في دروب الذاكرة ثمة الكثير من الأحداث والأمكنة والأشخاص تظل حاضرة ومتوهجة تغري بالعودة إليها بين حين وآخر، وربطها بحدث آني أو البناء عليها لقراءة مستقبل ما، وهي لحظات مفصلية في الحياة، فيشعر المرء أنّ ما يختزله في ذاكرته ليس ملكا له، لأنه يفجر فيك لحظة الاستعادة والبوح، فبين الأمس واليوم جنوب افريقيا المكان والبلد الحاضر بتضاريسه، بملاعبه، بجماهيره، جنوب إفريقيا: زياني وبوقرة وبلحاج والشيخ سعدان، جنوب إفريقيا لحظة انبعاث من تحت الرماد، جنوب افريقيا استعادة وحياة جديدة لكرة القدم الجزائرية، لقد كانت جنوب افريقيا فعلا لحظة مفصلية في تاريخ كرة القدم الجزائرية، لحظة انعتاق من زمن الخوف والانهيار والضياع الذي أسدل ستاره على كرة القدم الجزائرية، تلك اللحظات هي فوران غضب لبلد يتنفس الكرة، يعشق الكرة، فكانت الانطلاقة المتأنية والتي يغمرها العودة إلى الأصول، والرجوع إلى ما يجب أن نكون عليه وفيه، نتذكر المكان فيعز علينا لاعبين منحونا شرف زيارة هذا البلد من باب المونديال ونتذكر معهم المكان ونحن سكارى بنشوة الانتصار،.. فتذهب بنا الذكريات إلى كل ربوع الجزائر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، وما كدنا نصدق استيقاظنا حتى وقعنا في فخ الفرح المفرط، كعادتنا نحن الجزائريين، حين لا نعرف كيف نفرح، فنضيّع كل شيء، وحين نحزن ندمّر كل شيء، فسقطنا سقوط المترنح الذي فقد توازنه، أو مسّنا الغرور أو تراخينا أو انعطفنا عن مسارنا، وفشلنا في المرور إلى مونديال إفريقيا، فكانت لحظة اعتراف مع الذات لا بد من التغيير لا بد من التغيير، فهذه القلوب التي أعطت كثيرا بدأت تحترق ولم تعد قادرة على التنفس أكثر، فهواء الجزائر يمتلئ في القلوب بسرعة وصاحبه يحتاج إلى لحظة تأمل أو استراحة، فضخت دماء جديدة في ثوب جديد، تريد أن تظهر بمعالم جديدة لكسب رهان جديد، وكان نداء جنوب إفريقيا يعيد الذكرى، وصداه يرسل برقية إلى التعجيل بالتجديد ثم كان الترحيب، فمع جنوب إفريقيا موعدنا، ومعها معلقة آمالنا، وبها نستعيد ذكريات الأمس الجميل مهما كانت نقائصه، وخذلانه في بعض اللحظات، فجنوب إفريقيا اليوم ليس هي المعادلة الصعبة وليست هي حرف (س) المجهول، وليست هي الرقم الصعب، فجنوب إفريقيا اليوم هي أنظار لجماهير طموحها كبير وازداد أكثر، وآمانيها تتعلق بفريق متعطش وجوعان للبطولات، فزمن جنوب افريقيا الجديد: فغولي، وغلام، وبودبوز، وسوداني والكوتش وحيد هو زمن تجديد دماء المنتخب الوطني لا ليقف عند محطة جنوب افريقيا بل ليواصل مسيرة التغيير المتجددة وليعطي للكرة الجزائرية منعرجا لا ينتهي مثل ما انتهى زمن جنوب إفريقيا الأول، بل نريد أن تستمرّ هذه المحطات مع كل رهان كروي، فالعجز لا يمكن له أن يعود، والسقوط لا يمكن أن نعاوده فرحلة الفريق الوطني تبدأ من جنوب إفريقيا.. فسقوطنا لا يعني نهايتنا وفوزنا لا يعني وصولنا، وإنّما هي انطلاقة لا تعرف التوقف...لأنّنا مللنا من كثرة النهوض وكثرة التعثر، فلم تعد المسكنات تجدي نفعا، فالمصيبة التي لا تقتلني تجعلني أكثر قوة، فلتكن جنوب إفريقيا لحظة انبعاث حقيقية لفريقنا الوطني، حاضر وجاهز في كل الأوقات... * العضو "ابن الصحراء"