزائر وقعت على الاتفاقية الدولية سنة 1996، تنص على القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة.