الإخلاص سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه مَلك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا يناله هوى فيميله، وتحقيق الإخلاص لله في كل العبادات أعظم الأصول المهمة في دين الإسلام، ويعد أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان، وأعظمها قدرا وشأنا، بل إن أعمال القلوب أهم من أعمال الجوارح، ويكفي أن العمل القلبي هو الفرق بين الإيمان والكفر. والإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله خاصة، وهو تفريغ القلب له، وهو حقيقة الدين، ومضمون دعوة الرسل قال تعالى: (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)، _البينة: 5-، وقال تعالى: (ألا لله الدين الخالص) _الزمر: 3_، ويقول سبحانه: (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) _الأعراف: 29_. يقول العلماء إن الله يأمرنا أن نخلص نياتنا ومقاصدنا في دعائه، فندعوه خوفا وطمعا، خوفا من سخطه وسلب نعمه، ومن السقوط في المعصية، وطمعا في رضاه وقربه والنجاة بالطاعة والتقوى. ويأمرنا الكتاب العزيز بإخلاص الدين لله، ومعنى الدين هو ما يخضع له الإنسان من تلقاء نفسه من شريعة أو نظام، وخلوصه هو رفض ازدواجية الولاء بين الله والرسل والأولياء، وبين سائر السلطات المادية، فعبادة الله عز وجل، ومن أبرزها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لا تأتي حنيفية طاهرة نقية إلا إذا اخلص المؤمن دينه لله، أي خضع بكل جوانحه وجوارحه للخالق عز وجل، ورفض الرياء للناس. والإخلاص صفة الأنبياء، قال تعالى: (واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا) _مريم:51_، وقال تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار. إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار. وإنهم عندنا من المصطفين الأخيار) _ ص: 45-47_. الطاعة ولا يقبل الله من طاعة الإنسان وعبادته إلا ما كان خالصاً له، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتغي به وجهه). والمسلم المخلص لا يستطيع الشيطان إغواءه، لأن الله قد حفظ المؤمنين، فيذكر القرآن الكريم على لسان الشيطان: (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين) _الحجر: 39-40_، وقال الله تعالى في ثواب المخلصين وجزائهم في الآخرة: (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما)، _النساء: 146_. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان أهمية أعمال القلوب، وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين، مثل محبته لله ورسوله، والتوكل وإخلاص الدين لله، والشكر له والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك، والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب، فإن القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا خبث خبُثت جنودُه. أعمال الجوارح ويقول ابن القيم: أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح. وقال العز بن عبد السلام: الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيما من الناس ولا توقيرا، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي. إن الله جعل الإخلاص شرطا لقبول الأعمال الصالحة، والإخلاص هو العمل بالطاعة لله وحده، والمخلص هو الذي يقوم بأعمال الطاعة من صلاة وصيام وحج وزكاة وصدقة وقراءة للقرآن وغيرها ابتغاء الثواب من الله وليس لأن يمدحه الناس ويذكروه. والإخلاص سببٌ لعِظم الجزاء مع قلة العمل، وقد دلت على ذلك النصوص النبوية، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاًّ، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تُظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء). ومن ثمار الإخلاص أنه لا بد أن يكون صاحبُه قد قصد بعمله وجه الله، وأن يكون موافقا لما شرّعه في كتابه أو بيّنه رسوله في سنته، قال ابن كثير، وهذان رُكنا العمل المتقبَّل، لا بد أن يكون خالصا لله، صوابا على شريعة رسول الله. ومن ثمار الإخلاص، تفريج الكربات، والانتصار والعصمة من الشيطان ونيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومغفرة الذنوب ونيل الرضوان. * المسلم المخلص لا يستطيع الشيطانُ إغواءه، لأن الله قد حفظ المؤمنين، فيذكر القرآن الكريم على لسان الشيطان: (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين) _الحجر: 39-40_، وقال الله تعالى في ثواب المخلصين وجزائهم في الآخرة: (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما، _النساء: 146_.