تشعر وأنت في أي مدينة جزائرية كأنما هذا الشعب ينقصه الهزل والضحك وإن كانت خاصية فينا نحن الجزائريين فهذا ليس عيبا بل ميزة نتميز بها غير ميالين للضحك ولا للطرافة عكس المصريين أوالمغاربة أو حتى التونسيين. ونجد ما يضحك هذا لا يضحك الآخر، بيد أننا مشتاقون للضحك خاصة وأن الحياة وشقاءها تنسي العبد نفسه ونشوته في العيش. وإن سكولوجية الإنسان الجزائري ميالة للعصبية أكثر من غيرها عن بلدان الجوار وذلك على ما مر على هذا الإنسان من قسوة الاستعمار وخاصة المستعمر الفرنسي الذي تفنن في استعباده ودحره وطمس هويته. والضحك كما هو معلوم ظاهرة من الظواهر الإنسانية والفريدة شأنه شأن المنطق حتى أن الإنسان ليتحدد مفهوميا في الدراسات المنطقية بأنه حيوان ضاحك باعتبار أن الضحك خاصية إنسانية إلى جانب النطق. وفي الضحك يحاول الإنسان بالأصل إبداء مشاعر الفرح والحبور استجابة لمواقف معينة والتعبير عنها بواسطة حركات فيزولوجية بادية في مجمل الأعضاء، الوجه وعضلاته مثل حركة الشفاه مصحوبة بأصوات متقطعة. والضحك كما فهمه الفلاسفة والمفكرون والسيكولوجيون ظاهرة فيزولوجية ونفسية تتبين في عضلات الوجه والفم والعينين ويرافقها شعور بالتلقائية والارتياح، وقد يضحك الإنسان لأسباب متعددة فهو يضحك ببعض الثأثيرات الحسية الفيزيولوجية كالدغدغة أوبفعل بعض المخدرات مثل الغاز المضحك وهو الأكسيد الأزوتي فإذا استنشقه الإنسان غلب عليه الضحك وكذلك في بعض الأمراض الهيستيرية، ومن المعلوم أن في المعالجة والمداواة يعمد في بعض الأحيان إلى الإضحاك القصدي، إذ يستعمل منظفا للصدر وإدخال بعض الأدوية وإلى هذه الحقيقة انتبه الفلاسفة قديما فيما عرف الكثير منهم بأن الإنسان حيوان مضحك. نتساءل: لماذا يتميز الإنسان بهذه الخاصية لأننا في الغالب نضحك على الأشياء غير المألوفة كأن نضحك على رجل زيه خارج العادة أونضحك على امرأة عجوزتحاول الركض فتسقط وإلى غيرها من مقالب الحياة. وقد نضحك في بعض الحالات الكوميدية المثيرة للضحك وهي في نظر سانتيانا وهو فيلسوف أمريكي شهير يعتبر الضحك مجرد صدمة الدهشة، فالتلاعب بألفاظ يطرأ من موضع لا يعلمه وهو داخل أفكارنا ويمكن أن يتحول حدث مثيرٌ للرعب في الأحوات العادية إلى حدث مضحك شرط أن لايكون خطرا، وعلى العموم يكون الإنسان في موضع الضحوك عندما يكون هناك مفارقة وتناقض لهذا الأفلام الكارتونية الشهيرة توم وجيري لازلت تثيرنا كبارا وصغارا دون ملل في إعادة مشاهدتها مع ما فيها من مواقف قاسية وعنيفة. وفي بداية القرن العشرين تم الاعتراف بعلم النفس الضحك وقد أشار العلم النفساني الشهير سيغموند فرويد نفسه إلى فوائده، ويعد الضحك قبل كل شيء تمرينا عضليا وتقنية تنفسية بإضافة إلى أنه منشط نفسي ويعتبره علماء النفس مزيلاً للتسمم المعنوي والجسدي لأنه يساعد في التخلص من نوبات الاكتئاب ومن حالات القلق، ويفيد الضحك بمفعوله المرحي في تحسين القدرة الجنسية وإبطاء إيقاع النبض القلبي وخفض التوتر الشرياني، كما يساعد قي تخفيق الأرق، تلجأ عدد من المستشفيات إلى استقدام مهرجين لتسلية نزلاءهم الأطفال والترويح عن أنفسهم. والجزائري مع ما يشغله من أمور وتعقد الحياة الاجتماعية محتاج إلى الضحك، لذلك نلاحظ أن الشخص المسلي السلس عذب الحديث ترى جلساءه في أماكن عديدة سواء في المقاهي أوالأحياء الشعبية هو يتحدث والآخرون يستمعون إليه ويقهقهون مع أن غالبية أحاديثه مغامرات كاذبة وهذه الأحاديث الطريفة تجد في نفس المستمع رواقا للتنفس. والعائلات الجزائرية تقدس مائدة رمضان وتقدس الاجتماع العائلي وانساق في هذه القدسية المسلسلات الرمضانية الجزائرية خاصة الطريفة والمسلية ومقالب الكاميرا الخفية، لكننا لم نعد نلحظ ذلك اللهث وراءها من أجل مشاهدتها كما جرت العادة والعيب كل العيب بما ينتج في بعض الأحيان يثير النرفزة والتوتر. وحبذا لو أن رمضان القادم يكون الإنتاج الجزائري في مجال السمعي البصري يشد انتباهنا ويروح عنا.