أيمن الجندي أكتب هذه الكلمات وقد عرفت نبأ حبس مبارك ونجليه، لا أنكر أن الرهبة تملكتني وطغت على كل مشاعري الأخرى· كان ينبغي أن يسعدني أن تعود الأمور إلى نصابها، أن تُعصب عين العدالة من جديد· أن يشهد الكوكب الأرضي استقامة الميزان الذي لم يستقم إلا نادرا، مع الأنبياء والمصلحين والمخلصين· آه يا كوكبنا الأزرق المسكين! لماذا تلوح من الفضاء برّاقاً أخّاذاً مُدهش الجمال رغم المظالم التي ارتكبت على أرضك؟! لماذا تبدو أزرق اللون وأنت مخضبٌ بالدماء؟ لماذا تحققت فيك نبوءة الملائكة بكل دقة: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء"· لماذا أُزهقت فيك أرواح ملايين الضحايا لم يسمع أنينَهم إلا الله؟ لماذا تنام المدينة كل ليلة وعيون المظلومين لا تنام؟ لماذا تُوأد أحلام البسطاء في حياة كريمة؟ تدور ونحن ندور معك في انتظار ما لا يحدث أبدا: العدالة المفقودة· حبسُ مبارك وآل مبارك! واحدة من أندر اللحظات في التاريخ· العدالة الضائعة تعود من جديد· اليوم يستعيد الكوكب لونه الأزرق بعدما تخضب بالدماء· اليوم يتحقق قوله تعالى "إني أعلم ما لا تعلمون"· سبحانك ربنا، أنت تعلم ما لا نعلم، لأنك مُطلع على الماضي والحاضر والمستقبل، يتساوى عندك الواقع المشهود والغيب المحجوب· لذلك تعلم أن العدالة ستعود، مهما طال الظلم واستعلى الباطل وتبجح الطغيان· أما نحن، مخلوقاتك الضعيفة، مقصورة العلم، سريعة اليأس، قصيرة البقاء، فلا نملك إلا أن نتساءل كما تساءلت الملائكة "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء"؟ نسأل لأننا أسرى اللحظة، تفتننا القوة، وتأسرنا الزينة، وتسجد قلوبُنا للدنيا، وإن زعمنا أننا لا نسجد إلا لك· مبارك وآل مبارك في السجن! نحن أمام حادث جلل· رسالة من فوق سبع سموات أن: "وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون"· آية من الله أن يوم القيامة قادم، ووعد الله آت، وكل المذكور في القرآن صحيح· قالها ربنا - عز وجل- عن الآخرة: "خافضة رافعة" وها هي تتحقق الآن في الدنيا؛ خافضةُ للمستكبرين في الأرض، الذين ظنوا أن الدنيا دانت لهم، ونافقهم حتى شيوخُ الدين، خافضةٌ لأن المَلِك العَدْل أعلنها مُدوّية: "إني أعلم ما لا تعلمون"· الرهبة هو ما شعرت به، والخوف على نفسي وعليكم، جيلنا الذي شهد القيامة الصغرى في مصر، لم تعد له حجة أمام الله، لم يعد يستطيع أن يعتذر بالجهل والغفلة، فكل ما أنبأ به الله عن أحوال الظالمين تحقق أمام أعيننا المذهولة: ذلّهم، والأغلال في أعناقهم، تخاصمهم فيما بينهم، ورغبة كل واحد في أن ينجو بنفسه ولو افتداها بصديقه الحميم· فلنحذر ولنتعظ، فالموضوع أجلّ وأكبر وأعمق من مبارك، إنه الحياة نفسها وما بعد الحياة، إنه سر الخلق ذاته، الحوار الذي تم بين الله والملائكة يتحقق الآن بحذافيره، ويتحقق وعده الحق: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"·