في حلقة اليوم سنحطّ بكم الرّحال في عاصمة ألمانيابرلين، ونتعرّف على حيثيات الدورة العاشرة التي جرت سنة 1936، دورة كانت مغايرة للدورات السابقة، ليس من حيث نظامها أو ما شبه ذلك، بل لكونها دورة طغت عليها لعنة (السياسة) بسبب النّظرة (العنصرية) لزعيم النّازية آنذاك الألماني هتلر. من لوس أنجلس إلى برلين حين اختارت اللّجنة الأولمبية الدولية في مؤتمرها السنوي التاسع والعشرين بتاريخ السادس والعشرين من أفريل 1931 مدينة برلين كمستضيفة لم تكن الأجواء العامّة السياسية هي نفسها، إذ كان نظام الحكم مختلفا، لكن تبدّلات شهدتها ألمانيا العام 1933 غيّرت من المعطيات وآلت إلى ما آلت إليه من تداعيات، لكن عموما كانت المنافسة على الاستضافة بين برشلونة الإسبانية وبرلين، وقد فازت الأخيرة بثلاثة وأربعين صوتا مقابل ستّة عشر. لكن هاتين المدينتين لم تكونا الوحيدتين اللتين سعيتا إلى الاستضافة، إذ تقدّمت كلّ من مدن الإسكندرية المصرية وبودابست المجرية وبوينس آيرس الأرجنتينية وكولونيا ونورمبورغ وفرانكفورت الألمانية وريو دي جينيرو البرازيلية وروما الإيطالية بطلبات ترشّح. مركب رياضي جديد من أجل الألعاب الصرح الرئيسي للألعاب كان ملعب برلين الأولمبي الذي شيّد خصّيصا لاستضافة الأولمبياد بتصميم من المهندس الألماني (فيرنر مارش)، بني في المكان نفسه الذي تمّ فيه إنشاء صرح العام 1913، كان مخصّصا لأولمبياد 1916 (دوتش ستاديوم) وكان بسعة 32 ألف متفرّج، فيما وصلت سعة ملعب برلين إلى مائة وعشرة آلاف متفرّج. وقد شهد ملعب برلين حفلي الافتتاح والختام، واحتضن مسابقات ألعاب القوى والفروسية ونهائيات مسابقتي كرة القدم وكرة اليد، إضافة إلى البيسبول إنما كرياضة استعراضية، فيما أقامت الوفود في قرية أولمبية تضمّنت سينما ومسرحا وقاعة موسيقى ومكتبة، وكانت الغرف مؤلّفة من غرفة نوم وحمّام ومجهّزة بتدفئة مركزية. مشاركة 49 دولة ستّ منها تشارك لأوّل مرّة شارك في هذه الألعاب تسعة وأربعون دولة، منها ستّ سجّلت ظهورها الأولمبي الأوّل هي أفغانستان، برمودا، بوليفيا، كوستاريكا، ليشتنشتاين والبيرو، وشكّلت هذه الدورة الظهور الأخير لإستونيا كدولة مستقلّة قبل أن تعود العام 1992. مشاركة قياسية وتنافس في 19 رياضة اشتملت على 129 مسابقة بلغ عدد الرياضيين المشاركين أربعة آلاف وبلغ تحديدا 3963. بينهم 331 لاعبة تنافسوا في تسعة عشر رياضة اشتملت على 129 مسابقة، والرياضات هي: ألعاب الماء، ألعاب القوى، كرة السلّة، الملاكمة، كانوي كاياك، الدرّاجات الهوائية، الفروسية، الرمي بالسلاح، كرة القدم، الجمباز، كرة اليد، الهوكي على العشب، الخماسي الحديث، البولو، التجذيف، الإبحار، الرماية، رفع أثقال والمصارعة، وكان الوفد الألماني الأكبر، فيما جاء الوفد الأمريكي ثانيا. أكثر من مائة ألف متفرّج في حفل الافتتاح يتقدّمهم هتلر جرى حفل الافتتاح في الأوّل من أوت 1936 أمام أكثر من مائة ألف متفرّج احتشدوا في الملعب الأولمبي بحضور أدولف هتلر ورئيس اللّجنة الأولمبية الدولية البلجيكي هنري دي بايي لاتور. وبعد عدّة عروض ذات دلائل ومغاز سياسية استعرضت وفود الدول المشاركة التسعة والأربعين وتمّ نشر مقولة البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان الشهيرة (ليس المهمّ في الألعاب الأولمبية أن تربح، بل أن تشارك، لأن الكفاح هو أهمّ من النّصر في الحياة)، ثمّ أعلن هتلر افتتاح الألعاب. لأوّل مرّة الجري بالشعلة لأوّل مرّة في التاريخ الأولمبي جرت عملية الجري بالشعلة من جبل أولمبيا مهد الألعاب الأولمبية القديمة، وصولاً إلى الملعب الأولمبي في برلين بعد مسار طويل حمل خلاله ثلاثة آلاف عدّاء الشعلة عبر عدّة دول. وكانت اللّجنة الأولمبية الدولية في مؤتمرها السنوي العام 1934 وافقت على الفكرة التي طرحها السكرتير العام للّجنة المنظّمة لأولمبياد برلين كارل ديام القاضية بتبادل حمل الشعلة انطلاقا من أولمبيا، وقد مرّت الشعلة في عواصم دول اليونان، بلغاريا، يوغوسلافيا، المجر، النّمسا، تشيكوسلوفاكيا وألمانيا، وقد أضاء الشعلة في الافتتاح لاعب ألعاب القوى. لأوّل مرّة الأولمبياد على المباشر عبر التلفزيون تعتبر الدورة الحادية عشر في برلين الأولى التي تمّ نقلها عبر التلفزيون على الهواء مباشرة، في خطوة تطويرية متقدّمة ونقلة نوعية مميّزة. وقد تمّ نشر خمس وعشرين شاشة عملاقة في مسارح مختلفة من برلين سمحت لعامّة النّاس بمتابعة الألعاب دون دفع أيّ مبلغ مالي مقابل ذلك، بالإضافة إلى بعض الشاشات الخاصّة، وتمّ نقل وقائع سبعين ساعة من أحداث البطولة استعملت فيها معدّات شركة (تليفونكين)، وهي محطّة إذاعية وتلفزيونية ألمانية أسّست العام 1903. ظهور ثلاث رياضات للمرّة الأولى والظهور الأخير لرياضة البولو سجّلت هذه الألعاب ظهور ثلاث رياضات للمرّة الأولى هي كرة اليد في الهواء الطلق، وكانت مختلفة عمّا هو معروف اليوم كثيرا، إذ كان الفريق يتكوّن من إحدى عشر لاعبا وكانت المباريات تجري على العشب، وقد غابت عن الدورات اللاّحقة ولم تعد للظهور إلاّ العام 1972، وكرة السلّة التي كانت تلعب في الهواء الطلق والكانوي كاياك، فيما شكّلت النّسخة الحادية عشر الظهور الأخير لرياضة البولو. جيسي أوينز نجم البطولة نجم البطولة الأوّل كان العدّاء الأمريكي ذو الأصول الإفريقية جيسي أوينز الذي فاز بأربع ذهبيات، وبرز أيضا الإستوني كريستيان بالوسالو الذي فاز بذهبيتين في المصارعة بفئتيها الحرّة واليونانية الرومانية، في الوزن الثقيل. وبالعودة إلى العدّاء جيسي أوينز، المعروف رسميا ب (جيسي) فقد كان الأبرز رياضيا وشعبيا في هذه الدورة، دمغ الدورة بطابعه متفوّقا على الألمان في عقر دارهم، الأمر الذي أغضب هتلر إلى حدّ عدم تهنئته ومغادرة المدرّجات أحيانا، فاز بذهبيات المائة والمئتي متر، والوثب الطويل والبدل 4_100م مع الفريق الأمريكي، وصفته الصحافة بالخارق، بدأ انتصاراته بالمائة متر ففاز مسجّلاً 10,3 ثوان أمام مواطنه رالف ميتكالف 10,4، ثمّ أضاف ذهبية الوثب الطويل التي كان يحمل رقمها العالمي وقتها 8,13 أمتار، وسجّل وقتها في محاولته الأخيرة 8,06م محقّقا رقما أولمبيا جديدا، فيما جاء ثانيا الألماني لوتز لونغ مسجّلا 7,87م، وأتبعها في اليوم التالي بذهبية المئتي متر مسجّلا 20,7ث هازما مواطنه ماثيو روبنسون 21,1، وختم بذهبية البدل مع رقم عالمي جديد للفريق الأمريكي 39,8 ثانية. بطلة في سنّ ال 13 شهدت هذه البطولة تتويج نجمات صغيرات السنّ مثل الأمريكية ماريوري غيسترينغ التي فازت بذهبية في الغطس عن عمر 13 عاما، والدانماركية إنج سورينسون التي أحرزت برونزية في المئتي متر صدر سباحة عن عمر 12 عاما. ذهبيات ألعاب القوى لأمريكا في ألعاب القوى عموما دانت السيطرة كالعادة للولايات المتّحدة الأمريكية حاصدة أربعة عشر ذهبية من أصل تسعة وعشرين بين الرجال والسيّدات، فيما جاءت ألمانيا ثانية بخمس ذهبيات. مشاركة قياسية في الملاكمة والسيطرة ألمانية شهدت منافسات الملاكمة مشاركة واسعة جدّا وغير اعتيادية تمثّلت في 179 ملاكم من إحدى وثلاثين دولة تنافسوا على ثمانية أوزان، تصدّرت ألمانيا في النّهاية بخمس ميداليات منها ذهبيتان، وجاءت فرنسا ثانية بذهبيتين، فيما ذهبت الذهبيات الأربع الأخريات إلى فنلندا والمجر في الوزن الخفيف، والأرجنتين. أوّل ذهبية في كرة السلّة لأمريكا في ظهورها الأوّل أولمبيا شهدت رياضة كرة السلّة إقبالا ملفتا، إذ شارك فيها ثلاثة وعشرون دولة جعلت هذه المسابقة الأكبر من حيث الإقبال بين ألعاب الفرق. ألمانيا تكتسح ذهبيات الجمباز والمصارعة في الرياضات الأخرى اكتسحت ألمانيا رياضة الجمباز محرزة ستّ ذهبيات من تسع، وكان الأبرز الألماني ألفرد شوارزمان محرزا ثلاث ذهبيات، وفي المصارعة تصدّرت السويد أربع ذهبيات مقابل ثلاث للمجر. مصر نجمة رفع الأثقال في رفع الأثقال تصدّرت مصر بذهبيتين، فيما نالت كلّ من ألمانياوفرنسا والولايات المتّحدة والنّمسا ذهبية واحدة، وفي المبارزة تقاسم الذهبيات السبع كلّ من إيطاليا أربع والمجر ثلاث. اليابانوهولندا اقتسما ذهبيات السباحة في السباحة تألّق سبّاحو اليابانوهولندا، فحصدت كلّ من الدولتين أربع ذهبيات مقابل اثنتين للولايات المتّحدة، ونالت فرنسا ثلاث ذهبيات في الدرّاجات مقابل اثنتين لألمانيا. وفي الرماية شارك 140 رامي من 29 دولة بالرغم من أن المسابقات كانت ثلاثا فقط، تقاسم ذهبها ألمانياالسويد والنّرويج. ترتيب الميداليات الدولة ألمانيا و.م. الأمريكية المجر إيطاليا فيلندا فرنسا السويد اليابان هولندا ب. العظمى النّمسا تطالعون في الحلقة المقبلة: لماذا أُلغيت دورتا 1940 و1944؟ من هما المدينتان اللتان كان من المقرّر أن تحتضنا الدورتين؟ تلكم من بين الأسئلة التي سنجيبكم عنها في حلقة يوم غد، وإلى ذلكم الحين دمتم في رعاية اللّه وحفظه.