كان الإمام الأبهري من أشهر علماء الفلك والرياضيات في القرن السابع الهجري، ومن أعظم العلماء الذين نجحوا في الربط بين حساب الحركات الفلكية والرياضيات وابتكار آلات الرصد الفلكية، وكان متكلماً فيلسوفاً ونابغة في الحكمة والمسائل الفلسفية والمنطقية. ولد الشيخ الإمام المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري السمرقندي في القرن السابع الهجري، ولُقب بأثير الدين، والأبهري نسبة إلى أبهر وهي مدينة فارسية قديمة بين قزوين وزنجان. ولم تذكر كتب التراجم تاريخ ميلاده تحديداً، وبدأ طريقه في طلب العلم بحفظ القرآن وتلقى دروسه الأولى في الفقه والأصول والكلام والحديث والعلوم العقلية على أشهر علماء عصره، وقرأ على الشيخ قطب الدين إبراهيم المصري و»الإشارات والتنبيهات« لابن سينا وغيرها، وأخذ عن الإمام أبي الفتح كمال الدين موسى الموصلي وقرأ عليه »المجسطي«، وعاش فترة يجوب البلاد الإسلامية، فدخل القاهرة وحلب ودمشق والموصل وبغداد وغيرها من حواضر العالم الإسلامي. وذكر من ترجموا له أنه عرف بالورع والفضل والحرص على الدين والتبحر في علوم المنطق والنبوغ في حل مشكلاته وتبحر في الفلسفة والفلك والرياضيات. الجوهر النضيد وكان الإمام الأبهري ذائع الصيت وتتلمذ على يديه طلاب كثر منهم الإمام القاضي شمس الدين أبو عبد الله الأصفهاني شارح المحصول، وأبو عبد الله زكريا القزويني صاحب عجائب المخلوقات وآثار البلاد، وقاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان صاحب وفيات الأعيان. واعتبره الإمام الحلي في كتابه »الجوهر النضيد« علامة عصره لاجتهاداته في باب العكوس في عكس السالبة الجزئية التي يتفق المنطقيون على أنه لا عكس لها. وقدم الإمام الأبهري نظريات مهمة زخرت بها مصنفاته لإثبات فرضية إقليدس الخامسة، وكانت حافزاً قوياً لوضع الهندسة اللاتقليدية التي تلعب دوراً كبيراً في دراسة الفضاء الطبيعي وتفسيرات النظرية النسبية وظلت نظرياته تدرَّس في جامعات الغرب لمئات السنين. وضع الإمام الأبهري عدداً من المؤلفات والمصنَّفات العلمية القيِّمة أشهرُها »هداية الحكمة في الطبيعة والحكمة والمنطق« وقال المستشرق كارلو نللينو عن هذا المصنف إن الأبهري في كتابه يبحث في حركة الكواكب والنجوم وطبيعة الأفلاك، وإن هذا الكتاب من الكتب المهمة في الفلك، والتي لا نستطيع دراسة تاريخ علم الفلك بدون ذكرها. وطبع في الشرق والغرب ووضع عليه الكثير من العلماء جملة من الشروح والحواشي منهم معين الدين الميذي، وكتاب »درايات الأفلاك« ما زال مخطوطاً حتى اليوم، و»الزيج الشامل«، ويعرف بالزيج الأثيري، كما صنف عدة رسائل في علم الأزياج الفلكية منها »الزيج المقنن«، و»الزيج الاختياري«، و»الزيج المخلص« وجميعها مخطوطة، وكتاب »المجسطي في الهيئة«، و»القول في حساب الحركات الفلكية«، و»غاية الإدراك في دراية الأفلاك«، »رسالة في علم الأسطرلاب«، وفى الرياضيات »الاحتساب في علم الحساب«، و»رسالة في بركار المقطوع« تأثر فيها برسالة شيخه كمال الدين بن يونس، و»إصلاح كتاب الهندسة لإقليدس«، و»تنزيل الأفكار في تعديل الأسرار في المنطق«، وضع فيه القوانين المنطقية والحكمية والردود العقلية على عدد كبير من المسائل والإشكاليات المنطقية، و»متن إيساغوجي في المنطق«، ونال استحسان العلماء واعتمدوه إقراءً وشرحا ونظما ولا يزال يحتفى به إلى اليوم، وطبع طبعات لا تحصى وعليه شروح متعددة منها شرح الشيخ عمر صالح القيسي، وشمس الدين الفناري الإسلامبولي، والعلامة خليل بن حسن المعروف بقرة خليل، ومن مصنفاته كتاب »تهذيب النكت« و»الإشارات«. ومن كتب الأبهري العامة الموسوعية التي تناولت الفنون الثلاثة المنطقيات والطبيعيات والإلهيات كتبه »كشف الحقائق في تحرير الدقائق في المنطق« و»تلخيص الحقائق« و»الطلائع«، وتوفي الشيخ أثير الدين الأبهري -رحمه الله- سنة 663 ه / 1264م. شهرة عظيمة برع الأبهري بالأزياج الفلكية، واهتم كذلك بحساب الحركات الفلكية رابطا بينها وبين الرياضيات، وكان صاحب شهرة عظيمة في علم آلات الرصد الفلكية وبخاصة الأسطرلاب، فقد كتب رسالة عنه ذكر فيها أنواعه وهدفه وطريقة عمله، وشغف بحب الرياضيات فصنف فيها، وله العديد من الرسائل في المنطق والجدل. ولعلمه الحاذق وثقافته الموسوعية وإنجازاته غير المسبوقة قربه الأمير محيي الدين محمد بن محمد بن سعيد بن ندى الصاحب الكبير بن الصاحب شمس الدين الجزري أمير دمشق الذي عرف بالفضل ومحبة العلماء والاحتفاء بهم وتقريبهم لمجلسه، وقد أهدى إليه الإمام الأبهري بعضاً من مصنفاته.