تحولت بعض الأحياء في العاصمة إلى نقاط سوداء تعزف الكثير من العائلات المرور بها واجتيازها، بعد أن أصبحت تنبعث منها رائحة عفنة بفعل تحولها إلى شبه مراحيض حتى ولو كان هذا المكان في وسط المدينة، فهذا المنظر أصبح متكررا، حيث أصبحت بعض الأماكن وخاصة منها الحدائق والمواقف العمومية تثير اشمئزاز المواطنين الذين أصبحت أنفسهم تعاف الجلوس والمكوث في هذه الأماكن رغم حاجاتهم إليها. واجهتنا حقيقة مريرة خلال جولتنا الاستطلاعية لبعض الأحياء الشعبية وحتى الرئيسية بالعاصمة، وهذا للإطلاع على أثار حملة التنظيف والتطهير التي تشهدها مختلف بلديات العاصمة خلال الآونة الأخيرة على غرار باقي الولايات، تطبيقا لتعليمات رئيس الحكومة، فبالإضافة إلى النفايات المتراكمة، والتي جندت من أجلها مصالح الولاية آلاف الأعوان وكافة الإمكانيات والوسائل من أجل رفعها من الأحياء، إلا أن الأمر يبدو صعبا وطويلا بالنظر إلى حالة العاصمة، وهذا ما وقفنا عليه، فرغم أن بعض البلديات لجأت في وقت سابق إلى استبدال المراحيض القديمة التي كانت منتشرة بكثرة خاصة في فترة الةثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي والتي كانت على شكل مراحيض تحتوي على العديد من الغرف، إلا أنها كانت تفتقر إلى النظافة، كما أنها موجودة أمام الملأ لا يسترها إلا أنصاف أبواب، ثم هدم هذا النوع من المراحيض واستغل مكانها لإنشاء أشياء أخرى، ومع مرور الوقت أنشئت مراحيض على شكل غرفة واحدة مجهزة بمعدل واحد أو اثنان في بعض البلديات فقط، أما باقي المناطق فبقيت إلى غاية الساعة دون استفادة من هذه المراحيض العمومية بدعوى أنها لا تملك الإمكانيات اللازمة لذلك، وأنه أمر غير ضروري، في حين توجد العديد من الأولويات التي يطالب بها السكان، وبعضهم يمتنع بحجة الحفاظ على صحة المواطنين بدعوى أن هذا النوع من المراحيض يكون في أغلب الأحيان سببا مباشرا في نقل بعض الأمراض التناسيلة المعدية الخطيرة ما بين الأفراد خاصة من المتسولين والمشردين بما أن هذه المراحيض مفتوحة أمام الجميع، فكان لزاما الوقاية منها والتفكير بحلول أخرى، إلا أن هذا العزوف من السلطات المحلية كان سببا في تأزم الوضع واستفحاله من خلال فتح المجال أمام بعض الخواص الذين صنعوا من هذه الظاهرة تجارة تربحهم الكثير خاصة في وسط المدينة وبالقرب من الأسواق التي تكثر فيها الحركة، وتلقى هذه المراحيض المدارة من طرف الخواص إقبالا كبيرا لأن المواطنون لم يجدوا حلا آخر أمامهم، إلا أن مراحيض الخواص إضافة إلى بعض المراحيض العمومية التي قامت بانجازها بعض البلديات لا تكفي وتبقى قليلة جدا، بل بعض المناطق لا تحوي أبدا هذا النوع من الخدمات العمومية، لذا فان بعض المواطنين لا يخجلون من النزول من سياراتهم الفخمة وقضاء حاجاتهم أمام المارة في الطريق العام، وهذا المنظر مألوف جدا في الطرق السريعة وتحت الجسور والقناطر ودون خجل أو حياء بدعوى الحاجة وعدم وجود مكان آخر مخصص لذلك، فغاب الحياء والنظافة والحق العام بدعوى انعدام المراحيض العمومية في بعض المناطق.. ويتساءل البعض عن دور كل من وزارة البيئة والصحة في هذا المشهد المتكرر الذي أضفى صبغة سوداء على بعض المناطق في الجزائر، إن لم نقل أن كل بلدية أو حي في الجزائر يحمل ركنا خاصا في أحد الطرقات حُول بفعل فاعل إلى مكان لقضاء الحاجة على الملأ، متسببا في كارثة بيئية حقيقية، لذا فإن التدخل العاجل لكل من مصالح البيئة والصحة و حتى المجتمع المدني وباقي الناشطين في أوساط المجتمع، كالكشافة من أجل إعادة إحياء القيم الروحية وعدم التسبب في تلويث البيئة وانتشار الأمراض الناتجة عن الأوساخ والفضلات، بالإضافة إلى احتمال التسبب في أمراض وعقد نفسية خاصة لدى الأطفال حين يشاهدون هذه الأفعال على الطريق العام وليس من طرف مشردين أو متسولين بل من طرف أشخاص عاديين.. الغريب في الأمر أن حتى المراحيض الموجودة في بعض المستشفيات تشهد هي الأخرى حالة كارثية، فحتى بعض الأطباء لا يستعملونها بل قد يلجؤون إلى استعمال المراحيض العمومية بدل استعمال مراحيض المستشفى التي أغلبها تعرف تهدم أو تسرب في قنوات المياه أو انسداد في البالوعات، وكنا في موضوع سابق قد تطرقنا إلى حالة المراحيض المدرسية وما يعانيه التلاميذ في هذا الموضوع وحجم الخطر الذي يطاردهم، فهل سيستيقظ المعنيون من أجل منح المواطنين حقهم في النظافة وفي حسن الخدمة العمومية ولو في أقل شيء وهي المراحيض العمومية.