تغرب الشمس مبكرا في العاصمة ومعها تغرب معظم النشاطات والحركة، فبداية من الساعة الخامسة والنصف تفرغ الشوارع، وتغلق المحلات، فلا أمان في شوارع يفرض قطاع الطرق سيطرتهم عليها في هذه الساعة. يتردد على ألسنة العاصميين في الفترة الأخيرة، شكاوى عديدة تتمحور حول النقص الفادح والخطير في وسائل النقل في أوقات مبكرة من المساء، بحيث يتعذر عليهم الوصول إلى بيوتهم، والأمر يزداد حدة في غياب الأمن وهذا هو السبب المباشر الذي يدفع الناقلين بالعاصمة إلى توقيف عملهم في وقت مبكر بمجرد غروب الشمس، وهذا ما يعرض المواطنين وخاصة منهم التلاميذ الذين يخرجون من مدارسهم في مثل هذا الوقت من كل مساء، لاحتمال الاعتداء والخطف من طرف بعض المنحرفين الذين يستغلون الظلام من أجل الانفراد بضحاياهم. وهذه المعاناة التي يواجهها سكان العاصمة كل فصل شتاء من خلال الانعدام التام لوسائل النقل والأمن في مختلف محطات النقل الحضري والشبه الحضري، هي نفس المشكل الذي يدفع أصحاب المحلات التجارية إلى غلق أبوابها في وقت مبكر، فهم يطالبون بدورهم بتوفير الأمن وحمايتهم من الوقوع تحت سيطرة قطاع الطرق والتعرض للاعتداء بهدف السرقة. فخلال جولة قصيرة عبر شوارع العاصمة وبداية من الساعة الخامسة و النصف مساء، تصادفك مظاهر غير عادية تبدو على ملامح المواطنين الساعين إلى الوصول إلى بيوتهم قبل حلول الظلام، فالكل يهرول غاضبا من الزحام الذي لا ينقطع في الطرقات، بحيث يعرقل سهولة حركتهم، واجهتنا حالة طوارئ أدهشتنا في محطات النقل، فمحطة بن عكنون مثلا، وجدنا فيها المواطنين يلفهم الغضب والتوتر خوفا من انعدام وسائل النقل، بحيث وجدناهم يتدافعون على الحافلات وكأننا في سنوات الثمانينات أين كانت وسائل النقل قليلة جدا بحيث غاب فيها النقل الخاص، فكانت أزمة النقل خلال هذه الفترة مثار نكت تداولت لسنوات بين الجزائريين، وهذا المظهر لم يتلاش رغم توفر مختلف وسائل النقل، من ميترو والترامواي، فالأزمة تجلت بوضوح خلال هذه الأيام بسبب حلول الظلام مبكرا وخلاء محطات النقل بسبب انعدام الأمن في معظمها.. لا أمان بعد السادسة إلا في شارع الأبيار وطنجة بالجزائر الوسطى وللإشارة فإن العاصمة لوحدها تسجل ما لا يقل عن 12 مليون مسافر يوميا، معظمهم يواجهون نفس الأزمة خلال وصولهم إلى العاصمة في أوقات توصف بالمتأخرة رغم أنها لم تتجاوز في بعض الأحيان السابعة مساء، فالعاصمة تقفل أبوابها وتوصدها في السادسة، فأغلب المواطنين في سباق مع الزمن من أجل الوصول إلى بيوتهم خوفا من الوقوع ضحية الاعتداء من طرف المنحرفين المنتشرين بين الأزقة الضيقة في العاصمة وحتى في الشوارع الرئيسية ومحطات النقل فكل شيء ممكن الوقوع في العاصمة بعد الساعة السادسة مساء.. والمشكل لا يعم العاصمة ككل فلقد وجدنا بعض الأحياء النشطة رغم حلول الليل أي عند السادسة مساء، فشارع الأبيار بأعالي العاصمة لا يخلو من الحركة رغم الظلام الحالك، والمطاعم والمقاهي مفتوحة أمام المواطنين وحتى المحلات التجارية، وهذا ما يجعل المواطنين يشعرون بالأمان، ويلجون هذه المحلات رغم الظلام، وغير بعيد عن الأبيار وبالجزائر الوسطى تحديدا وجدنا حي طنجة يعج بالحركة والمحلات كلها مشرعة الأبواب أمام الزبائن، وهذا يرجع إلى أن المنطقة تضم العديد من الفنادق والمطاعم، ولهذا فعي تعرف بالجزائر الوسطى على أنها أهم منطقة نشطة على طول العام. غياب الأمن يطارد المسافرين في محطات النقل وللإشارة فإن كل من محطة 2 ماي 1962 ومحطة تافورة للنقل الحضري والشبه الحضري تعتبران أكثر المحطات التي تكثر فيها الاعتداءات وكانت هذه السنة بمثابة نقطة سوداء من حيث عدد حالات الاعتداء في كلا المحطتين المتجاورتين والتي تفصل بينهما محطة نقل الطلبة، ورغم أن كل من محطة تافورة و2 ماي تشهدان إقبالا كبيرا من مختلف الفئات بما أنهما الوحيدتان في المنطقة من حيث قدرة الاستيعاب فيما يخص عدد خطوط النقل والحافلات، كما أن موقعهما لعب دورا هاما من ناحية الإقبال، إلا أنه بمجرد حلول آخر المساء والظلام المبكر الذي يغطي العاصمة في وقت مبكر جدا خلال هذه الأيام، ولأن هذه المحطات تخلو من الرقابة المكثفة من طرف أعوان الأمن فإن الاعتداءات أصبحت في الآونة الأخيرة شبه يومية، وحدث ولا حرج عن الاعتداءات والتحرشات المرتكبة على مستوى محطة المسمكة التي كانت بديلا عن محطة ساحة الشهداء والتي جمدت وحولت إلى استعمال آخر بعد اكتشاف المدينة الأثرية تحت المحطة القديمة وكانت النساء أكثر عرضة لهذه الأفعال، فلا تعد ولا تحصى حالات التحرشات التي تعرضت لها بعض الفتيات أثناء انتظارهن للحافلة التي تتأخر عن موعدها كالعادة خاصة في آخر المساء عند ازدحام الطريق، فتستغل بعض العناصر المنحرفة قلة الحركة في المحطة مع الظلام ونقص الإنارة العمومية مع بعد المحطة عن المناطق السكنية فيتربصون بضحيتهم وينفذون اعتداؤهم دون تدخل من احد.. وهذه الحالة من اللاأمن التي تشهدها محطات النقل الحضري والشبه الحضري بالعاصمة خلقت الذعر لدى المواطنين الذين لا حل أمامهم إلا استعمال هذه المحطات مع كل ما تحويه من أخطار فيما يخص تهور بعض السائقين في النقل الخاص أو فيما يتعلق بغياب الأمن خاصة في آخر المساء، فهل سيظل قطاع النقل في بلادنا سببا مباشرا في هلاك المواطنين بشتى الوسائل؟ وفي ذات السياق يشتكي سكان دالي إبراهيم وما جاورها من ازدياد حالات الاعتداء بهدف السرقة والتحرش، وهذا بموقف النقل الحضري المتواجد بالقرب من منطقة السوناكوم ما بين الشراقة ودالي إبراهيم، وقد تضاعفت عمليات الاعتداء على هؤلاء المواطنين خاصة في الفترة الأخيرة حينما نقل هذا الموقف من مكانه الأول والذي كان متواجدا بوسط دالي إبراهيم ملاصقا لإحدى الثكنات العسكرية المتواجدة بهذه المنطقة، وقد كان السكان في هذا الموقف في مأمن عن التعرض لهذه الاعتداءات، إلا أنه وبمجرد أن حوّل الموقف إلى مكان منعزل عن وسط المدينة وعن المناطق السكانية بمسافة كبيرة، إذ أقيم في مكان محاط فقط بالحشائش من كل ناحية، وبالتالي اغتنمت بعض العصابات المنحرفة خلو المكان من المراقبة وبعده عن المدينة من أجل الاستفراد بالمواطنين والاعتداء عليهم من أجل السرقة أو أشياء أخرى. المشكل أن المواطنين أحيانا لا يلاحظون وجود هؤلاء الأفراد الذين غالبا ما يختبئون خلف الحشائش الكثيفة التي تملأ المكان من أجل انتظار الفرصة المناسبة من أجل الانقضاض على ضحاياهم، والاعتداءات ترتكب في كل الأوقات، فالمكان خال تماما من المارة على طول ساعات اليوم إلا من بعض المواطنين الذين يضطرون إلى التوجه إلى الموقف من أجل انتظار حافلات النقل الحضري الخاصة أو العمومية، وهذه الأخيرة أي حافلات النقل العمومي قليلة جدا في هذه المنطقة، فالسكان واقعون ما بين فكي كماشة فمن جهة نقص النقل خاصة العمومي ومن جهة أخرى العصابات المنحرفة التي باتت متخصصة في عمليات الاعتداء في هذا الموقف، وهذا في غياب تام لمديرية النقل ومؤسسة تسيير النقل الحضري عن حماية المواطنين داخل المواقف والمحطات، بالإضافة إلى إقامة مواقف في أماكن منعزلة دون الأخذ بعين الاعتبار تأمين الأمن والحماية للمواطنين خاصة مع تضاعف حالات الاعتداء عليهم وهم داخل مواقف النقل وحتى المحطات. ويشتكي سكان حي النجاح بنفس المنطقة من المعاناة المستمرة التي تطبع يومياتهم جراء النقص الفادح في وسائل النقل، خاصة حافلات النقل الشبه الحضري التي تنشط في خطوط بوزريعة - بن عكنون والتي يظل ينتظرها السكان لفترة طويلة في الموقف، من أجل أن تقلهم إلى بن عكنون، وغالبا ما تصل إليه في حالة اكتظاظ شديدة خاصة في الصباح وفي آخر المساء. فلقد أعرب سكان حي النجاح، عن تذمرهم من هذه الحالة اليومية التي تطاردهم منذ سنوات طويلة دون أن تتدخل السلطات المعنية من أجل سد هذا النقص والتخفيف من معاناتهم، فرغم الشكاوى العديدة التي تقدم بها السكان إلى السلطات المعنية، إلا أن المشكل لا يزال ماثلا، والأسوأ هو فصل الصيف والشتاء أين يجبرون على الانتظار لفترة طويلة تحت حرارة عالية وأمطار غزيرة في ظل انعدام الواقيات. أما الناقلون الخواص، فيؤكدون توفر الحافلات لكن الازدحام الشديد في حركة المرور التي تطبع منطقة شوفالي هي السبب في تأخرهم للوصول إلى هذا الموقف، وبأنهم لا يمكثون طويلا في محطة الانطلاق من بوزريعة، فالمشكل حسبهم راجع إلى الضغط في شوفالي، وبالتالي فإن السلطات المختصة عليها تنظيم وضبط الحركة في هذا الموقع لتخفيف الضغط الذي أصبح كابوسا حقيقيا يطارد مستعملي هذه الطريق. السكان من جهتهم ينبهون إلى النقص الملحوظ في عدد الحافلات التي تنشط في هذه الخطوط، وبالتالي فإنه يسلتزم على مصالح مديرية التجارة دراسة هذا الإشكال ودعم هذا الخط بالمزيد من الحافلات.