تعرّفنا في حلقة أمس على كيفية تأسيس فريق اتحاد العاصمة صاحب أوّل بطولة وطنية بعد الاستقلال، وكيف تمكّن من فرض وجوده إبّان الحقبة الاستعمارية، حيث تحوّل إلى واحد من بين أقوى الأندية في الجزائر. فرغم معاناة لاعبيه ومسيّريه من طرف الاحتلال الفرنسي، إلاّ أن الإرادة التي تسلّح بها كلّ من كان له علاقة بالفريق العاصمي مكّنته من الظفر بلقب موسم 1950 / 1951. أمها في حلقة اليوم فسنتعرّف سويا على كيفية تتويج الاتحاد بأوّل لقب له بعد الاستقلال، كما سنتعرّف على أوّل (كلاسيكو) بين الفريقين العتيدين الاتحاد والمولودية، وحتى لا نطيل عليكم الحكاية أكثر نترككم مع حلقة هذا العدد. الاتحاد في أوّل بطولة بعد الاستقلال بعد تأسيس أوّل اتحادية جزائرية لكرة القدم يوم 21 أكتوبر 1963 برئاسة المرحوم محمد معوش، انطلقت المنافسة الرّسمية الأولى على شكل بطولة جهوية على مستوي المناطق (شرق -غرب-وسط)، على أن تشارك الفرق البطلة في دورة لتحديد بطل موسم 1962 / 1963. ولم يجد لاعبو اتحاد العاصمة أدنى صعوبة في انتزاع لقب مجموعته، حيث فرضوا سيطرة تكاد تكون كلّية على جميع الفرق التي واجهها، ومن أبرز نتائجة (13-1) ضد نجم البروافية. كما تغلّب في نهائي المجموعة على مولودية الجزائر (2-1). وقد مثل الدورة الرّباعية كلّ من اتحاد العاصمة، مولودية العاصمة وحمراء عنابة بطل المجموعة الشرقية وفريق مديوني وهران بطل المجموعة الغربية، ولعبت الفرق المذكورة في دورة وطنية في جوان 1963. اتحاد العاصمة يذل المولودية في أوّل "كلاسيكو" بثلاثية نظيفة لعبت الدورة الرّباعية بنظام الكأس بخروج المغلوب، عملية القرعة أوقعت كلاّ من اتحاد العاصمة ومولودية العاصمة وجها لوجه، فيما نشّط اللّقاء الثاني كلّ من حمراء عنابة ومديوني وهران. دشّن فريق اتحاد العاصمة الدورة الرّباعية بفوز كاسح على مولودية العاصمة بعد أن هزّ زملاء برناوي شباك (العميد) بثلاثية نظيفة أثارت حينها استغراب أنصار المولودية، حيث راح الكثير منهم يشتم لاعبيهم عند نهاية المباراة وطالبوا الإدارة المسيّرة بإبعاد العديد منهم بعد أن لطّخوا سمعة الفريق، وضد من؟ ضد الجار مولودية الجزائر في نصف النهائي وينتبجة (3-0). وفي الوقت الذي كان فيه أنصار المولودية في قمّة غضبهم تمكّن فريق حمراء عنابة من إزاحة مديوني وهران بهدفين لواحد، لينشّط اللّقاء النهائي كلّ من اتحاد العاصمة وحمراء عنابة من أجل انتزاع أوّل لقب للبطولة الوطنية بعد الاستقلال. فوز الاتحاد على المولودية قوبل بإقامة الأفراح والولائم من ذرف محبّي الاتحاد، حيث خرج الآلاف من عشّاق الاتحاد من أهمّ أحياء العاصمة وراحوا يطلقون العنان لألسنتهم هاتفين بحياة نجوم الفريق، وبالأخص ابن تيفور والحارس الكبير العقبي بلبكري ولا ننسى كلاّ من برناوي، مزياني، كريمو ومدني، وهي العناصر التي برزت بشكل ملفت للانتباه في المباراة النهائية أمام اتحاد عنابة، وجلّ هؤلاء اللاّعبين كانوا ينشطون في فريق الملعب العاصمي (لم يكن معتمدا رسميا)، والذي دفع كلاّ من برناوي، صالح، بلبكري، مدني وزمور إلى الالتحاق باتحاد العاصمة بعد أن رفضتهم المولودية العاصمية التي لم تقبل شروطهم المتمثّلة في إقحام مسيّري الملعب الجزائري في الفريق، وهو الشرط الذي قبلت به إدارة الاتحاد. الفوز الذي أدخل فريق (سوسطارة) تاريخ الكرة الجزائرية كما سبق الذّكر، نشّط الدورة النهائية من أجل انتزاع أوّل لقب للبطولة الوطنية بعد الاستقلال كلّ من اتحاد الجزائر المتفوّق على جاره مولودية العاصمة بثلاثة أهداف لصفر وحمراء عنابة المتفوّق على مديوني وهران بهدفين نظيفين. واللّقاء النهائي الذي احتضنه ملعب العناصر (20 أوت حاليا) حضره جمهور غفير قدّر بحوالي 15 ألف متفرّج سار في اتجاه واحد لمصلحة اتحاد العاصمة، فمنذ البداية اتّضحت معالم المباراة على أن الفوز لن يكون إلاّ من نصيب أبناء العاصمة، ورغم أن العناصر الكبيرة التي كانت تزخر بها تشكيلة فريق (الحمراء) إلاّ أنها لم تتمكّن من فعل أيّ شيء أمام صلابة وقوة لاعبي الاتحاد بقيادة الحارس الرّاحل العقبي الذي يصنّفه التقنيون الجزائريون واحدا من بين أحسن الحرّاس الذين عرفتهم الملاعب الجزائرية. صمود دفاع حمراء عنابة لم يدم طويلا، حيث تمكّن اللاّعب كريمو الذي كان أحسن مهاجم في تلك الفترة، من الوصول إلى شباك أصحاب الزي الأحمر، وكان بإمكان لاعبي الاتحاد رفع الغلّة أكثر من هدف خلال المرحلة الأولى بالنّظر إلى السيطرة الكلّية التي فرضوها على مجريات هذا الشوط. المرحلة الثانية لم تختلف عن الأولى، حيث استمرّ لاعبو الاتحاد على سيطرتهم، الأمر الذي مكّن نفس مسجّل الهدف الأوّل كريمو من إضافة الهدف الثاني، وهو الهدف الذي كان بمثابة ضربة قوية للاعبي الحمراء بقيادة لاعب جبهة التحرير الوطني دودو، لتنتهي المباراة بهدفين لصفر. وبذلك دوّن فريق الاتحاد اسمه بأحرف من ذهب بفوزه بأوّل لقب للبطولة الوطنية، وهو اللّقب الذي أدخل البهجة والفرحة إلى قلوب وأنصار الاتحاد في مختلف أحياء العاصمة، بل حتى خارجها، وكان بالنّسبة لهؤلاء عيدا آخر بعد عيد الاستلال، حيث ظلّوا يجوبون أهمّ شوارع العاصمة لعدّة أيّام. ولمحبّي الاتحاد إليهم التشكيلة التي توّجت بأوّل بطولة وطنية، ويتعلّق الأمر بالأسماء التالية: العقبي، مدني، عفطوش، جمعة، صالح، كريمو، ابن تيفور ومزياني .. المدرب: بلامين. ليالي لم ينم فيها أنصار الاتحاد فور تتويج اتحاد العاصمة بأوّل لقب وطني في تاريخ الجزائر المستقلّة، خرج الآلاف من أنصار الفريق إلى أهمّ شوارع الجزائر العاصمة، خاصّة تلك الواقعة في معاقل الفريق ك (سوسطارة)، باب الوادي وباب الجديد وغيرها من الحياء العتيقة، وراحوا يحتفلون بطريقتهم الخاصّة بالإنجاز التاريخي. إنجاز أبكى أنصار الفريق، كيف لا وقد جاء قبل أقلّ من 45 يوما من احتفال الجزائريين بالذّكرى الأولى للاستقلال، فكانت الاحتفالات فعلا أكثر من رائعة، وما يزال من عايشوا تلك الأفراح يتذكّرونها إلى حد الآن. فعلى سبيل المثال (عمّي أحمد) البالغ من العمر حاليا 79 عاما، والمقيم حاليا في إحدى بلديات ولاية البليدة، حين سألناه عن تلك الأفراح راح يسرد لنا الكثير من الأحداث، أهمّها أنه لم ينم لثلاثة أيّام كاملة، وممّا قاله لنا أنه قام بخياطة راية كبيرة للفريق جاب بها أهمّ شوارع الجزائر العاصمة سيرا على الأقدام وتارة راكبا في إحدى الشاحنات. وحسب (عمّي حمد) فإن الشاحنات التي شاركت أفراح الجزائريين نشوة الاستقلال هي نفسها التي استعملت في التعبير عن أفراح الأنصار بحصول الاتحاد على أوّل لقب وطني. وما يزال (عمّي أحمد) يتذكّر الكثير من المباريات التي حضرها بملعب (عمر حمّادي) ببولوغين، منها على وجه الخصوص (الداربي) العاصمي بين الاتحاد والمولودية. تلكم باختصار حكاية تتويج أوّل فريق بلقب البطولة الوطنية بعد الاستقلال. تطالعون في الحلقة المقبلة: أهمّ محطّات البطولة الوطنية، أرقام وحقائق، أسماء لن تمحى من ذاكرة البطولة الوطنية، مدرّبون دخلوا التاريخ، كلّ هذا تجدونه في الحلقة المقبلة، وإلى ذلكم الحين دمتم في رعاية اللّه وحفظه.