ما أن تقترب من جوهرة الحدود سمرفأ العربي بن مهيديز أو سبورسيز حتى ترى بأم عينيك عشرات المغاربة يقفون في الطريق بالضفة الأخرى التي تعلوها الأعلام الحمراء ويصرخون ستحيا الجزائر.... تحيا الجزائر... وان تو ثري فيفا لا لجيري...ز. وقد يستنبط من تلك الحماسة أن الشعبين الذين تجمعهما المقومات والإحساس والمصير المشترك لا يمكن أن يفرقهما حاجز ولا واد ولا حتى سياج أو سور من حديد.. سقصر فرعونز أوسملك الرومز المرصع بالأحجار النادرة.. من سبلاج مادريدز في بني صاف إقتربنا قليلا من الطريق الرئيسي المؤدي إلى وهران وتلمسان والذي يتوسط المزارع، وما إن استقر بنا المطاف في محطة البنزين والتي تكاد تكون الوحيدة التي يقصدها كل متجه نحو الحدود، وإذا بالشاحنات من كل الأحجام والأوزان تأتي إليها، وفي هذه الأثناء ابتسم مرافقي أن تهريب البنزين في هذه المنطقة لم يعد بعد من خبر كان، فتلك الشاحنات يبحث أصحابها في كل مكان عن محطة بنزين ويضطرون أحيانا لقطع مسافات أطول قصد ملء الخزان سالرزيرفوارز والتموين، وكأنه يريد أن يوضح لي الأمر بالأدلة فما أن اقتربنا من مدينة مغنية حتى أشار لي بأصبعه إلى الفيلات المتناثرة وكانت إحداها أشبه بقصر سفرعونز أو سملك الرومز، مزينة ومرصعه بأحجار نادرة وتصاميم إسبانية. هذه الفيلا (حسب محدثي) يملكها رجل له باع في التجارة بالمنطقة. فتجارة البنزين والخام المغربي (الحشيش) تدر عليه أرباحا طائلة. اليتيل والتصاميم المغربية والإسبانية منتشرة هنا بكثرة، وحسب مرافقي، فالكثير من الجزائريين يستعينون بالعمال المغاربة في تصميم الفيلات والسكانات الخاصة. إقتربنا شيئا فشيئا من مدينة مغنية ومن جنبات الطريق يقف شبان وحتى أطفال دون ال15 سنة، كلهم يبيعون سلعا مختفلة وفواكه منها البرتقال الذي يأتينا من المغرب. - (أنا مغربي.. أقولها وأكررها.. تحيا الجزائر... تحيا الجزائر) ماهي إلا دقائق معدودة اقتربنا من سجوهرة الحدودز كما يحلو للبعض تسميتها أو بورسي (مرفأ العربي بن مهيدي)، وفي تلك الطريق ذات المنعرجات التي تحيط بها الصخور، تصطف السيارات من كل نوع. كنت أظن أن منظرا طبيعيا شد أنظار عشرات الجزائريين الذين نزلوا من سياراتهم وراحوا يستمتعون بجماله .. لكن الحال غير ذلك. ففي الضفة الأخرى لذلك الوادي الذي أسفل الطريق هناك عشرات الأشخاص أيضا يتبادلون التحية مع الجزائريين. نزلت من السيارة كما الناس ورحت أدقق النظر.. وفإذا بي أرى الأعلام المغربية تعلو الصخور.. إنهم مغاربة يتلهفون لرؤية كل ما هو جزائري.. وفي تلك اللحظات التفت إليّ شاب أسمر في الثلاثينات من العمر وخاطبني بصريح العبارة سأهلا أخي أنا مغربي أحب الجزائر..ز وصافحني ثاني موجها إلي نفس الخطاب أمام دهشة المحيطين بي سحب الجزائر يسير في دمي...ز. استنبطت من تلك الحماسة أن الشعبين الذين تجمعها المقومات والأحساس والمصير المشترك لا يمكن أن يفرقهما حاجز ولا واد ولا حتى سياج.. فقد رأيت بأم عيني مغاربة يتسللون عبر الوادي.. ويقتربون من الجزائريين لإلتقاط صور وتبادل الهدايا والتحيات. وفي الضفة الأخرى أين ترفرف الأعلام المغربية يصطف عشرات الأشخاص.. شباب وشيوخ.. وحتى النساء والعجائز .. كلهم يصرخون صرخات متتالية ستحيا الحزائر .. تحيا الجزائرز إنهم يحبون جزائر الشهداء.. جزائر ماجر وبلومي... وكلهم شوق لحمل الراية البيضاء والخضراء التي تتوسطها نجمة وهلال.. فحتى زغردة النساء لا تنقطع ومن حين لآخر يأتي شاب مغربي ثالث ورابع ليلتقط صور تذكارية مع الجزائريين ثم ينادي أهله سرددوا معي.. تحيا الجزائر.. تحيا الجزائر سوان تو ثري فيفا لا لاجيريز.. اقتربنا من المدينة الساحلية سسعيدةز لمسنا ترابها وتحدثت مع أهلها طويلا... وفي بوابتها البحرية، تحت مظلمة شمسية صنعتها الأنامل المغربية بشكل تقليدي وبإتقان منقطع النظير وتشعب الحديث مع تاجر مغربي ومساعديه فوجدتهم يتجاوبون معي في كل صغيرة وكبيرة.. ويتمنون الخير .. كل الخير للجزائر وأبنائها إنهم فرحون بملحمة أم درمان. وعرفت أنه لدى تأهل الفريق الوطني للمونديال هناك مغربي وافته المنية من شدة الفرحة تماما كما حدث عندنا.. وحتى شبيبة القبائل لها أنصارها في السعيدية وفي كل مكان بالمغرب، تبقى أغلى أمنية بالنسبة لهم هي فتح الحدود ومد جسور الحب والتعاون بين الشعبين الشقيقين. أمنية عبر عنها شيخ مغربي بابتسامة عريضة قبل أن يناولني هدية ممثلة في كيس سفول سودانيز وكأس شاي لم أذق مثله في رحلاتي. مرت ساعات وكأنها دقائق .. فعدت خطوات إلى الوراء (مرفأ العربي بن مهيدي ليلا). في مرفأ العربي بن مهيدي لا فرق بين الليل والنهار فالناس لا تنام، السوق المركزي مزدحم الكل يأتون إلى هذه المدينة الساحلية لإمضاء أحلى الأوقات وشراء أجمل الهدايا. وقد لا يتفاجأ الزائر إذا وجد كل أبواب الفنادق موصدة في وجهه إذا لم يحجز حجرة أو سريرا يقضي فيه ليلته مسبقا، علما أن سعر ليلة واحدة في نزل ساحلي بسيط لا تقل عن 4500 دج، وهو ما فتح شهية البعض لبناء سكنات فردية وتأجيرها طيلة أشهر الصيف. وفي المرسى أيضا هناك في الضفة المقابلة للشاطئ مخيم صيفي خاص يقصده الشباب وحتى العائلات وسعر الليلة في الخيمة 1800دج، قد يكون هذا المبلغ بسيط بالنظر للمتعة التي توفرها سبورسيز لزائرها، حين يجلس في الخيمة الكبرى التي أنشأها تاجر مغربي ويرتشف الشاي ممتعا سمعه بتلاطم أمواج البحر والموسيقى الهادئة.