يُعرف الإمام البخاري ب (إمام الأئمة) وصاحب أشهر كتب السنّة النبوية، وفقا لما أكّده عدد من علماء الدين، عاش حياته الطويلة لا يشغل همّه وباله سوى العمل على جمع الأحاديث النبوية الصحيحة، وفي سبيل هذا كان يتنقّل من بلد إلى آخر بحثا عن كلّ حديث صحيح. هو أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة البخاري، ولد في (بخارى) عام 194 ه، وهو من أصل فارسي حيث كان جدّه المغيرة مولى لليمان البخاري والي بخارى، فانتسب إليه بعد إسلامه. وقد نشأ الإمام البخاري يتيما وأخذ يحفظ الحديث وهو في العاشرة من عمره، ودفعه شغفه وحبّه للعلم إلى أن يتنقّل بين الأقطار الإسلامية بحثا عن شيوخ وعلماء يتلقّى عنهم العلم، فرحل إلى الشام ومصر والجزيرة والعراق وأقام في الحجاز ستّة أعوام ظلّ فيها يأخذ الحديث عن أصحابه حتى أنه تلقّى الحديث من نحو ألف شيخ، فكان لا يسمع بشيخ في الحديث إلاّ رحل إليه وسأل عنه وأخذ عنه علمه، وفي هذا قال عن نفسه مبيّنا رحلاته إلى الأقطار الإسلامية: (دخلت الشام ومصر والجزيرة مرّتين والبصرة أربع مرّات وأقمت في الحجاز ستّة أعوام ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع المحدّثين). شديد التقوى عُرف الإمام البخاري بأنه كان شديد الورع والتقوى، فكان لا يقول إلاّ خيرا ولا يتحدّث إلاّ بالصدق، وكان أيضا قليل الأكل ولا ينام من اللّيل إلاّ القليل منه، فكان يقوم من اللّيل ثمانية عشر مرّة أو أكثر يشعل المصباح ويتذكّر الأحاديث فيكتبها، ويدقّق البعض الآخر فيعلم عليه، فلم يكن له همٌّ سوى الحديث النبوي، كان مجتهدا في تحصيل العلم وتأليف الكتب فيه وجمع الأحاديث النبوية حتى بلغ عدد الأحاديث التي جمعها نحو ستمائة ألف حديث، وأشهر كتبه كان كتاب (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول اللّه وسننه وأيّامه)، وهو أشهر كتبه على الإطلاق. وقد اشتهر هذا الكتاب بأنه أصحُّ كتاب بعد كتاب اللّه سبحانه وتعالى، وبهذا الكتاب كان البخاري أوّل من جمع الأحاديث الصحيحة مجرّدة عن غيرها، لكنه لم يستوعب كلّ الصحيح، فقد ترك من الحديث الصحيح أكثر ممّا أثبته حتى لا يطول الكتاب، وبدأ تأليف هذا الكتاب في الحرم النبوي الشريف ولبث في تصنيفه ستّة عشر سنة وأتمّه في بخارى، وما كان يضع حديثا إلاّ بعد أن يغتسل ويصلّي ركعتين ويستخير اللّه في وضعه. إلى جانب كتاب (الصحيح) وضع الإمام البخاري العديد من الكتب والمؤلّفات الأخرى منها كتاب (التاريخ الكبير) الذي جمع فيه أسماء من روى عنهم الحديث من زمن الصحابة إلى زمنه، وبالاضافة إلى هذا له أيضا كتاب (التاريخ الأوسط) وكتاب (التاريخ الصغير) وكتاب (الأدب المفرد) وكتاب (الكنّى) وكتاب (الوحدان) وكتاب (الضعفاء). مواقفه الشهيرة ممّا يُروى عن البخاري أن علماء بغداد أرادوا اختبار حفظه وذكائه وإتقانه فجاء أصحاب الحديث بمائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة رجال، إلى كلّ رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا الاجتماع أن يلقوا هذه الأحاديث المقلوبة على البخاري، فلمّا اجتمعوا كلّهم مع حشد من النّاس انتدب إليه رجلٌ من العشرة فسأله عن حديث فقال: (لا أعرفه) فمازال يلقي عليه حديثا بعد آخر حتى فرغ من الرجال العشرة وحتى فرغوا من الأحاديث المائة المقلوبة، وهو لا يزيدهم على (لا أعرفه)، فاستغرب النّاس كيف لا يعرف الأحاديثَ كلَّها. ولمّا علم بأنهم فرغوا التفت إلى الأوّل منهم فقال: أمّا حديثك الأوّل فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا.. وهكذا إلى آخر الأحاديث المائة، فردّ كلّ متن إلى إسناده وكلّ إسناد إلى متنه، فأقرَّ له النّاس بالحفظ واعترفوا له بالفضل، ولعلّ هذا ما جعل الإمام الترمذي يقول عنه (لم أرَ بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أحدا أعلمَ من محمد بن إسماعيل). وإلى جانب هذا كلّه كان الإمام البخاري كثير الإحسان إلى الطلبة، رفيقا بهم، مهذّب العبارة حتى مع المخالفين له في الرأي. وبعد حياة حافلة بالعطاء والإخلاص في خدمة السنّة النبوية، توفي الإمام البخاري في ليلة السبت بعد صلاة العشاء وكانت ليلة عيد الفطر ودُفن يوم الفطر، وكان ذلك عام 256 ه، وقد دُفن في قرية (خرتنك) بالقرب من بخارى، وهي القرية التي وُلد فيها. * أشهر كتبه كان كتاب (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول اللّه وسننه وأيّامه)، وهو أشهر كتبه على الإطلاق، وقد اشتهر هذا الكتاب بأنه أصحُّ كتاب بعد كتاب اللّه سبحانه وتعالى. وبهذا الكتاب كان البخاري أوّل من جمع الأحاديث الصحيحة مجرّدة عن غيرها، لكنه لم يستوعب كلّ الصحيح، فقد ترك من الحديث الصحيح أكثر ممّا أثبته حتى لا يطول الكتاب، وبدأ تأليف هذا الكتاب في الحرم النبوي الشريف ولبث في تصنيفه ستّة عشر سنة وأتمّه في بخارى، وما كان يضع حديثا إلاّ بعد أن يغتسل ويصلّي ركعتين ويستخير اللّه في وضعه.