بعد عاصمة الضباب، لندن، ها هي العاصمة السويدية ستوكهولم تستضيف الدورة الخامسة، وهي الدورة التي شهدت ولأوّل مرّة حضور جميع قارّات العالم، كما شهدت حضور ولأوّل مرّة العرب، وحتى لا نطيل عليكم في الحكاية أكثر نبدأ حكاية حلقة هذا العدد عن كيفية اختيار ستوكهولم لإقامة العرس الأولمبي الخامس. من لندن إلى ستوكهولم السمة الأبرز التي طبعت أولمبياد العاصمة السويدية ستوكهولم المعلن عن اختيارها للاستضافة دون أيّ منافسة في المؤتمر الأولمبي العاشر في برلين في السابع والعشرين من ماي من العام 1899، تواجُد دول تمثّل القارّات الخمس لأوّل مرّة وهي: أوروبا، آسيا، إفريقيا، أمريكا وأوقيانوسيا، لكن تلك الميزة لم تكن يتيمة. مشاركة قياسية في عدد الرياضيين شهدت دورة ستوكهولم مشاركة 28 دولة مثّلها ألفان وأربعمائة وسبع رياضي ورياضية، منهم ثمانية وأربعين امرأة، وقد تمّ الاستخدام الأوّل للميقاتي نصف الالكتروني في سباقات ألعاب القوى ولصور الوصول، كما تمّ استعمال مكبّر الصوت لأوّل مرّة أيضا لمخاطبة الجماهير واللاّعبين أثناء المنافسات، الأمر الذي اعتبر ثورة حقيقية وقتها. كما شكّلت هذه الدورة نهاية صلاحيات الدول المستضيفة في اختيار نوع الرياضات، فبات الأمر بعهدة اللّجنة الأولمبية الدولية، نظرا لكثرة ما كان يحدث من تعديلات على الألعاب. دورة "الجمال" وانتصار الكامل للفكرة الكوبرتانية اكتمل المشهد مثالية في السويد في الدورة الخامسة، حيث التقت كلّ عناصر النّجاح من همم وجهود بشرية، مرورا بجمال طبيعة ساحر أضفى رونقا خاصّا تغنّى به الجميع، وصولاً إلى مشاركة واسعة واستقلالية تامّة بعيدا عن أيّ معرض دولي فنتج عن كلّ ذلك دورة أولمبية تركت أثرا بيّنا في التاريخ الأولمبي الحديث، وباتت النّسخة الخامسة التي احتضنتها العاصمة السويدية ستوكهولم في الفترة الممتدّة ما بين الخامس من ماي حتى الثاني عشر من جويلية 1912، محطّة فارقة ترمز إلى الانتصار الكامل للفكرة الكوبرتانية نتيجة الاجتماع الأوّل للعالم متمثّلاً في دول حملت رايات القارّات الخمس المشار إليها على العلم الأولمبي بدوائر ملوّنة، فاكتملت معها الصورة الأولمبية كما يفترض لها أن تكون. انتصار الحركة الأولمبية لطالما كان البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان شكا, قبل دورة السويد من المحاربة الدائمة للّجنة الأولمبية الدولية من جهات مختلفة أخّرت انتشار الفكرة الأولمبية كما يجب وأضعفت الدورات الأولمبية السابقة، لكن دورة 1912 ولدت بشكل مختلف كلّيا، حيث غابت الشوائب والاعتراضات والصعوبات، خصوصا وأن أيّ معارضة للفكرة الأولمبية كانت قد زالت قبل بدء الألعاب مع بدء اللّجنة الدولية بتثبيت أقدامها أكثر، وبذلك جاءت دورة ستوكهولم وفقا لإيمان كوبرتان ولمعتقداته التي من أجلها ناضل منذ العام 1884، حيث كانت الألعاب الخامسة عبارة عن مهرجان دولي للرياضة والإخاء والنّوايا الحسنة والتضامن. حذف رياضات الرغبي والغولف والقوس والرّمح كان السويديون متّجهون إلى تخفيض الألعاب التي سيدرجونها ضمن جدول البطولة وقَصرها على ألعاب القوى والجمباز والمصارعة والسباحة، لكن معارضة واسعة غيّرت في الأمر وتمّ رفع الرياضات إلى أربع عشرة، سبق ذكرها، وتمّ تسجيل غياب الرغبي والغولف والقوس والرّمح بقرارات من اللّجنة الأولمبية الدولية اتّخذتها في مؤتمراتها المختلفة بين العام 1910 و1912، والتي، أيّ القرارات، تضمّنت أيضا بقاء رياضات أخرى مثل الدرّاجات والتجذيف، فيما كان ظهور البنتاتلون أو الخماسي الحديث المبتكر من كوبرتان بإذن من اللّجنة الدولية وهو يشتمل على الفروسية، المبارزة، السباحة، الرماية والجري. كما شهدت النّسخة الخامسة عودة الفروسية للظهور الأولمبي بعد غياب استمرّ اثنتي عشر عاما، فيما تمّ شطب الملاكمة لأن القوانين السويدية آنذاك لم تكن تسمح بممارستها، وفي النّهاية استقرّ العدد على 14 رياضة و102 مسابقة. رياضة واحدة غير رسمية رياضة واحدة كانت غير رسمية على الجدول آنذاك هي سباق التحمّل للدرّاجات الهوائية على الطرقات لمسافة 320 كلم، وهو يعتبر الأطول بين جميع الرياضات في التاريخ الأولمبي. حفل الافتتاح أقيم حفل افتتاح البطولة متأخّرا في السادس من جويلية العام 1912 في الإستاد الأولمبي في ستوكهولم الذي شيّد خصّيصا للبطولة واستعمل لأوّل مرّة في شهر ماي من العام نفسه، وجرى في بداية المراسم التي حضرها رئيس اللّجنة الأولمبية الدولية الفرنسي بيار دو كوبرتان عزف النّشيد الأولمبي بحضور 35 ألف متفرّج، ثمّ صلاة من رجل دين سويدي، تبعها استعراض الوفود شأن الدورة السابقة فدخل الوفد البلجيكي أوّلاً فيما كان وفد أهل الدار آخرا. وبعد كلمة ألقاها رئيس اللّجنة الأولمبية السويدية أعلن ملك السويد وقتها غوستاف الخامس افتتاح البطولة رسميا، وتلا الافتتاح مباشرة انطلاق منافسات الجمباز التي أقيمت في الملعب نفسه في الهواء الطلق. نزال الرّوسي مارتن كلين والفنلندي ألفرد أسيكاينن تواصل في رياضة المصارعة تميّزت الدورة الخامسة بعدّة مواقف في المنافسات، منها استمرار نزال الرّوسي مارتن كلين والفنلندي ألفرد أسيكاينن في نصف نهائي الوزن المتوسط لرياضة المصارعة اليونانية الرومانية لإحدى عشر ساعة. ونجاح الفنلندي هانيس كوليماينن في الفوز بثلاث ذهبيات في الجري الطويل، كما برز بشكل ملفت بل كان الأكثر نجاحا الأمريكي جيم ثورب في الديكاتلون والبنتاتلون، أمّا النّمساوي أوتو هيرشمان رئيس اللّجنة الأولمبية وقتها في بلاده فقد فاز بفضية في المبارزة وهو يعتبر الحالة الوحيدة المماثلة أولمبيا. ذهبية كرة القدم لبريطانيا.. ألمانيا هزمت الرّوس ب (16/0) في الألعاب الجماعية سجّلت كرة القدم ظهورها الرّابع أولمبيا، وشارك في منافساتها أحد عشر منتخبا جميعها من أوروبا، وبحضور حاملة اللّقب في دورة لندن 1908 بريطانيا. وجرت المباريات في ثلاثة ملاعب مختلفة بين 29 جوان و5 جويلية، اثنان من هذه الملاعب تقع خارج ستوكهولم المدينة التي استضافت أربع مباريات من أصل إحدى عشرة أقيمت من بينها المباراة النّهائية التي جمعت بين بريطانيا والدانمارك وانتهت لصالح الأولى (4-2) أمام 25 ألف متفرّج، فيما نالت هولندا البرونزية بفوزها على فنلندا (9-0)، بينما حقّقت ألمانيا في مباريات التراضي للخارجين أكبر نتيجة بسحقها روسيا بستّة عشر هدفا مقابل لا شيء أمام ألفي متفرّج. الفنلندي هانيس كوليماينن نجم الدورة الخامسة كما سبق وورد اعتبر الفنلندي هانيس كوليماينن من الأكثر نجومية في الألعاب الخامسة بنجاحه في الفوز بثلاث ميداليات ذهبية وميدالية فضّية في سباقات العدو الطويل، وشكّلت انتصاراته بداية للسيطرة الفنلندية في سباقات الجري للمسافات الطويلة لمدّة ثلاثين سنة تلت، وكانت أولى ألقابه في الثامن من جويلية حين فاز بسباق ال 10 آلاف متر بفارق تخطّى ال 40 ثانية عن الثاني، أتبعها بعد ذلك بنزال غاية في الإثارة في مسافة ال5 آلاف متر مع الفرنسي جان بوين الذي حطّم في خلال التصفيات الرّقم العالمي للسباق مسجّلاً 15,05 دقيقة، لكن النّهائي حسمه الفنلندي المدعوم بقوّة من السويديين في الأمتار الأخيرة مسجّلاً رقماً عالمياً جديداً 14,36,6 دقيقة، أمّا ذهبيته الأخيرة التي كانت الثالثة في غضون ثلاثة أيّام فجاءت في اختراق الضاحية. الأمريكي جيم ثورب ذو الجذور الهندية واصل حصد الذهب أسطورة الدورة الآخر الأمريكي ذو الجذور الهندية جيم ثورب استحقّ عن جدارة الرياضي الأكثر كمالاً وقوّة بفوزه بالمسابقتين المركبتين في ألعاب القوى، فقد نجح بما امتلكه من قدرات بدنية (1,87م و83 كلغ) في الفوز أوّلاً بالبنتاتلون (مختلفة عن البنتاتلون الحديث وتتضمّن الوثب الطويل، رمي الرمح، 200م، رمي القرص وال 1500م)، ثمّ أتبعها بإنجاز خارق فيه حطّم في مسابقة الديكاتلون أي العشارية، الأرقام العالمية للمسابقات العشرة لهذه الرياضة، غانما ذهبيته الثانية، وقد حيّاه على إنجازه كلّ من قيصر روسيا نيكولا الثاني وملك السويد غوستاف الخامس الذي قال عنه إنه أعظم رياضي في العالم والرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت. لكن فرحة ثورب لم تدم طويلاً، إذ كشفت إحدى الصحف الأمريكية حصول البطل الأمريكي على مال مقابل لعبه البايسبول في كارولينا، واعترف بالأمر عازيا مغامرته إلى المتعة فقط وليس إلى المال. ومن المعروف أن الاحتراف كان محرّما أولمبيا فتمّ سحب ميداليتيه الذهبيتين منه العام 1913، وباتت حالته الأولى في الألعاب الأولمبية، وقد دفعه ذلك إلى القول دوما إنه سيرد اعتباره، لكن ذلك لم يحصل إلاّ العام 1982 بعد وفاته ب 29 عاما حين أرجعت الأولمبية الدولية بوساطة من رئيسها وقتها خوان أنطونيو سامارانش الذهبيتين إلى ابنه جاك ثورب الذي قال: (أنا واثق من أن والدي بيننا اليوم، وتعوزه الكلمات للامتنان). هيمنة أمريكية في أم الرياضات تصدّرت الولايات المتّحدة ذهبيات العاب القوى برصيد 16 ذهبية أمام فنلندا ب 6 والسويد ب 4، وتقاسمت ألمانيا وأستراليا والولايات المتّحدة وكندا صدارة السباحة بذهبيتين لكلّ من الفرق الأربعة مع فارق في الفضّة والبرونز. واستأثرت فنلندا بثلاث ذهبيات من أربع في المصارعة، فيما ذهبت الرّابعة للسويد. وتصدّرت إيطاليا مسابقة الجمباز بذهبيتين، وقبضت فرنسا على مسابقة كرة المضرب بثلاث ذهبيات مقابل اثنتين لكلّ من بريطانيا وجنوب إفريقيا، واكتسحت السويد الفروسية بأربع ذهبيات من خمس، ونالت كلّ من المجر وبلجيكا ذهبيتين في المبارزة. الأمريكي ديوك كاهاناموكو سبّاح من ذهب حقّق السباح الأمريكي ديوك كاهاناموكو من هاواي إطلالته الأولمبية الأولى في دورة 1912، ونجح أثناء مشاركته في تصفيات سباق ال 100م حرّة في معادلة الرّقم القياسي العالمي، ثمّ نجح في النّهائي في الفوز بالذهبية بالرغم من توقّف حصل معه في نصف السباق، وفاز أيضا بفضّية في الحرّة مع الفريق الأمريكي، كما أنه شارك في أولمبياد 1920 وحقّق ذهبية ال 100م حرّة كاسرا رقمه العالمي، علما أنه فاز مرّتين بالسباق نتيجة أنه أعيد لجدل حوله، وأضاف ذهبية ثالثة أولمبية إلى سجّله عقب فوزه في البدل 4_200م حرّة مع منتخب بلاده في الدورة نفسها، ولم يكتف بهذا بل شارك في دورة 1924 حيث نال فضّية ال 100م حرّة ومثّل أيضا فريق الولايات المتّحدة في كرة الماء العام 1920. ذهبية الكرة الحديدية لشرطي أمريكي لاعب ألعاب قوى أمريكي ضخم البنية (1,96 م, و136 كلغ) كان شرطيا في نيويورك، شارك في مسابقة دفع الكرة الحديدية، نال ذهبيتها هازما بشكل مفاجئ حامل اللّقب في الدورتين الأخيرتين مواطنه رالف روز الذي عاد وثأر في مسابقة دفع الكرة باليدين (تدفع الكرة الحديدية باليمين ثمّ باليسار وليس باليدين معا)، حين نال الذهبية وماكدونالد الفضّية، وعاد الأخير للفوز بذهبية رمي وزن 56 باوند في أولمبياد 1920، مع العلم أن أولمبياد 1916 ألغي بسبب الحرب العالمية الأولى، كما أنه حلّ رابعا في دفع الكرة الحديدية في نفس الأولمبياد، علما أنه كان يبلغ وقتها 42 سنة و26 يوما، الأمر الذي جعله أكبر بطل أولمبي يفوز بذهبية في مسابقة ألعاب القوى حتى تاريخه، وقد بقي بعد ذلك في شرطة نيويورك حتى العام 1946، خادما 41 عاما. صربيا للمرّة الأولى شاركت صربيا للمرّة الأولى في الألعاب الأولمبية، وقد مثّلت وقتها المملكة الصربية، وكانت البعثة مرسلة من قبل النّادي الصربي الأولمبي، وقد حقّق عداؤها دوشان ميلوسيفيتش المركز الثالث في تصفيات سباق المائة متر، فيما جاء دراغوتين توماسيفيتش في المركز السابع والثلاثين في سباق الماراطون. مصر تمثّل العرب لأوّل مرّة في الأولمبياد سجّلت مصر ظهورها الأولمبي الرّسمي الأوّل في تاريخها والظهور العربي الأوّل أولمبيا، لكنها لم تحرز أيّ ميدالية في هذه النّسخة، ومنذ ذلك الحين شاركت مصر في جميع الدورات الأولمبية الصيفية اللاّحقة ولم تغب إلاّ عن دورتين هما 1932 و1980. وقد سجّلت مصر نتيجة مميّزة في أولمبياد أمستردام 1928 محقّقة ميداليات أولمبية من المعادن كافّة عبر المصارعين إبراهيم مصطفى (1904 - 1968) والسيّد نصير (1905 - 1968) اللذين فازا وقتها بذهبيتين في اليونانية-الرومانية، والغطّاس فريد سيميكا الذي نال فضّية وبرونزية عن سلّم العشرة أمتار والثلاثة أمتار. منازالات ماراتونية في نصف نهائي المصارعة اليونانية الرومانية هزم الرّوسي مارتن كلين الفنلندي ألفريد أسيكاينن بعد نزال استمرّ إحدى عشر ساعة، يعتبر الأطول أولمبيا على مدى التاريخ الحديث. ولم يكن النزال متواصلاً، بل كان يتوقّف كلّ ثلاثين دقيقة للاستراحة، وقد حلّ الرّوسي في النّهائي ثانيا بعدما خسر أمام السويدي كلايس يوهانسون. وفي نزال مشابه في نهائي الوزن الخفيف الثقيل استمرّ لتسع ساعات، تمّ منح الطرفين وهما السويدي أندريس ألغرين والفنلندي إيفار بولينغ ميدالية فضّية لكلّ منهما بعد استمرار التعادل. أوّل رياضي يحصل على ذهبيتين في ألعاب القوى في تاريخ الأولمبياد في سباقات العدو السريع حقّق العدّاء الأمريكي رالف كريغ أوّل (ثنائية) في التاريخ الأولمبي بعد فوزه في سباقي ال 100 وال200م، ولم يشارك في سباق البدل مع فريق بلاده، وقد اعتزل كريغ مباشرة بعد نهاية الألعاب. وفي ألعاب القوى أيضا شهد سباق الماراطون حادثا مأساويا، إذ انهار العدّاء البرتغالي فرانسيسكو لازارو في الكيلومتر الثلاثين متأثّرا بدرجة الطقس العالية وأشعّة الشمس، فتمّ نقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة. جدول الميداليات: البلد و.م. الأمريكية السويد ب. العظمى فنلندا فرنسا ألمانيا ج. إفريقيا النّرويج كندا المجر إيطاليا أستراليا بلجيكا الدانمارك اليونان روسيا النّمسا هولندا تطالعون في الحلقة المقبلة: ترى لماذا غابت الأولمبياد بعد دورة ستوكهولم إلى غاية مطلع العشرينيات؟ ذلكم هو السؤال الذي سنجيبكم عنه في الحلقة المقبلة إن شاء اللّه.