ظروف لائقة وشروط نظافة متوفرة عموما تعد مطاعم الرحمة عادة سنوية وصورة من صور التكافل الاجتماعي المقترنة بالشهر الفضيل، بحيث تتضافر الجهود من أجل إعانة العائلات المعوزة وإطعام عابري السبيل والفقراء بدءا بالجهود المبذولة من طرف وزارة التضامن والكشافة الإسلامية والهلال الأحمر وصولا إلى المحسنين الخواص الذين يفتحون أبوابهم لاستقبال جيوش من المحرومين وعابري السبيل، بحيث يسهر الكل على ضمان سير تلك العمليات التضامنية الحميدة بغية إدخال الفرحة على قلوب المحرومين والفقراء وتعويض حرمانهم من اللمة العائلية والدفء الأسري. ويجتاح تلك المطاعم المئات من المواطنين قبيل الإفطار للتمتع بوجبة صحية كاملة، وتتجند العديد من النسوة لتقديم الخدمات على مستوى المطاعم ويبتعدن عن أسرهن خلال كامل الشهر بعد أن يخترن تقديم تلك الخدمة الإنسانية بتحضير الوجبات إلى أناس لا يعرفونهن، إلا أن بذرة فعل الخير وشيم التكافل والتضامن التي تميز أفراد مجتمعنا تدفع هؤلاء النسوة لخدمة المعوزين وعابري السبيل الذين داهمهم الوقت ولم يسمح لهم بتناول وجبة الإفطار مع ذويهم بحكم السفر أو القدوم من ولاية بعيدة أو حتى العوز، ولا يدخرن جهدا في تقديم تلك الخدمات النبيلة مقابل مبالغ رمزية لا تضاهي الأجر الذي يكسبنه من إطعام المحتاجين. 170 وجبة يومية ببلدية المدنية دأبت بلدية المدنية بالعاصمة كعادتها على تنظيم مطعم للرحمة منذ سنوات خلت إذ تشهد العملية في كل عام تنظيما محكما بالنظر إلى الإقبال الكبير على المطعم المقام بالمركز الثقافي ذبيح شريف، بحيث يستقبل يوميا أكثر من 160 عابر سبيل لتناول وجبة الإفطار داخل المطعم على حسب ما أكدته ممثلة رئيسة البلدية السيدة بوكروشة عائشة مكلفة بالشؤون الاجتماعية والثقافية والرياضية على مستوى البلدية، إذ أوضحت أن المطعم كان نتاج ثلاثة أشهر من العمل المتواصل لتوفير كل الظروف من أجل إنجاح عملية الإطعام خلال الشهر الكريم بالتنسيق مع بنك البركة الذي دخلت البلدية معه في تجربتها الثالثة على التوالي، بحيث جلبت البلدية معدات الطبخ من أواني ومبردات خصوصا وأن شهر رمضان يطل علينا في موسم الحر، وفي سؤال لنا عن كيفية ضمان نظافة الوجبات بما تفرضه الكمية الكبيرة للأطباق ردت محدثتنا بالقول أن هناك طبيبة مشرفة على العملية تراقب العملية مرتين في اليوم في الفترة الصباحية وكذا المسائية، كما تترك عينات من الوجبات المحضرة لا يتم التخلص منها إلا بعد ثلاثة أيام تحسبا لأي طارئ أو تسمم غذائي. وعن عدد الوجبات المضمونة أوضحت محدثتنا أنها تصل إلى 170 وجبة يومية، وقالت إن التوافد هو كبير من طرف المواطنين، أما عن حصة العائلات المعوزة من تلك المطاعم فأجابت محدثتنا أن العائلات المعوزة على مستوى البلدية والتي يقدر عددها ب 492 عائلة ستستلم منحة مقدرة ب 4000 دينار نقدا في إطار قفة رمضان المخصصة للعائلات المعوزة، كما أكدت تواصل المطعم خلال كامل الشهر وإلى غاية اليوم الأخير من الشهر الفضيل. وفي السياق نفسه أوضح السيد مولاي عبد الوهاب مدير المركز الثقافي ذبيح شريف بصفته المشرف على مطعم الرحمة أن الأمور تمشي بصورة جيدة بتضافر جهود النسوة والشباب وكذا المتبرعين الذين لا يبخلون بأي جهد مادي لإنجاح عملية الإطعام، كما أن هناك مداومة للنواب بحيث يتكفل في كل مرة نائب من المجلس الشعبي البلدي بتناول وجبة الإفطار مع الصائمين على مستوى مطعم الرحمة لتكسير كل الحواجز، كما سيخصص يوم الأربعاء القادم لإفطار كل أعضاء المجلس الشعبي البلدي بما فيهم رئيسة البلدية بالمطعم لتبيين التضامن الفعلي مع هؤلاء المحرومين كجزء من هذا الوطن. 500 وجبة ببئر توتة عبر أربعة مطاعم للرحمة تعد منطقة بئر توتة من بين المناطق التي يفد إليها المواطنون من كل حدب وصوب على اعتبار أنها نقطة عبور إلى العاصمة من عدة ولايات، الأمر الذي جعل توفير مطاعم الرحمة حتمية لا مفر منها من أجل إطعام الفقراء وعابري السبيل من مسافرين إلى غيرهم من الفئات الأخرى، إذ أشرفت البلدية على فتح أربعة مطاعم تغطي 500 وجبة فأكثر، إلى جانب العائلات المعوزة التي لها نصيب من تلك الأطباق، إذ تشرف بعض المطاعم على منح الأطباق جاهزة لها ما أوضحه السيد حمداني لياس نائب رئيس بلدية بئر توتة الذي صرح أن البلدية تقف على قدم وساق من أجل إنجاح مطاعم الرحمة المفتوحة على مستواها والتي كانت من توقيع بعض المحسنين بالمنطقة الذين يستقبلون المئات من المعوزين والفقراء على مستوى مطاعمهم، وتسهر البلدية على سير الأمور بطريقة جيدة خصوصا من ناحية النظافة، إذ هناك طبيبة مشرفة تزور تلك المطاعم بصفة يومية للوقوف على ظروف النظافة، وفي خرجة ميدانية برفقة نائب رئيس البلدية عبر مطاعم الرحمة بذات البلدية وقفنا على الصورة الحية للتضامن وتوفير كافة الظروف والإمكانيات لاستقبال الفقراء على أحسن ما يرام ما وضحه لنا شاب من مطعم للرحمة على مستوى البلدية والذي يضمن تقديم 100 وجبة يومية، إذ قال إنهم يستقبلون الوافدين إلى المطعم كل مساء قبيل الإفطار ويبذلون قصارى جهدهم لإرضائهم بتوفير وجبة غذائية كاملة لهم. وتجدر الإشارة أن انتشار مطاعم الرحمة غطى كل النقاط عبر العاصمة لتجسيد مظاهر التكافل والاتحاد، بحيث يضمن مطعم بشارع حسيبة بن بوعلي بالجزائر 70 وجبة كاملة وأغلب ضيوفه هم من الوافدين إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالنظر إلى قربه من المستشفى، إلى جانب مطعم القصبة الذي يوفر 80 وجبة بصفة يومية ويكون وافدوه من مختلف المناطق ومن داخل العاصمة وخارجها وكميزة خاصة انفرد بها ذات المطعم تتمثل في تقديمه لوجبة السحور للزائرين والمتمثلة في الكسكس المرفوق باللبن. نسوة يستغنين عن أسرهن ويتطوعن لفعل الخير من الصعب أن تفارق ربة البيت بيتها على اعتبار أنها العمود الفقري للأسرة لاسيما في أعز الشهور، لتختار العمل وفعل الخير لإطعام أناس غرباء عنها إلا أن من النسوة من تحدين كل الظروف وكافحن لأجل التوفيق بين وظائفهن المنزلية والعمل بمطاعم الرحمة لكسب الأجر والمساهمة في تلك الأفعال الخيرة، هن كثيرات تجمّعن بتلك المطاعم وظهرن كالعائلة الواحدة لخدمة الفقراء والمعوزين، التقيناهم بمطعم المدنية وفتحن لنا صدورهن ودوافع إقبالهن على ذلك العمل العظيم ومعاشرة الأفران في درجة حرارة بلغ مستواها في الخارج الأربعين درجة، وتزيديهن حرارة الأفران اكتواء، إلا أنهن عزمن على المشاركة في مطاعم الرحمة بالإشراف على عملية إعداد الأطباق كأقل شيء يقدمنه لتلك الفئات المحرومة لإدخال الفرحة على قلوبهم. اقتربنا من بعض هؤلاء النسوة المتطوعات اللواتي اختلفت أعمارهن منهن الآنسة والسيدة والعجوز التي اشتعل رأسها شيبا إلا أنهن اشتركن في هدف واحد وهو التكافل مع المحرومين في أفضل الشهور، منهم الحاجة عقيلة هي في العقد السادس إلا أن من يقترب منها يهيأ له أنه أمام آنسة في العشرين بالنظر إلى النشاط والحيوية التي ظهرت بهما وهي تحضر طبق الباذنجان، إذ قالت إن تجربتها في الطبخ في تلك المطاعم ليست وليدة اليوم بل تجربة دامت لأكثر من 23 سنة، بحيث تعيش المتطوعات لفعل الخير أجواء رائعة وهن يطبخن، تنسيهن حرارة الأفران ويجتهدن في تحضير أشهى الأطباق للصائمين، أما سيدة أخرى تبلغ من العمر 32 عاما ربة بيت وأم لطفلين وجدناها منهمكة في تحضير الخبز في الفرن أو خبز الكوشة كما يقال، قالت إنها أول مشاركة لها في مطعم الرحمة، وعن التوفيق بين واجباتها الأسرية والطبخ في المطعم قالت إنها استطاعت في أول تجربة التوفيق بين هذا وذاك على الرغم من مرض زوجها طريح الفراش، إذ تعد أطباق أسرتها في الصباح الباكر وتطهوها في المساء، وعن الخبز الذي كانت تحضره قالت إنها عكفت بعد الاتفاق مع زميلاتها على إعداد ذلك الخبز للصائمين لخلق نفس الأجواء التي تعيشها الأسر. عجوز أخرى تجاوزت العقد السابع بخمس سنوات تمتلك تجربة 13 سنة في مطاعم الرحمة وقالت إن كل شيء متوفر على مستوى المطعم وبالنظر إلى سنها تشرف على طبخ الأطباق بنفسها بمساعدة أخريات، ويقمن يوميا بطبخ طبق الشربة بمعدل قدرين كبيرين أما الطبق الثاني فيطبخن ثلاثة قدور منه، إضافة إلى السلطات المتنوعة وكل ذلك لخلق الأجواء الرمضانية نفسها التي تعيشها الأسر في رمضان.