(من الأجداد إلى الأحفاد) فيلم فلسطيني وثائقي يربط بين ماضي صحراء النقب وحاضر يواجه فيه أصحابه مخاطر نكبة جديدة. الفيلم الذي يعتمد مقدمة روائية سرعان ما يتحول لوثائقي فيقدم رواية النقب الممتد على ثلثي مساحة فلسطين التاريخية وفيه نجا من التهجير خلال نكبة 1948 نحو 12 ألف نسمة باتوا اليوم 170 ألف نسمة. ويقيم عرب النقب اليوم الذين يتناولهم الفيلم في مدينة رهط وسبع قرى وفي 45 قرية لا تعترف إسرائيل بها، يعيش سكانها بلا خطوط ماء وكهرباء ويواجهون مخططات تهجير جديدة. ويبدأ الفيلم الوثائقي بلقاء مجموعة من الشباب يجلسون في دائرة ويتحادثون في أسئلة تؤرقهم عن هويتهم، وماضيهم ومستقبلهم ويشارك فيه 11 شابا وشابة من النقب. خلال ذلك يسأل أحد هؤلاء الشباب عن موضوع هويتهم منذ نكبة 1948 في ظل الجنسية الإسرائيلية فيتدخل زميله مشيرا إلى أنه مسكون بنفس السؤال. ويتدخل شاب ثالث مؤكدا أن (من لا ماضي له لا مستقبل له) فيسأل زميل رابع: أين هو هذا الماضي؟ كيف يمكننا الاطلاع عليه؟ الشابة التي تتحدث أخيرا ضمن المجموعة تقترح بالعودة بهذا السؤال للأجداد وعندئذ ينطلق الشباب بهمة عالية نحو روايات الكبار. ويستدل من ذلك أن الشباب قد ملكوا مهارة تسجيل الروايات الشفوية وفقا للمعايير المعمول بها. الفيلم الذي يظهر مشاهد صحراوية خلابة يتتبع خط التماس بين الأجداد والأحفاد، بين الأصالة والحداثة من خلال مقابلات تتحاشى الطريقة المبسطة على شكل سؤال وجواب. وتترابط شهادات الأجداد والأحفاد بلباقة وانسجام فتكمل المداخلة الواحدة الأخرى وتتكامل في لوحة روائية تشكّل وثيقة تاريخية تروي ماضي وحاضر النقب وتعكس اشتعال حنين المهجرين في وطنهم لمسقط الرأس. وتم ذلك رغم صغر سن الشباب الذين يجرون المقابلات مع الشيوخ، وهذا بفضل تدريبات على التصوير والمقابلات وجمع الروايات الشفوية تحت إشراف الصحفي والمصور أحمد أبو صويص. ويبين أبو صويص أن الفيلم الذي يبدأ بفقرة درامية قصيرة يعتمد على سيناريو مستوحى من الواقع، لكنه بمجمله وثائقي كما خطط له ويتابع (يعبّر الفيلم عن واقع النقب تحت الاحتلال الإسرائيلي بشكل أفضل من ألف محاضرة). ويستعيد بعض الشيوخ في الفيلم ملامح الحياة البدوية في صحراء فلسطين قبل نكبتها من خلال سرد روائي ووتيرة سريعة وعلى أنغام الناي والربابة. ويتوقف الفيلم عند قضية صمودهم في وجه الصهيونية منذ احتلال أرضهم وشظف العيش فيبعث برسائل تقوم على فكرة التربية بالاقتداء. في واحدة من لقطاته يبيّن الشيخ عليان الصانع على سبيل المثال كيف واجه الآباء الظمأ والجوع بحفر الآبار وبزراعة الحبوب وبعض الخضراوات وبالجد والكد. ينتقل الفيلم من الماضي لتحديات الحاضر في ظل مشروع برافر الإسرائيلي القاضي بتهجير ثلاثين ألفا من بدو النقب وسلب مليون دونم بحجة أنها (أراضي دولة وبحجة الرغبة بتطويرهم من خلال تجميعهم). كما يبرز الفيلم بطريقة فنية وغير مباشرة التراث العربي البدوي ودور المرأة في مساندة الرجل بتدبير شؤون الحياة اليومية وغزل الصوف وتربية الماشية. عن ذلك تقول ليلى سيّد المشرفة على إخراج الفيلم إنهم خططوا فعلا له أن يبرز التراث الروحاني لحياة البدو خاصة قيم التكافل والكرم والكفاح، وتضيف (فالتراث ليس قهوة مرة وخيمة وخيولا فقط). وتوضح أن الفيلم (إنجاز شعبي) برعاية جمعية بلدنا الشبابية وبتعاون ودعم جمعية الحصاد ومديرها فارس أبو عبيد. وفعلا يختتم الفيلم برسالة من أحد الشيوخ مفادها (أننا في وطننا باقون ما بقي الزعتر والزيتون)، وأن (أصل الفتى ما قد حصل)، وسط دعوة للحفاظ على الأصالة والهوية والعمل الجماعي. كما استهل الفيلم فقد اختتم بنفس اللقطة، بلقاء مجموعة الشباب بشكل دائري لكن وقوفا هذه المرة بدلا من الجلوس فيما يكرّر أحدهم القول (من لا ماضي له لا مستقبل له).