قال الله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) آل عمران 92 قد يرى الإنسان ذا حاجةٍ وفقيراً فيرقُّ له، أو يبصر منظراً مؤلماً فيتعاطف معه، أو يتحرك نحوه تارة بالجهد والقول ومرة بالمال والمتاع، وقد يكون التعاطف بدوافع عديدة ولكن أعظم العواطف وأعمقها وأثبتها في النفس ما كان صادِراً عن الدين، ولهذا وجدنا القرآن الكريم يحث بصور شتى على العطف على الفقراء والمساكين والمحتاجين ودعانا إلى إزالة الكرب عن المكروبين، وجعل ذلك من أعظم أعمال الخير، التي تنال القبول عند الله ويفوز صاحبُها بالجزاء العاجل والآجل وهذه الآية الكريمة من الآيات التي تحث على الإنفاق والبذل والعطاء للمحتاجين وجاءت بصيغة متميزة (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). فالبر هو التوسع في فعل الخير، والبر يكون جزاءً للخير العميم الواسع، وذلك هو المفهوم الشامل للتوسع في الخير وشرائع الإسلام كلها تدور حول البر عطاءً وجزاءً. قال تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر...) البقرة 177. فمن أراد البر العاجل وهو الخير الواسع الصحيح، والآجل وهو الجنة، فيجب عليه أن يخترق الحاجز النفسي الطويل العريض الذي جُبلت عليه النفوس (وأحضرت الأنفس الشح)، (وأنه لحب الخير لشديد) العاديات 8. ويصل إلى الإنفاق طواعية واختياراً، من أفضل ما يملك وأحب ما يجد، ولا يخرج الرديء الرخيص، الذي لم يعدله به حاجة كما يفعل أغلب الخلق الآن من باب التخلص من القديم بالدرجة الأولى أكثر ما هو حب في الانفاق في سبيل الله، قال تعالى: (يا أيها الذين أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بأخذيه....) البقرة 267. والبر أفعال كثيرة تستند إلى هذا الأنفاق وهذه الكيفية وقد يكون قليلاً وقد يكون كثيراً، وقدره يعظم بكيفيته، وكميته وقد جاء في الحديث: (سبق درهم مائة ألف درهم) أخرجه النسائي والترمذي وغيرهم. وعلى هذا نجد آيات وأحاديث كثيرة تناولت ذكر البر وقد جاء في الحديث (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه) أخرجه مسلم. إن هذا الخطاب الرباني موجه للمؤمنين الذين استقرت في قلوبهم أركان الإيمان لتستثيرهم ويحركها فيندفعوا بقلوب راضية لإخراج النفائس وتقديمها ابتغاء وجه الله لمستحقيها من أهل الحاجات والذين أصابتهم الملمات، ولو طبق المسلمون هذه الآية خير تطبيق لما وُجد فيهم فقيرٌ أو محتاج. إن الإنفاق من أعظم طرق تزكية النفوس وتطهريها من الشح والبخل وقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم للمُنفق أن النفقات والصدقات هذه لا تنقص من المال شيئاً بل تزيده وتحفظه (ما نقصت صدقة من مال...) أخرجه مسلم وغيره.