"سنصوم ولكن لا نعلم متى سنفطر وهل سنجد طعاما للإفطار أم لا، الله وحده يعلم".. بهذه الكلمات عبرت الباكستانية نصرة شاه- بينما كانت تهيئ مكانا للنوم لأسرتها في العراء بجوار جسر في سوكور -عن أحوال ملايين الباكستانيين الذين شردتهم الفيضانات التي ضربت البلاد والذين بدأوا الصوم الخميس. وفكرة الإفطار في رمضان غير مطروحة لديهم رغم ما يكابدونه من جوع ومشقة. نصرة التي كانت تتحدث لوكالة رويترز طلبت من مسلمي العالم الدعوة لهم ، قائلة "فقط ادعوا لنا". ويدخل شهر رمضان هذا العام في باكستان في ظل ظروف إنسانية مأساوية، بعد أن استحالت أجزاء كبيرة من البلاد لمناطق منكوبة؛ وشردت أسوأ فيضانات تشهدها باكستان منذ عقود مئات الآلاف من السكان، ودمرت مساحات شاسعة من أراضيها المزروعة، إلا أن هؤلاء لايجدون في معاناتهم ذريعة للإفطار في هذا الشهر الذي يمتاز بخصوصية روحانية، ومكانة كبيرة في قلوب الباكستانيين. ونجمت الفيضانات عن أمطار موسمية غزيرة على معظم مناطق البلاد بدأت قبل أسبوعين وأسفرت عن مقتل نحو 1600 شخص وأعاقت حياة 14 مليونا بينهم نحو مليوني شخص اضطروا إلى ترك منازلهم. وفقد كثير من الناجين في القرى التي غمرتها مياه الفيضانات مخزونهم من الغذاء؛ إلى جانب محاصيل الحقول والماشية ويعيشون في العراء يقتاتون على ما يقدم لهم من مساعدات. سنصوم بلا طعام ورغم الجوع والمشقة فإن فكرة الإفطار في رمضان غير مطروحة لمعظم الناس هناك، وردًا على سؤال حول ما إذا كان سيصوم رمضان هذا العام؟ يضحك فخر زمان وهو رجل أعمال في وادي سوات الواقع شمال غربي العاصمة إسلام أباد؛ والذين تقطعت به السبل هذا الأسبوع نتيجة الفيضانات والانهيارات الأرضية قائلا: "ما هذا السؤال..!؟ تعرف سكان سوات. لا يمكن أن يفطروا في رمضان." وقال نصير سومرو الذي أجلي على متن قارب تابع للبحرية من قريته التي غمرتها الفيضانات بإقليم السند إنه مريض هو وأسرته وإنهم ظلوا جياعا لأيام لكن إيمانه لم يتزعزع. وقال "لم نأكل بالفعل منذ أربعة أيام.. سنصوم رمضان لكن لا نعلم كيف سيكون العيد." وتساعد جهود إغاثة دولية ضحايا الفيضانات، ويخشى بعض عاملي الإغاثة أن يعرِّض الصيام صحة الناس الذين يعانون من نقص في الطعام للخطر، ويعرقل جهود توصيل المساعدات. وقال طبيبٌ يشارك في جهود الإغاثة لرويترز إن من يحصلون فقط على تغذية قليلة هم من لايجدر بهم الصيام، على الرغم من أن الامتناع عن الشرب طوال النهار قد يحميهم من الأمراض التي تنتقل عبر المياه. وأضاف الطبيب أحمد شادول: "ليسوا بالطبع في الحالة المثلى للصيام. فما يحصلون عليه من غذاء غير كاف. لكن على الجانب الآخر فان الصيام قد يصبح إجراءً يقي من الإسهال، لأن الناس لن يشربوا المياه لما بين 14 و15 ساعة." وقال إرشاد كريم كبير المسؤولين في صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة في شمال غرب باكستان: "يعمل الناس عادة بخمسين في المئة من طاقتهم في رمضان. سيكون بالطبع وضعٌ به الكثير من التحدي." نسبة الغلاء 100% ويؤكد توماس شفارتس من هيئة الإغاثة الألمانية في حديثه لدويتشه فيله أنه على الرغم من ارتفاع الأسعار في ظل أزمة الفيضانات قبيل شهر رمضان "إلاّ أني أدركت أن أسعار الطماطم وغيرها من الخضر قد تضاعفت في غضون ثمانية أيام". ويضيف بأن نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية تتراوح بين 80 و115 %. ويقول: "تظهر هذه التطورات أن المواد الغذائية في نقص متزايد"، لافتاً إلى أن "هناك مخاوف من الجوع". ويتم إنتاج الفواكه والخضر والقمح على وجه الخصوص في الحوض الخصيب لنهر الهندوس في ولايتي البنجاب (وسط) والسند (جنوب) وكذلك في سهول خيبر بختونكوا (شمال غرب). وأدت الفيضانات والانهيارات الطينية في ولاية البنجاب لوحدها إلى تدمير نحو 570 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. من جهته، قال وزير الزراعة الإقليمي أرباب محمد أيوب خان لوكالة الأنباء الفرنسية: "بحسب تقديراتنا، أدت الفيضانات إلى أكثر من ستة مليارات روبية من الخسائر في المناطق الخصبة. وتعرضت المحاصيل الزراعية والخضر والبساتين للخراب". مضيفاً أنه سيكون لهذا الأمر تأثير سلبي للغاية على الأسواق، ولافتا إلى أن الأسعار مرتفعة جدًا في الوقت الحالي. أما السكان الناجون فيتهمون الحكومة بالتأخر في مدهم بالعون؛ ويكافحون للبقاء على قيد الحياة، متسلحين بحصص غذائية محدودة تمنحها السلطات المحلية والمؤسسات الخيرية، فيما تكاد تكون الأسواق خالية في شتى أنحاء البلاد صبيحة أول يوم من شهر رمضان. وكانت جمعية قطر الخيرية من أوائل الجمعيات الإنسانية الإسلامية والدولية التي وصلت إلى المناطق المنكوبة بالفيضانات وقدمت الإغاثة العاجلة منذ الأيام الأولى لوقوعها، ومما ساعدها على ذلك وجود مكتب رئيس لها في إسلام أباد ومكتبين فرعيين في سوات وراجمبور. وقامت الجمعية بتقديم وجبات غذائية مطبوخة ل 7550 متضررا، وحليب الأطفال والألعاب ل 486 طفلا . وأضاف:"إن هذا التدخل الإغاثي العاجل في هذه المناطق لم يقتصر على ذلك؛ بل امتدّ ليشمل خدمات المأوى والماء النقي والصحة، وتم إنشاء مخيم يمكنه إيواء 650 أسرة مشردة أي ما يعادل 3900 فرد.