بقلم: الدكتور جيلالي بوبكر يظهر من توصيف الأزمة الأخلاقية وعرض مظاهرها وتداعياتها أنّها أخطر الأزمات، لا الأزمة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو التربوية أو حتى الدينية في درجة خطورة الأزمة الأخلاقية، من دون أن ننسى تأثير كل أزمة من هذه الأزمات على الأخرى وتعميقها، وفي الوقت الذي لم ينتبه فيه البعض إلى خطورة الأزمة الأخلاقية ومدى الدور الذي تلعبه في إيجاد المشكلات وخلق الأزمات، ويردّ أزمة المجتمع العربي والإسلامي وتخلّفه إلى السياسة أو المجتمع أو الدين أو غيره، ويشير إشارة عابرة إلى تأثير الأخلاق، فهذا البعض لا يميّز بالدقة الكافية بين العلة والمعلول والسبب والنتيجة، فإذا كانت الأخلاق صفات روحية فكرية نظرية ميدانها الفكر والوجدان والشعور والنيّة والإرادة وعملية تطبيقية مادية مجالها الواقع والتطبيق العلمي والعملي والجسماني والسلوك الملموس الملاحظ، بعضها فاضل مستحسن محمود وبعضها مذموم قبيح مستهجن، فإنّ الفكر قد يكون فاضلا وقد يكون قبيحا، وفي الوقت ذاته الفعل الملموس هو فكر في الأصل والمبدأ قد يكون فاضلا وقد يكون قبيحا. وأيّ فعل في السياسة أو في التربية أو في الاجتماع أو في الاقتصاد أو في الثقافة أو في الدين أو حتى في الأخلاق فهو فكر مجسد في عمل مجلب للنفع أو الضرر محكوم عليه بالاستحسان أو الاستهجان، من هنا ترتبط كل قطاعات حياة الإنسان بالأخلاق في حركتها وفي نشاطاتها وفي نتائجها ارتباطا سببيا وحتميا، بحيث لا يمكن الحديث عن أي قطاع ما بأنه سلبي أو إيجابي من دون ربطه بالفكر الذي حرّكه والأنشطة التي جرت فيه إذا ما كانت مؤسسة على مكارم الأخلاق أو مبنية على الرذائل والمذمومات، فما بني على حسن الخلق من فكر وعمل في أي قطاع كان جاءت نتائجه محمودة وتداعياته طيبة ومظاهره مستحسنة أما ما تأسس على سوء الخلق من فكر أو سلوك في أيّة ناحية في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية الروحية والمادية جاءت آثاره وخيمة ومستهجنة، فالأصل في حسن الأفكار والأفعال أو قبحها وكذلك نتائجها أخلاقي لا هو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو تربوي أو غيره، فالأزمة الأم والأصل في مجتمعنا العربي الإسلامي المعاصر أخلاقية بالدرجة الأولى، وكل الأزمات والمشكلات المآسي في حياتنا سببها الأزمة الأخلاقية، إنّ الاستبداد السياسي وكل المشاكل السياسية والفساد الاجتماعي وجمع المشكلات الاجتماعية والضعف الفكري والثقافي والتدهور الاقتصادي وضعف التربية والتعليم والتكوين والانحراف الديني العقائدي والشرعي يعود إلى التخلّي عن مكارم الأخلاق وممارسة الرذيلة وسيطرتها على العقل والقلب والشعور والوجدان وفي الحياة عامة، فالغرب تسيطر عليه الرذيلة في حياة الأفراد الخاصة وطابع حضارته ماديا لكنّ شعوبه تمتلك من الأخلاق الفاضلة الكثير بمقدار أهّلها ويؤهلها لامتلاك شروط النهوض والتحضر والتطور، فهي شعوب تحترم نفسها وتقدّر الإنسان كقيمة للإنتاج فتكرّمه وتقدس العمل وشروط النجاح والتفوق وتحترم العلم والعلماء والإبداع والمبدعين وتُطبق القانون معيارها في ترتيب الناس في العمل الكفاءة العلمية والأخلاقية على عكس ما يجري في عالمنا العربي الإسلامي المعيار فيه للعلاقات الخاصة العائلية والطائفية والولاء لصاحب المال والجاه والسلطان، فإلى متى ننتبه إلى أصل أزمتنا القيمي الأخلاقي الأدبي ونتحلى فكرا وممارسة قلبا وقالبا بالخلق الفضيل فننعم بالخير العميم الذي نعم به من قال تعالى في حقّه: (وإنّك لعلى خلق عظيم). القلم: الآية 4. خاتمة يتضح ممّا سبق أنّ أزمتنا حقيقة وواقعا معقدة عميقة وخيوطها متشابكة تتفاقم يوما بعد يوم، تركت أثارا خطيرة على حياتنا عامة، إذ حوّلت مجتمعاتنا إلى مواطن للفساد والاستبداد والجريمة بمختلف أنواعها وإلى أسواق تجارة الرذائل والمنكرات في الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد وفي كل مناحي الحياة، ويرتبط وضعنا المتردي المأزوم بدوافع كثيرة بعضها ذاتي حالّ فينا وبعضها موضوعي حالّ في الظروف والتحديات المعاصرة، أمّا السبب الرئيس المسؤول عن أوضاعنا المزرية يتمثل في أخلاقنا التي لا ينسجم فيها القول مع الفعل والنظر مع العمل، أخلاق ذميمة مستهجنة تجعل أفعالنا قبيحة، ففساد الأخلاق في أفعالنا النظرية والعملية في حياتنا عامة هو المسؤول الأول عن فساد هذه الحياة، وكل المآسي التي تعانيها شعوبنا هي نتائج أزمة الأخلاق، ولا مناص من الاعتراف بأنّ الأمم المتقدمة المعاصرة رغم أزمتها المادية والأخلاقية فهي ذات أخلاق عالية في التعامل مع الإنسان والعقل والعلم والعمل باحترام وتقدير، وبالتالي فأيّة محاولة للتفكير في حلّ هذه الأزمة من دون الانطلاق من الأزمة الأخلاقية عبث ومضيعة للوقت.