بقلم: الدكتور جيلالي بوبكر لا الأم ولا الأسرة ولا المدرسة ولا الشارع ولا مؤسسات المجتمع ذات الطابع التربوي استطاعت أن تقوم بواجباتها التربوية وتحفظ لمكارم الأخلاق وجودها ودورها في حياتنا، الأمر الذي جعل الأجيال منذ عقود من الزمن ضائعة تائهة طائشة في مهب رياح العصر كريشة لم يفلت أيّ منها من فساد الفكر والأخلاق، إما أن تعيش عالة في بلادها أو تتحول إلى قنابل في اتجاه الإرهاب أو تنتحر في البحار بحثا عن ملاذ في الغرب الأوربي الملفوف بأنياب العولمة المتوحشة أو تهاجر إلى ما وراء البحار لتُسهم في البناء الحضاري الغربي المعاصر وتدعم العولمة والنظام العالمي الجديد. في هذا الجو الأخلاقي الفاسد الذي لا كرامة ولا احترام فيه للإنسان ولا لمجهوداته وكفاءاته وهو مكرّم من الله أيّما تكريم ولا تقدير للعقل والعلم ومكارم الأخلاق وإنّما لسلطان الهوى والميل والشهوة والغريزة، لا نجد من بيده سلطة القرار يدافع عن القيّم الدينية أو المبادئ الأخلاقية، ولا نجد تقاليد في الفكر والسلوك تحترم العمل وتقدس الرغبة فيه وتتمسك بشروط النهوض والمدنية والتحضر وتقدّر القانون وعيا واستيعابا وامتثالا، وتصون إيمانا راسخا وتمسكا فيه عزيمة وإصرار بقيّم العدل والحق والحرية من جانب الأفراد والجماعات. أما مظاهر الفساد الأخلاقي وتداعياته في المجتمع فكثيرة جدا، وللأسف عمّت كافة قطاعات الحياة، فهي في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والتعليم والثقافية والفن والفكر والمؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها.. لم يسلم أيّ قطاع اجتماعي في بلاد العرب والمسلمين من التأزم الخلقي والأدبي والإنساني، سيطرة الأنانية والأثرة على الجميع والتهاب مشاعر الحقد والكراهية والبغضاء والغلّ في نفوس الناس تجاه بعضهم البعض، وفقدان الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم الثقة الشرط لاستقامة الدولة وأحوال الراعي والرعية، وسيطرة جميع الظواهر الخطيرة مثل الوصولية والتملق والرشوة والسرقة والنهب واغتصاب الأعراض وانتهاك الحرمات والاستبداد السياسي وانتشار الخمور أم الخبائث والمخدرات والاتجار بالأعراض وأعضاء جسم الإنسان وغيرها، فأصبح عالمنا العربي والإسلامي مضرب المثل في الإجرام والإرهاب والتخلّف والانحطاط، ومرتعا للمجرمين وللجريمة المنظمة وغير المنظمة من طرف أهله وأبنائه ومن قبل آخرين من مجتمعات أخرى، متهم في دينه وثقافته وتراثه وتاريخه، كرامته غير محفوظة وعرضه منتهك، فهو لم يستطع مواكبة الركب الحضاري العلمي والتكنولوجي، ولم يستطع أن يضمن الاكتفاء الذاتي لشروط حياة كريمة، ولم يستطع التمسك بقيّمه الدينية والأخلاقية التراثية، ماضيه ضائع وحاضره شريد ومستقبله مجهول.