النشرية الخاصة التي أصدرتها مصالح الأحوال الجوية، والتي حذرت فيها من درجات حرارة غير مسبوقة أو على الأقل هي الأدنى منذ عشرين سنة، حيث قاربت العشرة تحت الصفر في المرتفعات الداخلية من البيض إلى قسنطينة جعلتنا نختار هذا التوقيت المستحيل لنخرج في دورية ثلجية صعبت فيها الحركة واستحالت أحيانا بحثا من المعذبين في الأرض المتجمدة. فإذا كان غالبية المشردين قد لجؤوا إلى مداخل العمارات والمساكن ووجدوا الأكلات الساخنة التي قدمت لهم من السكان، فإن المأساة كانت لدى المختلين عقليا حيث كان زوال السبت مختل عقلي ببلدية عين اسمارة بولاية قسنطينة يمشي عاريا إلا من خفيف الملبس وحافي القدمين على بساط ثلجي وفي درجة حرارة بلغت الصفر مئوية دون أن يجد من ينقذه من العقلاء. كما عاش المتشردون بولاية سطيف خلال 24 ساعة الفارطة أسوأ أيامهم نتيجة البرد الشديد الذي وصل صبيحة السبت، الى حدود 5 درجات تحت الصفر، حيث لاحظنا صبيحة أمس خلال جولتنا إلى وسط مدينة سطيف بعضهم يفترشون الكارتون فوق الأرض ويلتحفون السماء التي تُنزل الثلوج بكثافة، وذاك على مستوى الشارع المقابل لمعلم عين الفوارة، مشكلين طابورا واحدا ينتظرون التفاتة السلطات المحلية لانتشالهم من موجة البرد القارص الذي تعرفه الولاياتالشرقية عامة ومدينة سطيف خاصة. في الوقت الذي تكفلت فيه ولايات مجاورة بذات الفئة وأحصت كافة المتشردين من جميع الفئات العمرية من رجال ونساء وأطفال صغار، ووزعت أغطية وأفرشة عليهم وأدمجتهم في مؤسسات خيرية لتفادي حوادث مؤسفة عادة ما تحدث في أوساط فئات المتشردين فإن الأمر لم يكن منظما وشملا وغاب في يوم الثلج الكبير. وخلال حديثنا إلى بعض المتشردين اشتكوا من موجة البرد ومن برد القلوب أيضا التي اجتاحت الولاية بعد انخفاض درجات الحرارة وبلوغ كمية التساقطات للثلوج رقما قياسيا، كما اشتكوا من تأخر الجهات المسؤولة في مد يد العون إليهم، وتركتهم بشكل مباشر أو غير مباشر عرضة لتأثيرات البرد الشديد أمام المساجد والساحات العامة، وبمختلف الأزقة والأحياء والشوارع بمدينة عين الفوارة، ويقتات المشردون في الشوارع من صدقات بعض المحسنين أو بما تجوده عليهم بعض العائلات المجاورة للأماكن التي يفترشونها، ليبادر ذوو الإحسان بمساعدتهم بالقليل من النقود والوجبات المنزلية وبعض الأفرشة، منهم من يلتحفون بالأغطية الرثة المشكلة لطبقات من الأوساخ والروائح الكريهة، ومنهم من يرتدي ثيابا بالية تكاد تستر عوراتهم، الأمر الذي يجعل أجسادهم عرضة لمختلف الأمراض، خاصة أن أجسامهم نحيلة من سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية، ما يزيد من تدهور صحتهم. وبخصوص الأسباب التي أدت بالعديد من هؤلاء إلى المكوث في الشارع العام رغم الأخطار المحدقة بهم من كل جانب، أوضحت متشردة تبلغ من العمر حوالي 45 سنة التي كانت جالسة أمام مسجد العتيق رفقة ابنها لا يتعدى عمره 5 سنوات، والتي تبدوا أنها مثقفة جدا من خلال حديثها معنا حيث قالت، إن هذه الفئة لا تملك بديلا عن الشارع العام، لأنها ألفت حياة التشرد ويصعب عليها التكيف مع أي حياة أخرى طبيعية، كما أن الفقر والبطالة والتفكك الأسري، ساهم بشكل كبير في تعميق هذا الشرخ الحاصل بين الواقع والمأمول، إضافة إلى غياب برنامج إجتماعي يهم هذه الفئة وينقذها من الضياع، ويحفظها من الثأثيرات السلبية لأحوال الطقس المتقلبة على أوضاعهم الصحية والاجتماعية، ناهيك عن ضعف الحملات التي يقوم بها المسؤولون تجاه هذه الفئة من المجتمع، رافضة تعريفنا عن هويتها الحقيقة والدخول في تفاصيل حيثيات القضية التي أوصلتها الى الشارع.