كان أبو الحسن الأشعري إماماً من أئمة أصحاب الحديث، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الدين على طريقة أهل السنة، ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدع، وكان على المبتدعين والخارجين عن الملة سيفاً مسلولاً. هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردةَ عامر ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى الأشعري، ولد سنة 260 هجرية بالبصرة. وعاش في البصرة ملازماً لزوج أمه شيخ المعتزلة في زمانه أبي علي الجبائي، وعنه أخذ الاعتزال حتى تبحر فيه وصار من أئمته ودعاته، ثم بعد ذلك تحوَّل عن الاعتزال، ويذكر ابن عساكر أن أبا الحسن الأشعري اعتزل الناس مدة خمسة عشر يوماً، وتفرغ في بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس في المسجد الجامع، وأخبرهم أنه انخلع مما كان يعتقده، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوباً كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس، وفي هذا الشأن قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: (كان المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى نشأ الأشعري فحجزهم في أقماع السماسم)، وقد استفاد من الأشعري عددٌ كبير من العلماء الأئمة فتأدبوا بآدابه وسلكوا مسلكه في الأصول واتبعوا طريقته في الدفاع عن الدين ونصرة أهل السنة. رؤيا ومما يُذكر في سبب رجوعه عن مذهب الاعتزال، رؤيا رأى فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقال أبو الحسن: وقع في صدري في بعض الليالي شيءٌ مما كنت فيه من العقائد، فقمت وصليت ركعتين، وسألت الله أن يهديني الصراطَ المستقيم، ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر، فقال صلى الله عليه وسلم: عليك بسنتي، قال: فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت من القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهري. وتبنّى الأشعري نظرية (الجوهر الفرد) كما وضعها المعتزلة ليقيموا بواسطتها براهينهم العقلية على بعض المسائل الدينية، وعلى رأسها القول إن الإنسان هو (خالق أفعاله) بقدرة يحدثها الله فيه عندما يختار هذا الفعل أو ذلك، وبالتالي فالإنسان عندهم حر مختار في أن يفعل أو لا يفعل، ويتحمل مسؤولية أفعاله، وحاول الأشعري أن يوفق بين هذا الموقف وموقف من يرفضون من أهل السنة نسبة خلق الأفعال إلى الإنسان وقد اتخذ الأشعري من مفهوم (الكسب) أساساً لهذا التوفيق، فقال إن الإنسان لا يخلق أفعاله وإنما هي من الله، ولكنه (يكسب) نتائجَها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، بمعنى أنه مسؤول عما يفعل، واستخدم أبو الحسن الأشعري وسائل المعتزلة المنطقية والعقلية نفسها لدعم عقيدة أهل السنة والحديث، وهكذا استطاع أن يواجه المعتزلة بأدواتهم وأساليبهم نفسها. وقال عنه الحافظ أبو بكر البغدادي: (أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة)، وقال أبو بكر بن قاضي شهبة في طبقاته: (الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين، والذاب عن الدين). مؤلفاته مؤلفات الأشعري كثيرة، وقد بلغت ما يقارب الخمسين مصنفاً منها: إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان، وتفسير القرآن، والرد على ابن الراوندي في الصفات، والفصول في الرد على الملحدين والخارجين عن الملّة، والقامع لكتاب الخالدي في الإرادة، وكتاب الاجتهاد في الأحكام، وكتاب الأخبار وتصحيحها وكتاب الإمامة، والشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل، وكتاب الموجز، وكتاب خلق الأعمال، وكتاب الرد على المجسمية، واللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، وأدب الجدل، والنوادر في دقائق الكلام. وعلى مذهب الأشعري في الاعتقاد سار الملايين من المسلمين في الشرق والغرب تدريساً وتعليماً. وتوفي أبو الحسن الأشعري سنة 333 هجرية ببغداد ودفن بين الكرخ وباب البصرة. * تبنّى الأشعري نظرية "الجوهر الفرد" كما وضعها المعتزلة ليقيموا بواسطتها براهينهم العقلية على بعض المسائل الدينية، وعلى رأسها القول إن الإنسان هو (خالق أفعاله) بقدرة يحدثها الله فيه عندما يختار هذا الفعل أو ذلك، وبالتالي فالإنسان عندهم حر مختار في أن يفعل أو لا يفعل، ويتحمل مسؤولية أفعاله، وحاول الأشعري أن يوفق بين هذا الموقف وموقف من يرفضون من أهل السنة نسبة خلق الأفعال إلى الإنسان وقد اتخذ الأشعري من مفهوم (الكسب) أساساً لهذا التوفيق، فقال إن الإنسان لا يخلق أفعاله وإنما هي من الله، ولكنه (يكسب) نتائجَها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، بمعنى أنه مسؤول عما يفعل، واستخدم أبو الحسن الأشعري وسائل المعتزلة المنطقية والعقلية نفسها لدعم عقيدة أهل السنة والحديث، وهكذا استطاع أن يواجه المعتزلة بأدواتهم وأساليبهم نفسها.