يخطئ من يتصور أن شهر رمضان قد تغير وتبدلت أحواله وأصبح غير الشهر الذي يقدسه المسلمون منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويتعارفون على صيامه، فرمضان هو رمضان، ومازال هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن "هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"، ومازال هو الشهر الذي يأتي مباشرة بعد شعبان، ومازال الناس يصومونه بعد رؤية هلاله ويفطرون لرؤية هلال شوال، ومازال السحور سحورا والإفطار إفطارا.. وإن كان من أمر قد تغير فالذي تغير هم المسلمون وليس رمضان! لقد كان السلف الصالح يقضون الشهور الستة التي تسبق رمضان في دعاء الله أن يبلغهم إياه، فإذ بلّغهم إياه دعوه أن يرزقهم حسن صيامه وقيامه، واجتهدوا فيه قدر مستطاعهم في القيام بالطاعات وتسابقوا على فعل الخيرات واجتناب المنكرات، فإذا انقضى الشهر الكريم تحسروا لذلك، وقضوا الشهور الستة الموالية له في مناجاة الله أن يتقبل منهم صالح الأعمال، أم اليوم فقد اختلف الوضع تماما، وأصبح كثير من المسلمين يقضون الشهور الستة التي تسبق رمضان في الهم والغم، والتفكير المتواصل في كيفية تدبير مصاريف هذا الشهر، ومن الواضح أن المسلمين اليوم باتوا ينظرون إلى رمضان على نحو مختلف عن منهج السلف الصالح، فالسابقون كانوا يرون فيه شهر عبادة وطاعة وعتق من النار، وصار اللاحقون يرونه شهر تسابق على تزيين مواعد الإفطار بشتى صنوف الأطعمة ويرونه بسبب ذلك شهرا مرهقا جدا من الناحية المالية، ولذلك لم يعودوا إلا من رحم ربي يدعون الله أن يبلغهم إياه، كما كان يفعل السلف الصالح. في بلادنا، مثلا، يكون الناس سواسية تقريبا قبل رمضان، فإذا جاء هذا الشهر المبارك تحولوا، عموما، إلى صنفين.. ذئاب وأغنام.. ذئاب في ثياب تجار يرفعون الأسعار وينهشون لحوم ضحاياهم، وأغنام في ثياب مستهلكين لا حول لهم ولا قوة، ولا همّ لهم تقريبا سوى تأمين مائدة الإفطار بعد يوم طويل من الصيام، وكل الأمل عند هؤلاء وأولئك أن يكون هذا الصيام مقبولا.. وكل عام وأنتم بخير.