هيمنت التجاذبات السياسية بين كتل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) على المشهد الليبي قبل وبعد التصويت على قانون انتخاب الجمعية التأسيسية المسماة (لجنة الستين) التي ستضع دستورا جديدا للبلاد، حيث صوت لهذا القانون 140 عضوا من أصل 200. وبعد تأجيل عدة مرات صوت المؤتمر الوطني العام الثلاثاء الماضي على قانون انتخاب اللجنة التي تضم 60 عضوا ينتخبون انتخابا مباشرا من الشعب لم يحدد موعده حتى الآن، ويتعين عليهم وضع الدستور في غضون 120 يوما. وتركز الخلاف حول بعض مواد القانون بين كتل تحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل، والأجنحة الإسلامية تحت قبة المؤتمر (عدالة وبناء والوفاء للشهداء) ومكونات المرأة والأمازيغ والطوارق والتبو. ووفق القانون فإن لكل من أقاليم ليبيا الثلاثة طرابلس (غرب) وبرقة (شرق) وفزان (جنوب) 20 عضوا من الستين، على غرار نموذج الحصص المتساوية الذي كان متبعا عند تشكيل لجنة وضع الدستور عند استقلال ليبيا إبان العهد الملكي عام 1951. وشكلت المادتين الخامسة والسادسة اللتين تحددان شكل النظام الانتخابي وعدد مقاعد المكونات السابقة مصدرا أساسيا للخلاف والتجاذبات التي عكستها تصريحات ممثلي عدد من الكتل. ففي مسألة الترشح للجنة الدستورية ترى كتلة (العدالة والبناء والوفاء للشهداء) أن الترشح الفردي هو الضمانة لتمثيل جميع الليبيين، في حين يرى تحالف القوى في القوائم (المفتوحة والمغلقة) سبيلا لإبعاد الجهوية والقبلية (الضيقة) عن ليبيا. ورغم سعي كتلة تحالف القوى الوطنية وصوت المرأة إلى الحصول على مقاعد أكثر، اعتمد المؤتمر مقترح العدالة والبناء، وخصص ستة مقاعد للمرأة من الستين، ومثلها للمكونات الثقافية بواقع مقعدين لكل من الأمازيغ والطوارق والتبو، رغم سعيها لاعتراف دستوري بحقها في تمثيل أكبر في اللجنة. وحتى الساعات الأخيرة قبيل التصويت ظلت كتلة (الرأي المستقل) ضد تمثيل المرأة في لجنة الدستور، لكن مصادر برلمانية أكدت تنازلها عن هذا الموقف حتى يمر القانون. ووصف النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام جمعة عتيقة -الذي استقال أول أمس لأسباب صحية- إقرار القانون بأنه (خطوة إيجابية)، لكنه أضاف أن التقاطعات الجهوية والحزبية والمناطقية تؤشر إلى رحلة غير سعيدة في طريق كتابة الليبيين لدستورهم. ورحبت البرلمانية عن كتلة العدالة والبناء هدى البناني بصدور القانون، لكنها رفضت الحديث عن أي صفقات سياسية سبقت إقراره، مؤكدة رغبة جميع الكتل في الوصول إلى هذه النتيجة. وردا على مطالب المكونات الثقافية والاجتماعية بتمثيل أكبر قالت إن اللجنة هي لصياغة الدستور وليست لتمثيل الشعب الليبي. وعبر عضو كتلة الوفاء للشهداء موسى عبد الله الزوي عن ارتياحه لصدور القانون (باعتباره إشارة إلى بداية صدور الدستور المرتقب) متهما المكونات الثقافية بأنها كانت تسعى ليس فقط إلى التمثيل الحقيقي، بل إلى اشتراط موافقتها على كل (كبيرة وصغيرة) أثناء العملية الدستورية. وأوضح أن الإعلان الدستوري الصادر في أوت من عام 2011 يضمن لها كافة حقوقها السياسية والاجتماعية. واعتبر القيادي في حزب الوطن جمال عاشور أن القانون (قطع الطريق على التلاعب بالرأي العام الليبي، كما جرى في انتخابات المؤتمر الوطني العام قبل عام). على الجانب الآخر، وصفت البرلمانية عن كتلة تحالف القوى الوطنية هاجر القائد القانون بأنه لا يرتقي إلى مستوى المرحلة الانتقالية بليبيا، معبرة عن رفضها لمنح المكونات الثقافية 12 مقعدا. وأضافت أن المكونات لا تبحث عن التمثيل بل التوافق، مرجحة (صراعا مريرا في المستقبل)، وأن يُسجل التاريخ على كتل العدالة والبناء والوفاء للشهداء تقسيم ليبيا إلى قبائل وعشائر ومناطق صغيرة بحجة إرضاء الجميع. بدوره قال حسين الأنصاري من منطقة أوباري إنهم شعروا بخذلان كبير، رافضا أن يكونوا (شهود زور) على هذا القانون الذي وصفه بأنه (معيب). كما قال شعبان بوستة من مدينة نالوت الأمازيغية إنهم باتوا خارج دستور الأغلبية من الآن. أما رئيس حزب (الليبيون الأحرار) عبد الفتاح البشتي فحذر من (تداعيات خطيرة) لاتخاذ المؤتمر الوطني العام مثل هذه القوانين والقرارات، فيما اتهم أستاذ القانون الدستوري في جامعة بنغازي عبد القادر قدورة من قال إنهم لا يريدون دستورا توافقيا (بالوقوف وراء استصدار القانون) مضيفا أنهم (يعتقدون أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة).