بشار الأسد عشية "جنيف 2" همس دبلوماسي بالسيناريو اليمني في دمشق أثار تركيز وزير الخارجية السوري وليد المعلم بصورة حصرية في تصريحاته الأخيرة على نفي التوجّه إلى (جنيف 2) لغرض تسليم السلطة الكثير من التساؤلات، إذ بدا محوريا خلال الساعات القليلة الماضية التي أعقبت ترتيبات يبدو أنها بقيت (سرّية) أو في طي الكتمان بعد الاجتماعات المغلقة والمفتوحة لقمّة الثمانية. يمكن عند السعي لتحصيل إجابة مقنعة ملاحظة أن الترتيبات التي يشار إليها انتهت بحراك دبلوماسي وسياسي غير مسبوق في المنطقة. بعد قمّة الثمانية مباشرة غادر العاهل الأردني الملك عبد اللّه الثاني إلى بريطانيا وزار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المنطقة وتوقف في حديث صريح مع العاهل الأردني. كما تغيّرت بوصلة الوضع الميداني نسبيا في محيط مدينة حلب وفي مدينة صيدا اللّبنانية، كما اشتدت ضربات العمليات الانتحارية في عمق أحياء دمشق قبل أن يتوّج المشهد بالتصريح اللاّفت للوزير المعلم الذي كثف فيه من الحديث عن مسألتين، أوّلا عدم وجود خطة لتسليم السلطة حتى الآن على الأقل، وثانيا ضرورة توحّد دول الجوار تركيا والأردن ولبنان لأن الخطر سيطالها إذا تشكلت دولة خلافة إسلامية في سوريا. في الأثناء أبلغت السفارة الأمريكية في عمان تحديدا أن زيارة مقررة لوزير الخارجية جون كيري للمنطقة تأجّلت قليلا. والأوساط الدبلوماسية المقربة من سفارة واشنطن في عمان بدأت تتحدث عن ترابط الأزمة السورية بملف التسوية في القضية الفلسطينية، مع الإشارة أن عودة كيري للمنطقة ستتضمن إنفاذ خطّة متوافق عليها بالمجتمع الدولي في الشأن السوري. كلّ هذه التحركات توحي ضمنيا بأن (طبخة ما) تتجهز في المنطقة وأحد المصادر الدبلوماسية الغربية المطلعة جدا والمشاركة في التفاصيل كشف لمواقع إعلامية باختصار بأن (كبار العالم) وعشية (جنيف 2) يأملون بالتوصل إلى اتفاق تسوية في الملف السوري يستلهم السيناريو اليمني. عبارة السيناريو اليمني وردت على لسان السفير الأمريكي في عمان جون ستيوارت وهو يتواصل مع أحد المسئولين الأردنيين. والأدبيات التي اعتمدتها وطورتها الإدارة الأردنية تحديدا خلال الأسبوع الماضي تهمس بتسوية شاملة وتفصيلية تنتهي بآلية حكم ديمقراطي علماني في سوريا، بالتوازي مع رحيل متوقع للرئيس الأسد أو على الأقل العمل على تغيير تركيبة الحكم الحالية. يفسّر ذلك تصريح وزير الإعلام السوري الأخير بوجود استعداد -لأول مرّة- لتغييرات في بنية النّظام. ولاحقا إلحاح المعلم على أن المشاركة في جنيف لا تعني تسليم السلطة بقدر ما تعني تشكيل حكومة توافق وطني، ممّا يعني ضمنيا تنازل النظام الحالي عن بعض الصلاحيات. يعني ذلك عمليا أن دمشق تطور موقفها من احتمالات ما سينتج عن جنيف، خصوصا وأن روسيا منحت الحكومة الألمانية الفرصة للتواصل بدورها مع مؤسسة الجيش السوري. لكن من ثنايا الهمس الدبلوماسي الذي يكثف الحديث عن سيناريو يمني بمعنى تغيير بنية النظام باتّفاق شامل وأسقف زمنية تنتهي برحيل الأسد في عام 2014 ينطوي على إيحاءات تناولتها تقارير غربية وهي تتحدث عن سعي بعض الدول الغربية للبحث عن آلية لإنتاج (انقلاب) داخل النظام يحقق الأغراض. هنا حصريا يمكن ملاحظة الماكينة الرّوسية وهي تنصح عدّة أطراف بالعمل معها للحصول على نتائج انقلاب أبيض بدون انقلاب حقيقي وواقعي، وهو الأساس الذي يجعل موسكو فيما يبدو معنية بالسيناريو اليمني ممّا تطلّب منها الضغط على دمشق لحضور (جنيف 2). ويمكن ببساطة ملاحظة كيف دخلت مفردة (انقلاب) وإيحاءاتها للقاموس السياسي عبر رصد الاحتمالات التي وضعتها الحكومة الأردنية علنا، وعلى لسان رئيس الوزراء عبد اللّه النسور لتطوّرات متوقعة في مسألة اللاّجئين. هنا قال النسور علنا إن طبيعة الحراك الديمغرافي نحو الأردن تساهم في تحديدها طبيعة التغيير الذي قد يحصل. عند التفاصيل وضع النسور المحاذير التالية: حصول تغيير داخلي آمن في السلطة بمعنى انقلاب أو خلافه لن تحصل موجات هجرة مهلكة، لكن تمكّن الثورة المسلّحة من إسقاط النّظام ستؤدّي إلى هجرة من نوع مختلف مع انفجار ديمغرافي (يقصد الطوائف التي تساند النظام). هذه الحيثيات تؤشّر عمليا على أن لدى المؤسسة الأردنية باعتبارها معنية وحليفة للغرب بعض الأسطر المخفية عن تفكير العالم قبيل جنيف، فوسط ثنايا حديث النسور يمكن اشتمام رائحة الحديث عن سيناريوهات التغيير في سوريا بدون إسقاط النظام عسكريا، مما يقفز فعلا بالسيناريو اليمني كبديل محتمل عن العمل بالخفاء على انقلاب أو مجازفة العالم بحضور قوي في سوريا الجديدة للإسلاميين المتشدّدين. الشعور جماعي بأن السيناريو اليمني يمكن أن توافق عليه روسيا، ولا تعيقه إيران، لكن موازين القوى داخل النظام السوري حاليا تشير بإن العقبة الوحيدة التي يمكنها أن تعيق السيناريو اليمني لو حاول القوم تنفيذه هو الرئيس بشار الأسد نفسه، فالرجل يعلن كما قال محللون بأنه لن يغادر دمشق، وسيترشح لانتخابات 2014، ولو أخفق سيفتتح عيادته وسيتحول لطبيب عيون ممارس. مؤشّرات وخيوط متعددة في حال تربيطها معا يمكن التوصّل إلى قراءة استنتاجية بأن الدول الكبرى قد تصل لاتفاق تغيير النّظام السوري الحالي ورحيل الرئيس السوري بشار الأسد مع كل ضمانات الأمن الشخصي والعائلي والطائفي في نهاية عملية سياسية شاملة تطلبت فيما يبدو ميدانيا حصول الجانب الأمريكي على دعم وإسناد روسي خلفي قوامه التأكيد على عدم حسم معركة حلب تحديدا لصالح النظام لأن المعطيات ستتغير لو حصل ذلك.