لا تزال العديد من الشوارع من عاصمة "الأوراس" باتنة، إلى جانب العديد من مدنها تفتقر لأحد أهم المرافق الضرورية ونعني في هذا المقام "المراحيض العمومية" التي قد لا نلاحظ أهميتها إلا عند الحاجة أليها، إذ يضطر البعض إلى قضاء حاجته أمام الملأ في الممرات والشوارع وهو ما يخلف نوعا من الإزعاج والإحراج للمارة فضلا عن خطر مثل هذه السلوكيات على الصحة العمومية من جهة وتشويه المنظر العام من جهة أخرى. هذا زيادة على ما يمكن أن ينجر عنه من انبعاث للروائح الكريهة التي تنبعث من مختلف الأماكن التي صارت ملجأ الكثيرين في ظل غيابها عبر مختلف الشوارع العامة، وهي المظاهر التي تثير اشمئزاز المارة، وتأرق يومياتهم. وتبعا لما سلف ذكره ارتأت "الأيام" أن تقوم بجولة ميدانية تستطلع من خلالها هذا النوع من المرافق العمومية، البداية كانت على طول الشوارع الممتدة من المقر المركزي لأمن ولاية باتنة وإلى غاية محطة "أذرار الهارة" لنقل المسافرين مرورا بساحة "أول ماي" ومن ثمة إلى حي "شيخي" بالمدينة وما جاورها. غياب شبه تام للمراحيض العمومية بعاصمة الولاية وانعدام كلي لها بالمدن الأخرى سعينا للعثور على مراحيض عمومية هنا وهناك غير أننا وعلى امتداد الطريق فلم نعثر إلا على ثلاثة مراحيض لا أكثر، ومنها المرحاض التابع لمسجد "ابن باديس" وهو يعرف إقبالا كبيرا عليه من الجنسين، ويعود ذلك إلى العوامل المناخية الباردة التي تميز الولاية، ما تجدر الإشارة إليه أنه وإن كانت بعض المراحيض مشهود لها بالنظافة، مثل تلك الموجودة بمحطة نقل المسافرين القديمة وأخرى تقع على مقربة من ساحة "أول ماي" بوسط المدينة، وهي الأخرى تعرف إقبالا كبيرا من المواطنين، وخلال جولة أخرى قادتنا إلى العديد من دوائر وبلديات الولاية باتنة اندهشنا لانعدام هذا المرفق العمومي بعيد المدن تأتي في مقدمتها "عين التوتة"، "بعريكة" وكذا "مروانة"، وهو ما جعل مواطنيها يعتادون بالضرورة على قضاء الحاجة في مراحيض المقاهي التي هم من زبائنها أو مراحيض المساجد التي أصبح دخولها مشروطا بالدفع. المراحيض ببلادنا مفقودة وهي إن وجدت فإنها بعيدة عن المستوى المطلوب.. !! إن غياب هذا المرفق الهام عبر مختلف الأحياء والمدن أثقل كاهل العديد من المواطنين خاصة منهم شريحة المرضى، الذين لا يقوون على التحكم في أنفسهم مدة طويلة، بل إنهم يضطرون إلى استعمال المراحيض عدة مرات في اليوم، غير أنهم في كل مرة لا يجدون في غير مراحيض المقاهي والمطاعم بُدًا لقضاء الحاجة، وقبل ذلك يشترط عليهم أولا دفع ثمن مشروب أو شيء آخر وإلا فإنه لن يسمح له بالدخول إلى المرحاض مجانا، وخلال جولتنا الاستطلاعية تقصينا آراء العديد من المواطنين حول هذه المتاعب التي يلاقونها كلما أرادوا قضاء حاجتهم خاصة كما سلف الذكر المرضى وكبار السن فضلا عن النساء اللواتي يكن في الشوارع، وفي هذا الصدد أفاد "مراد" وهو موظف إداري بالجامعة ل"الأيام" قائلا: "لقد بات هذا المشكل لصيقا بدول العالم الثالث فقط، فيما تعتبر الدول المتحضرة المراحيض العمومية من بين أبرز الضروريات، لذلك يلاحظ تواجدها في كافة المدن وعبر مختلف الأحياء والتجمعات السكنية، والأكثر من هذا كله أنها مجهزة بكافة المستلزمات، أما عندنا –يضيف- في الجزائر فهي مفقودة وإن كانت موجودة فهي بعيدة كل البعد عن المستوى المطلوب". التبول في مختلف زوايا الشوارع سلوك لابد من ردعه أما عن السيدة "رشيدة" وهي عاملة بإحدى المديريات بالولاية، فقد صرحت لنا أن الغياب لهذا النوع من المرافق شبه منعدم حتى لا نقول مفقودة أصلا، مضيفة في معرض حديثها أن النساء هن أكثر المتضررات جراء ذلك، وذلك بفعل الغياب الكلي على حد قولها للمراحيض العمومية الخاصة بالنساء، وفي مقابل هذا تشاهد وأنت تتجول بالشوارع بعض المظاهر التي يندى لها الجبين على اعتبار أنها بعيدة كل البعد عن الحشمة والحياء، فمظهر شخص يقضي حاجته في الأماكن الشاغرة وداخل العمارات والزوايا أمر مقرف للغاية، ومن ثمة فإن ما يحدث من "تجاوزات" لابد من ردع مرتكبيها حتى نحافظ على نظافة المحيط من جهة وفرض مبدأ وجوب الاحترام، ولا يتأتى ذلك إلا بتدخل الجهات المختصة، قد يعتبر البعض أنه أمر هين لكنه في الحقيقة خطوة لابد منها. قلة أو غياب هذا المرفق ليس مبررا لسلوكيات تخدش الحياء يرى العديد من المواطنين الذين حاولنا تقصي آرائهم ومواقفهم ول الموضوع قيد الطرح، أن قلة المراحيض العمومية ليس حجة كافية وشافية ليقدم شخص ما على التبول أمام مرأى من الناس، هناك حرمات لا يجب تجاوزها، ثم إن هذا الفعل لن يحمل إلى الضرر للمحيط على اعتبار أنه يساهم في تشويه المنظر العام، ناهيك عن الروائح الكريهة التي ستنبعث من تلك الأماكن بمجرد مرور وقت وجيز فقط، وفي هذا الصدد يقول "حمزة" العامل بإدى المؤسسات التربوية بمدينة "عين التوتة :"أنني أستنشق كل يوم عندما أعبر من أماكن اختصر فيها الطريق بروائح كريهة تصعقني وتثير اشمئزازي خاصة في الفترة الصباحية، ذلك أن الكثير من الأشخاص يقومون بالتبول دون مراعاة ما يسببوه من أضرار بما فيها الروائح الكريهة التي أضحت تزعج المارة كثيرا"، وأضاف قائلا :"صحيح أننا نعاني من قلة أو انعدام المراحيض العمومية في مختلف الأماكن التي تعرف ازدحاما وكثرة الحركة، إلا أن ذلك ليس بالدافع القوي الذي يشجعهم للقيام بهذا الفعل، وغياب المراحيض نقطة سلبية تحسب على الجهات الوصية وعليها أن تنتبه إلى ضرورة توفيرها حتى لا يضطر المواطن إلى البحث عن زوايا أو ممرات لقضاء حاجته، ثم إن توفرها معناه ضمان نظافة المحيط الحضري بالأحياء، الممرات والعمارات". المرحاض العمومي مسموح دخوله فقط ب"المعريفة" !! ورغم كل هذا فالمراحيض العمومية تعد أكثر من ضرورة بالشوارع، خاصة في تصور المرضى وكبار السن والأطفال، وغيابها يجعل هؤلاء في رحلة بحث شاقة، والأمر الذي لم نتوقعه هو استثمار أناس في هذه الحاجة وأولهم أصحاب الحمامات، حيث أخبرتنا عجوز مصابة بداء السكري بأنها اضطرت عدة مرات لدفع 30 دج لصاحبة حمام لأجل الدخول إلى المرحاض، وهذا حسبها لا يعني سوى شيء واحد هو انعدام الإنسانية لدى الكثير من الناس، أما بعض أصحاب المقاهي فيعمدون إلى غلق المراحيض بالمفتاح ولا يمنحونه لجميع الزبائن، وفي حالة ما إذا لم يعجبهم زبون ما يدّعون بأن قنوات الصرف مسدودة، في حين يفتحونه لآخرين، فهل "المعريفة" كما هو متداول لدى العامة أمر سائد حتى في مراحيضنا العمومية !!، هذا كما تلجأ النساء إلى العيادات الطبية لقضاء حاجاتهن ولكن بعد التظاهر بأنهن مريضات، وفي ذات السياق أخبرتنا كريمة" وهي طالبة جامعية بأنها اضطرت في إحدى المرات إلى الدخول لعيادة طبيب عام بوسط مدينة باتنة وانتظرت قرابة النصف ساعة في قاعة الانتظار بعدما سجلت اسمها ضمن قائمة المرضى وهذا فقط لتدخل المرحاض، وبمجرد خروجها منه غادرت المكان، ذلك أنك -تضيف- إذا لبت من الممرضات الدخول إلى حمام العيادة مباشرة فإنهن ستعارضن ذلك مقدمات حجج وذرائع واهية فقط حتى لا تقول لك مباشرة طلبك مرفوض، ومنها انسداد القنوات أو أنها تعليمات الطبيب أو ما شابه فيما تتجنب بعض النساء دخول المراحيض العمومية، لأن مداخلها أصبحت مكانا لتجمع الرجال. غياب ثقافة النظافة لدى المواطن السبب الرئيس في تردي المراحيض العمومية إن مراحيض الجامعات وكذا بعض المستشفيات وكذا المراحيض العمومية المتواجدة بمدينة باتنة تفتقر إلى أدنى شروط النظافة، حيث أننا وقفنا على المرحاض المتواجد بالجامعة المركزية بباتنة فوجدنا أنه يشهد حالة كارثية، بفعل اهترائه وقدمه، على جانب غياب النظافة به، وهو ما جعل الطلبة يمتنعون الدخول إليها تجنبا للإصابة بمرض ما، وإن كان المواطنون يتحملون جزءاً من المسؤولية في تدهور حالة المراحيض العمومية، وهذا لافتقارهم لثقافة النظافة، وكمثال عن ذلك نأخذ مراحيض المستشفى الجامعي التي تشهد هي الأخرى نوعا من الاهتراء والقدم وانبعاث للروائح الكريهة، والغريب في الأمر أن المقبل عليها يجد أن جدرانها تكسوها أرقام الهواتف وكذا أوصاف الشخص صاحب الرقم المدون، وكأنك تقرأ في صفحة تعارف، وقد أفاد مراد وهو المشرف على مرحاض بمحطة "أذرار الهارة" لنقل المسافرين أنه وقبل أن يفتحه يعمل على تنظيفه جيدا لحد اللمعان، لكن ما إن تمر ساعة واحدة حتى يتحول إلى حالة كارثية للأسف الشديد".