من الفقه في الدين عمل الخيرات في كل آن وحين، وخصوصاً في الأوقات الفاضلات المُباركات، وكما هو معلوم أن رمضان الذي يطرق الأبواب من الأوقات الفاضلات، ومن النفحات الربانية على الأمة المحمدية، وهو من الشهور العظيمة عند الله تعالى، فرمضان يحمل في طياته منحَ الرحمن، ونسائم القرآن، وروائح الجنان، فيه تطيب الأفواه، وتطهُر الألسنة، وتُمنع الآثام، فهو جُنة من الزلل، ووقاية من المعاصي، وحصن من السيئات، في رمضان لا يخيب سائل، ولا يُطرد محروم، عطاؤه كثير، وفيضه عميم، تُوِّج بليلة القدر، وتشرّف بنزول القرآن، وبورك بنزول الملائكة، ورُفعت فيه راية المُوحِّدين، وغير ذلك من الجوائز والمنح الربانية التي وهبها رب البرية للأمة المحمدية، فهنيئا لمَن تَعرَّض لهذه النفحات، وخرج من رمضان وقد غُفِر له جميع السيئات. لكن من أراد أن يفوز بجوائزَ رمضان، فليستعد لها من الآن، فإنه لا يحصل على جوائز رمضان وهذه المنحِ من الرحمن إلا لمن استعد لها من شعبان، ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: (شعبان؛ لتعظيم رمضان)، وروى ابن وهب عن عائشة رضي الله عنها قالت: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ يصومون رجب، فقال: (أين هم من شعبان؟). كما أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله. وفي رواية في الصحيحين: كان يصوم شعبان إلا قليلاً.