... حبيبتي كوني قوية، سأعود بعد أيام، هي أسابيع فقط ويجمعنا القدر من جديد، قدر الغياب المتواصل والسفر المضني صحبة حقيبة ملأتها الأوجاع، أمسح الدمع على وجنتيها وأضمها إلى صدري لأبعث فيها شيئا من الطمأنينة، أتحسس يداها أتلمس شعرها وأنظر في عينيها، حبيبتي إني مسافر لأعود إليك، اذكريني وصوني عهدي فإني أخشى على نفسي النسيان، أخشى أن تنطفئ شمعة حبنا بفعل الأيام، أخشى أن تجهض أحلامنا، حبيبتي هي الحياة تأخذ منا أكثر مما تعطي. تنهمر الدموع من عينيها أكثر، تختنق الكلمات على شفتيها يضطرب تنفسها ويهتز جسدها، تضمني ضمة أخيرة حبيبي امضي لا أقوى على المزيد، تنسل يدي من أناملها مودعة آخر لمسة حنان، أحمل حقيبتي وألقي النظرة الأخيرة، دمعة أكاد أخفيها وأشواق تأبى الفراق، خطوات مثقلة بالآلام تحملني غير راغبة في التقدم، أتوقف آخذ نفسا عميقا وأواصل السير، وسط أزقة ملأها الفراغ، أتحسس قلبي، أقلب في ذاكرتي، هل يكفي ما اصطحبت من دفئها، هل تبقى ابتسامتها كاملة حتى أعود، ألن تمحى ملامح وجهها بمرور الأيام، ألن يفارق صوتها سمعي وإن طال الغياب، هل ما أفعله الآن هو الصواب فأيام البعد والاحتراق لا تكاد تبقي شيئا من حبنا. مسافر أنا صحبة الأشواق، مغامر لا تستهويه الاكتشافات، مغترب دون جواز سفر دون طائرة ودون مطارات، أقطع أميالا لا تعد وأجوب صحراء لا حدود لها أقتفي آثار كثبان لا انتماء لها، تمضي ساعات وساعات، تشرق شمس وشمس حتى أبلغ المكان. أفتح حقيبتي ومن بين الآلام استل ألما، صورة حبيبتي، أصحبها لأقهر الوحدة أتمعنها لألقي آخر نظرة فبعد لحظات ستبدأ هواجسي، لما الفراق ولما قدري الغياب، مهاجر في وطني أتجرع آلام الاغتراب، أمامي حدود يكفي أن أعبرها لأطأ أرضا جديدة وألتقي كثبانا تهوى التنقل بين الضفتين، دون رخصة عبور ولا تنتظر إذنا من أحد، تملك قرارها ووحدها من يختار المكان، أعيد الصورة لأغلق أبواب الألم، أرسم صورتها أمامي، تبتسم لي بشيء من الحزن، ترمقني بكثير من الحيرة والأمل، تعدني بأن تكون قوية، بأن تحفظ حبنا، بأن ترعى أشواقنا. يرن الهاتف، حبيبي هل وصلت؟. نعم، الحمد لله. حبيبي أريد فقط أن أقول أحبك، اهتم لنفسك. ينقطع الخط ليصطحبني الغياب، أرافقه على مضض، يسكنني، يحاصرني، فأهرب حيث الأمل حيث نبع الحياة الزاهي حبيبتي. أتذكر كيف كان اللقاء، كيف أبحرنا في الهيام، كيف اتقدت أشواقنا، كيف تقاسمنا الهواء والمكان والزمان. أتذكر القسم والعهد بالوفاء وأن لا نفترق إلا بدنو الآجال، أن نقهر الصعاب ونحيا الحياة بروح واحدة. أتذكر وأتذكر.....إلا أني أعلنت الغياب. حبيبتي إن كانت تفصلنا مسافات، وتعاندنا أيام ولحظات، لا تسأليني عن الغياب ولا توقدي نيران الجراح، يكفيني لهيب الأشواق، ضعي صورتي جانبا، مزقي دفاتري ولنؤمن بحكم الأقدار.