تشهد مطاعم الرّحمة في العديد من مناطق القطر الوطني حضور وافد جديد هذه الأيّام، فرضت قدومه ظروف مأساوية يعيشها بلد شقيق، ويتعلّق الأمر باللاّجئين السوريين الذين لم يجدوا بدا من مقاسمة إخوانهم الجزائرية وجبة الإفطار الرّمضاني في مطاعم الرّحمة المنتشرة هنا وهناك. وتشير أرقام رسمية إلى أن ما لا يقلّ عن 4 بالمائة من الوافدين على بعض مطاعم الرّحمة.. سوريون. عاشت مختلف مناطق الوطن منذ بداية رمضان على وقع العملية التضامنية التي ساهمت فيها عدّة جهات، بدءا بوزارة التضامن الوطني والكشّافة الإسلامية والهلال الأحمر والسلطات المحلّية وانتهاء بالمحسنين الذين لم يتوانوا ككلّ سنة في نصب موائد الرّحمة للصائمين، في أجواء أقلّ ما يقال عنها إنها عائلية مائة بالمائة، حيث تسمح للمعوزين وعابري السبيل بالحصول على وجبة إفطار كاملة بعد يوم شاقّ من الصيام والعمل. وقد كان أيضا للرّعايا السوريين الذين فرّوا من ويلات الحرب وحلّوا بأرض الوطن كلاجئين، حظّ من هذه الأجواء العائلية لعلّها تنسيهم لوعة فراق الوطن والأهل. تعدّ مطاعم الرّحمة التي تنصّب في مختلف ولايات الوطن من أبرز علامات الشهير الفضيل في الجزائر، إذ لا يخلو شارع من لافتات إطعام عابري السبيل تعبّر عن مدى تلاحم الشعب الجزائري خلال رمضان. ولقد قادتنا جولتنا الميدانية بأحياء العاصمة إلى الوقوف عند مطعم عابر سبيل يقع في الجهة المقابلة لمحطّة نقل المسافرين (بن عمر) الواقعة بإقليم بلدية القبة، حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشر ونصف اين استقبلنا صاحب المكان (ق. إسماعيل) رجل أعمال دأب على مدار 08 سنوات على اغتنام فرصة حلول شهر رمضان الكريم لإطعام المئات من المواطنين المعوزين وعابري سبيل في محاولة منه لتعويضهم عن دفء العائلة. المكان كان فارغا سوى من ثلاثة متطوّعين كانوا بصدد القيام بعملية التنظيف قبل أن يغادر اثنان منهم توجّها لاقتناء حاجيات وجبة الإفطار، أين اغتنمنا الفرصة وتحدّثنا إلى ذلك المحسن الذي استقبلنا بصدر رحب قائلا: (إن ما نقوم به واجب إنساني يعود الفضل فيه للّه عزّ وجلّ ويكلّفنا تعبا كبيرا يهون في سبيل تقديم الخدمة التطوّعية على أحسن وجه، وأنا مدين في ذلك لأبناء الحي وهم جميعهم طلبة الذين يحرصون كلّ سنة على تقديم المساعدة والسهر على خدمة المعوزين حتى لا يعرف الجوع سبيلا إلى معدة الفئات المتردّدة على المطعم خلال شهر رمضان)، ليغادرنا بعدها مباشرة بعدما اطمئنّ إلى أه تركنا مع المسيّر (بولوح شمس الدين) طالب جامعي يحضّر لشهادة الكفاءة في المحاماة. من "مأساة الشام".. إلى رحمة مطاعم الرّحمة من جهته، صرّح الشابّ شمس الدين بأن المطعم الذي فتح أبوابه منذ سنة 2005 يشهد زيادة مطّردة في عدد المقبلين الذين يتزاحمون منذ الساعة السادسة مساء ليصطفّوا أمام المحلّ الذي يفتح أبوابه نصف ساعة قبل الأذان، حيث استقبل في اليوم الأوّل حوالي 80 إلى 90 شخصا، ليرتفع العدد في اليوم الموالي إلى حدود 140 شخص قبل أن يصبح في اليوم الأهير 230 شخص يحظون بوجبات دافئة يوميا تتكوّن من طبق الشوربة والبوراك وطبق ثاني والسلطة، إلى جانب الفواكه والعصائر تحضّر جميعها من اللّحوم والخضر الطازجة. وقد جنّد لإنجاح هذا العمل الخيري طاقم متمكّن في الطبخ ولديه خبرة في المطاعم يتكوّن من 05 أفراد، إلى جانب 10 متطوّعين من أبناء الحي جميعهم طلبة جامعيون، فضلا عن صاحب المكان وأبنائه الثلاثة الذين لا يتوانون في تقديم المساعدة وإرساء جو التآزر. أمّا فيما يخص الأشخاص الذين يتوافدون على المطعم فقد كشف المسيّر أن 80 بالمائة هم العمالة الذين جاءوا من الريف، والذين يشتغلون في مجال البناء، إلى جانب المعوزين و10 بالمائة هم عابري السبيل الذين ضاقت بهم السبل للحصول على وجبات ساخنة، أمّا 04 بالمائة فهم رعايا سوريون دفعتهم الحرب الدائرة في بلادهم للّجوء إلى الجزائر فلم يجدوا في الشهر الفضيل سوى مطاعم الرّحمة للحصول على أجواء عائلية معظمهم حسب محدّثنا ينحدرون من مدينتي حمص وحلب اللتين عرفتا معارك طاحنة بين قوّات الجيش الحرّ والنّظام السوري، أمّا 06 بالمائة من الوافدين فهم رجال الشرطة الذين دفعتهم ظروف عملهم للتوجّه إلى مطاعم الرّحمة عند الإفطار. كما خصّص المطعم ما يعادل 25 وجبة يوميا توزّع على العائلات المعوزة في مساكنها تجنّبا لوضعها في موقف محرج، أمّا فيما يخص النّساء فقد خصّصت لهم مساحة على جنب. كما كشف محدّثنا أن صاحب المطعم رصد ميزانية 05 ملايين سنتيم يوميا لإفطار الصائمين، إضافة إلى الإعانات التي يتقدّم بها بعض المحسنين، وأنه تسهر على عمليات الإفطار لجان المراقبة والصحّة لبلدية القبّة التي تشرف يوميا على مراقبة نوعية الوجبات المقدّمة ونظافة المحيط. كما يتعمّد صاحب المطعم ترك الأطباق الشاهدة، وهي عبارة عن كمّية من الطعام الموزّع تخبّأ في علب صغيرة حتى تكون شاهدة في حال تعرّض أحد الصائمين لتسمّم غذائي.