حينما أنهى الرجل الستيني المصري طوافه بالبيت العتيق، واتجه صوب المسعى بين الصفا والمروة وقد بدت عليه علامات الإعياء والتعب، ما كان من شاب عشريني إلا أن تقدم نحوه بسرعة كبيرة، معدا له عربة ليقوم بالسعي به دون أي مقابل مادي. هذا الشاب ينتمي كغيره من زملائه الذين ينتشرون داخل الحرم المكي وخارجه، إلى برنامج (شباب مكة في خدمتك) التابع لمشروع تعظيم البلد الحرام. وهم يعملون على مدار 24 ساعة يومياً، في أنشطة عديدة، وبخاصة خدمتهم في (تطويف) و(تسعية) كبار السن والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة، بطاقة استيعابية من العربات التابعة لرئاسة شؤون الحرم المكي تزيد على خمسمائة عربة، حيث وصل عدد المستفيدين منه في العشر الأولى من رمضان قرابة ستة آلاف معتمر. مدير وحدة التطوير (ببرنامج شباب مكة في خدمتك) فهد الشريف أشار إلى أن البرنامج يستقبل سنوياً أكثر من ثلاثة آلاف طلب عن طريق الموقع الإلكتروني، وتم اختيار 1400 شاب منهم، مبيناً أن البرنامج يقوم بعملية فرز وإجراء مقابلات شخصية ومنح دورات متخصصة قبل الشروع في تقديم الخدمات لعمّار بيت الله الحرام. وأضاف أن البرنامج يعمل في تسعة مناشط رئيسية، وأن عدد المستفيدين منه بلغ أكثر من 290 ألف حتى الآن، متوقعاً تجاوز الرقم المليون مستفيد في نهاية رمضان الجاري. مدير برنامج شباب مكة في خدمتك خالد بن عبد الله الوافي، يقول عن أهداف ما يقومون به على صعيد خدمة الطائفين، موجزا إياها في نقطتين رئيستين: (تعزيز الأخوة الإيمانية في نفوس الشباب، وإعادة تأريخ الوفادة المكية كما كان عليه أهل مكة منذ القدم). وقال: (استطعنا بفضل الله ثم بالشراكات الفاعلة مع عدد من الجهات الرسمية على رأسها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام، تكوين قاعدة شبابية لتقديم الخدمات المجانية لضيوف الرحمن). جاءت فكرة البرنامج التطوعية كما يشير إلى ذلك القائمون عليه، قبل ثماني سنوات، عندما لاحظ أبناء العاصمة المقدسة، ما يواجهه الزوار والمعتمرون وخاصة كبار السن والمرضى من الصعوبة والمشقة في أداء مناسك العمرة من طواف وسعي، كونها تحتاج إلى مشي وحركة كثيرة. كما أن هناك برامج مساندة يقوم بها برنامج (شباب مكة في خدمتك)، وهي تشكل حزمة أعمال تطوعية داخل الحرم المكي وحدود ساحته الخارجية، كنشاط (التوعية بحق الطريق) الذي يشارك فيه مائة شاب يفسحون فيه الطريق لقاصدي المسجد الحرام منعا للتكدس والزحام، بالتعاون مع الجهات الأمنية لمكافحة الافتراش الذي يؤدي إلى عرقلة المارة. كما أن هناك مجموعة منهم يقومون بمساندة شرطة المرور في تنظيم حركة السير وترتيب سيارات المعتمرين وتهيئة المداخل والمخارج في المواقف المخصصة لها، وأخرى تخصصت في (إسعاف المصابين) داخل المسجد الحرام بالتعاون مع الهلال الأحمر السعودي، بعد تلقينهم دورات تدريبية مكثفة في ذلك. و(إرشاد التائهين) يمثل أحد الأنشطة الرئيسية في البرنامج، وبخاصة مع القادمين لأداء نسك العمرة من خارج المملكة، حيث يقومون بإيصاله إلى مقر سكنه، ويرشدون يوميا -بحسب الوافي- ألف معتمر وزائر، مستخدمين آلية البحث الإلكتروني لمساكن الحجاج والمعتمرين، ليسهل عليهم توصيل التائه في سرعة قياسية. ومن الأنشطة الخدمية التي لاقت استحسانا من قبل المعتمرين، ما يعرف بخدمات عربات الإحسان (الغولف)، والتي أطلقت العام الماضي، وجرى توسيعها العام الجاري، وهي تقلّ كبار السن والمرضى والعاجزين عن السير من نقاط حجز السيارات إلى أبواب المسجد الحرام. ومن الخدمات التي يقدمها البرنامج، توزيع أكثر من ستمائة ألف عبوة ماء زمزم (فئة ربع لتر)، وتوزيعها على سفر الإفطار بساحات المسجد الحرام.