يتساءل الكثير من موظفي عقود ما قبل التشغيل عن مآلهم بعد انتهاء مدة العقد الذي لهم الأحقية في تجديده لمرتين وتكون مدة ثلاث سنوات كأقصى مدة للعمل في المؤسسات الإدارية الخاصة والعمومية بحيث يعيش أصحاب العقود التي تشارف على الانتهاء في حالة لا يحسدون عليها خصوصا وانه مرت الأيام دون أن تجلب لهم الجديد وبقيت الوعود بترسيمهم مجرد كلام عابر لا أساس له من الصحة ناهيك عن المعاملة القاسية والاستغلال البشع كتصرفات سلبية يواجهونها ببعض المؤسسات والإدارات المستخدمة على الرغم من المجهودات التي يبذلونها ويقدمونها هناك بناء على مستواهم العلمي وخبرتهم المتطورة في مختلف المجالات. تلك المجهودات التي لا تعادلها حقوق ولا يحصلون في آخر الشهر إلا على "الفتات" على الرغم من تصنيفهم الإداري كإطار جامعي، ذلك اللقب الذي لم يمكنهم إلا من قبض أجرة زهيدة في آخر الشهر والاستفادة من منحة لا تتعدى 15الف دينار جزائري، وهناك من يعيل عائلات بذلك الأجر في ظل تدني المستوى المعيشي لبعض الأسر ويتساءل الكثيرون ممن انتهت عقودهم وكذلك لمن تشارف عقودهم على الانتهاء عن المصير المجهول الذي ينتظرهم بعد انتهاء مدة العقد والتوقف عن تسلم تلك المحنة الزهيدة التي على الرغم من قلتها إلا أنها كانت تفك غبن الكثير من المتعاقدين وفي الوقت الذي انتظروا فيه وحلموا بالترسيم والاستقرار الوظيفي تفاجئوا بالطرد بمجرد انتهاء عقودهم من المؤسسات المستخدمة مما جعلهم يندبون حظهم بحيث عادوا إلى البطالة من جديد وانعدام المدخول، خصوصا وان أحقية تجديد العقد تكون لثلاث سنوات بعد أن كانت في الماضي لمدة عامين،مما جعلهم يتخبطون في جملة من المشاكل النفسية والاجتماعية بالنظر إلى توترهم وقلقهم الزائد من فقدان الوظيفة المؤقتة حتى منهم من يخضع للعلاج النفسي بسبب درجة الاكتئاب الناجمة عن التخوف الزائد من العودة إلى البطالة. اقتربنا من بعض خريجي الجامعة العاملين وفق عقود ما قبل التشغيل ببعض المؤسسات العمومية والخاصة فسردوا لنا بعض ماسيهم التي ألفوها واحتملوها رغما عنهم طمعا في الانتصار في الأخير بالترسيم، إلا أن انهزام أقرانهم الواحد تلو الآخر وطردهم المباشر دون نقاش بعد انتهاء العقد نزع عنهم الأمل وأدخلهم في دوامة من المشاكل والتوترات النفسية المتكررة. منهم الآنسة "ع" حاصلة على شهادة الليسانس في الحقوق اختصاص محاماة قالت أنها اختارت الميدان الإداري وظفرت بوظيفة مؤقتة في إطار عقود ما قبل التشغيل في مؤسسة عمومية، وعلى الرغم من المجهودات التي تقدمها لم تكن تحظى بالمعاملة اللائقة فالكل يعمل على تحطيم معنوياتها هي وصديقاتها العاملات في نفس الإطار، بحيث تُملى عليهم نفس الواجبات المملاة على الموظفين الدائمين من حيث ساعات العمل وكذا المهام الملقاة على عاتقهم، إلا أنهم لا يساوونهم في اكتساب الحقوق من حيث الأجر والعلاوات بحيث يمسكون أجرا يأتي في ربع أجور العمال الآخرين من نفس الرتبة والتصنيف، وأردفت بالقول انه لم يتبق من مدة عقدها سوى شهر واحد وتتخوف من الطرد بعد انقضاء مدة العقد الذي لا تتجاوز ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد، وعن حالتها النفسية قالت أنها تتدهور كثيرا مع اقتراب انتهاء عقد التشغيل هزلت كثيرا وينتابها اليأس في الكثير من المرات مما اجبرها على التردد على عيادة للطب النفسي لمزاولة العلاج النفسي. أما ريمة التي كان لها تجربة في نفس الإطار إذ قالت أنها متحصله على شهادة ليسانس في العلوم التجارية وعملت بمؤسسة عمومية لمدة عامين قدمت فيها الكثير إلا أنها لم تستفد من الترسيم، كما لم تمنح لها الأحقية ومنحت لغيرها على الرغم من خبرتها في العمل وتم توظيف عمال جدد على أساس "المعريفة" لتطرد هي شر طردة بعد انتهاء العقد. مرض الاكتئاب الحاد يهدد فئاتهم لا ينفي الكثيرون أن الظروف الاجتماعية المزرية التي تتخبط فيها البلاد من بطالة وفقر وتدن ملحوظ للمستوى المعيشي الذي تعاني منه العديد من العائلات أدى إلى اكتساب الشباب للعديد من الأمراض المزمنة التي كانت مسجلة على كبار السن من عجائز وشيوخ على غرار السكري والضغط وأمراض المفاصل والروماتيزم كل تلك الأعراض جنوها من الأوضاع التي تتخبط فيها فئات واسعة من الشباب البطال ووصل بهم الأمر إلى حد الإصابة بأعراض نفسية نجد أن أشدها الاكتئاب والوصول إلى درجة القنوط وربما التفكير في الانتحار بالنظر إلى انعدام الاستقرار المادي و الاجتماعي الملغى في ابسط الأشياء، وعدم التمكن من الظفر بوظيفة قارة تضمن مجابهة مصاعب الحياة ولم تعد الشهادات الجامعية والوصول إلى درجات من العلم يشفع لفئة المتعلمين على الظفر بمنصب عمل يحفظ ماء الوجه ويضمن كرامة المرء ويولد الشعور بالاطمئنان والاستقرار النفسي والاجتماعي، وتعد الفئات المنتمية لعقود ما قبل التشغيل من أكثر الفئات عرضة إلى تلك العوارض خصوصا وان عائلات بأكملها تعيش من ذلك الدخل الزهيد الذي يهدده في كل مرة شبح الزوال المقرون بمدة العقد التي لا تتعدى ثلاث سنوات على الأكثر، مما ولد شعور النقص لدى هؤلاء وانقلبت تلك الأمور المزرية على نفسياتهم بعد أن عايشوا مظاهر البيروقراطية والاستغلال بأم أعينهم على مستوى المؤسسات فهم فئة تعاني من القهر والاستغلال على مستوى المؤسسات المستخدمة التي استقبلتهم في إطار عقود ما قبل التشغيل ويبقى عامل "المعريفة" العامل المحطّم الذي يفرض منطقه بعد مشاركتهم في العديد من المسابقات التي لم تخول لهم الترسيم على الرغم من خبرتهم في المجال. وكشفت دراسات وأبحاث أجريت في الميدان أن القلق من فقدان العمل قد يترك آثاراً سلبية علي صحة الفرد تعادل في خطورتها الأذى الذي تسببه أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم أو أضرار التدخين، وأكدت الدراسة أن تأثير القلق والخوف من البطالة أسوأ بكثير من فقدان الوظيفة فعلياً، وأن انعدام الأمن الوظيفي المزمن يسبب أذى يفوق ذلك الذي تسببه أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم أو أضرار التدخين وأن الإجهاد الناجم عن فقدان الأمن الوظيفي يمكن أن يكون مميتاً ويسبب حالات مرضية قد تقصر العمر، وقد تبين من هذه الدراسة أن الأفراد القلقين من فقدان مناصبهم تعرضوا لاضطرابات صحية ونفسية علي عكس زملائهم الذين لم يساورهم مثل هذه الهواجس والمخاوف ولفتت النظر إلى أن تأثير انعدام الأمن الوظيفي قد يكون أسوأ علي الصحة من البطالة وذلك بسبب عدة عوامل تلعب دوراً في هذا المجال مثل استمرار الغموض حول المستقبل والخشية من الفقر والبطالة.