رغم أن هناك آراء علمية تثبت أنه كان من المستحيل رؤية هلال رمضان ليلة السبت، وأن ما ظهر في الأفق كان كوكب عطارد، حسب ما ذكر المهندس محمد شوكت عودة رئيس المشروع الإسلامي، فإن إحدى عشرة دولة عربية صامت رمضان باعتبار السبت أول أيامه، وهذا يطرح السؤال عن موقف ملايين المسلمين الذي صاموا يوم السبت، وماذا عما رأوا إن لم يكن هو هلال رمضان. مسعود صبري والحكم الشرعي في هذا أن على الناس أن تصوم بما ثبت عندهم أنه صحيح، ولو صاموا واحدا وثلاثين يوما، لأن صوم اليوم الأول كان خطأ فلا يحتسب، ولكنه جاء عن طريق الاجتهاد، فيرفع الحرج عمن اجتهد من الأمة. ودليل أن الناس تصوم مع من صحت رؤيتهم، وأنه لا شيء عليهم فيما أخطئوا، ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون". وبذلك أفتى فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي بصحة صيام من أخطأ في تحديد بداية رمضان وصام يوما من شعبان، فيقول: "الخطأ في مثل هذه الأمور مغتفر، فلو أخطأ الشاهد الذي شهد بأنه رأى هلال رمضان، أو شوال، وترتب عليه أن صام الناس يوما من شعبان أو أفطروا يوما من رمضان، فإن الله تعالى أهلٌ لأن يغفر لهم خطأهم، وقد علمهم أن يدعوا فيقولوا: {ربنا لا تُؤاخِذْنا إن نَسِينا أو أخطأنا} (البقرة: 286) حتى لو أخطئوا في هلال ذي الحجة، ووقفوا بعرفة يوم الثامن أو العاشر، في الواقع ونفس الأمر، فإن حجهم صحيح ومقبول، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره". وقد نقل الإمام ابن القيم - رحمه الله - عن أحد أئمة الحديث وهو الإمام الخطابي قوله: "إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، لا شيء عليهم من وزر أو عنت". التفسير العلمي لهلال السبت ولكن كيف نتحقق من خطأ رؤية هلال رمضان يوم الجمعة؟ المهندس محمد شوكت عودة رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة ينكر علميا أن يكون ميلاد هلال رمضان يوم السبت، ويرى أن "رؤية الهلال يوم الجمعة كانت مستحيلة من جميع دول العالم الإسلامي وذلك لغروب القمر قبل غروب الشمس في ذلك اليوم، فقد غاب القمر في مدينة مكة المكرمة يوم الجمعة قبل دقيقة من غروب الشمس وفي أبو ظبي قبل دقيقتين وفي عمّان قبل دقيقتين وفي القاهرة قبل دقيقة". ويذكر أنه ليست هناك دولة واحدة أعلنت رؤية الهلال يوم الجمعة إلا السعودية، وبالرجوع إلى وضع القمر يوم الجمعة في السعودية _ كما يقول المهندس شوكت - نجد أن القمر قد غاب قبل غروب الشمس في جميع مناطق السعودية، وهذا ما أكده جميع علماء الفلك في العالم، حتى السعوديون منهم، وأكدوا جميعهم على أن بداية شهر رمضان يجب أن تكون يوم الأحد باعتماد رؤية الهلال. ويفسر ما قد يكون رآه البعض في السعودية من رؤية الهلال أنه رأى جرما سماويا ليس هو الهلال، لأنه بعد غروب شمس الجمعة كان في السماء ثلاثة أجرام: المريخ وعطارد والمشتري، ومع أن واحدا من هذه الثلاثة لا يشبه القمر، وأقرب الكواكب التي يمكن أن تُرى عطارد بسبب قربه من الأفق بعد غروب الشمس. ودلل المهندس شوكت أن هذه ليست المرة الأولى التي تخطئ فيها رؤية العين المجردة، فقد صامت السعودية رمضان عام 1984 ثمانية وعشرين يوما، لأن أحد الشهود اعتقد كوكبي عطارد والزهرة قرني الهلال. وقد أورد الكاتب السعودي حمزة قبلان المزيني أن الهيئات العلمية أثبتت عدم إمكان رؤية الهلال يوم الجمعة، وذلك في مقال له بجريدة الوطن حيث أشار إلى أن "عددا من المتخصصين في علم الفلك وغيرهم ذهبوا إلى أن الهلال سيغرب - في أقطار العالم الإسلامي والعربي - قبل غروب الشمس بدقائق يوم التاسع والعشرين من شعبان هذا العام، وهو ما يعني استحالة أن يراه أحد". ومن الذين أوردوا هذه الحقيقة الحسابية - التي برهن حدوثها على صدقها - الشيخ عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء، في مقاله الذي نشرته الصحف السعودية في 9/7/1427ه، وأشرتُ إليه في مقال سابق. كما أوردها عدد من المتخصصين السعوديين والعرب والمسلمين وكثير من المراصد والهيئات العلمية في العالم، ومنها المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية المصرية الذي "أكد أن معظم عواصم الدول الإسلامية والعربية لن تتمكن من رؤية هلال شهر رمضان المبارك (في مساء التاسع والعشرين من شعبان). وأوضح المعهد في بيان له أن هلال شهر رمضان المبارك سيولد قبل غروب الشمس في معظم الدول بمدد صغيرة ويغرب بعد الغروب بدقائق بما لا يسمح برؤيته، مشيرا إلى أنه "سيغرب قبل الغروب بدقيقتين في المدينةالمنورة وبورسعيد وتونس ودمشق والقدس المحتلةوالرياض والكويت والمنامة والدوحة وقبل الغروب بثلاث دقائق في أنقرة و4 دقائق في طهران". بل العجيب في هذا أن الثلاثة الذين ادعوا أنهم رأوا الهلال قالوا: إنهم رأوا الهلال نصف دقيقة بعد غروب الشمس، بحوطة سدير بمنطقة الرياض بالسعودية، ومع كون اللجان العلمية الستة بالسعودية التي تتألف من قاض وعلماء فلك وآخرين لم يستطيعوا رؤية الهلال لا رؤية مجردة ولا بآلات فقد أعلنت المملكة الرؤية استنادا لرؤية أشخاص قد أخطئوا! وقد نقل الكاتب أن الشيخ ابن العثيمين _ رحمه الله _ رفض أن يُعتمد على شهادة من شهد برؤية الهلال في وقت ليس مظنة لوجوده فوق الأفق، ففي إجابة للشيخ ابن العثيمين لمدير مرصد الأهلة: "إذا كسفت الشمس بعد الغروب وادعى أحد رؤية القمر الهلال في بلد غابت الشمس فيه قبل كسوفها فإن دعواه هذه غير مقبولة للقطع بأن الهلال لا يرى في مثل هذه الحال فيكون المدعي متوهما إن كان ثقة وكاذبا إن لم يكن ثقة. وقد ذكر العلماء قاعدة مفيدة في هذا في أن من ادعى ما يكذب الحس لم تسمع دعواه" (نقلا عن الأستاذ خالد الزعاق، صحيفة الجزيرة، 27 شعبان 1427 ه). اعتراض واجتهاد بل يرى الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية أن السعودية خالفت ما اتفق عليه من قرارات بمؤتمر التقويم الهجري في جدة 1997. وصوب ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية، وقال: "ما تم في إعلان رؤية هلال شهر رمضان هذا العام في مصر هو المتفق عليه مع الرؤية العلمية القطعية والنواحي الشرعية، ومن هنا فإن اجتهاد الآخرين قد أخطأ". وكانت دار الإفتاء المصرية قد استطلعت رؤية هلال شهر رمضان بعد غروب شمس يوم الجمعةِ التاسعِ والعشرين من شعبانَ 1427 ه الموافق 22 من سبتمبر 2006 م وقد تحقق لديها من نتائج هذه الرؤية الشرعية والحسابات العلمية عدم ثبوتِ هلال شهر رمضان المبارك لعام 1427 ه. مثل هذا الخطأ يطرح قضية رؤية الهلال بالعين، ووجود مجرد شاهد واحد ليصوم برؤيته ملايين الناس، فهناك اجتهاد من الشيخ محسن العبيكان المستشار بوزارة العدل السعودية، يرى فيها اعتماد الاستطلاع العلمي وترك رؤية العين المجردة، حسب ما ذكر في جريدة "عرب نيوز " السعودية، وما قاله في التلفزيوني السعودي بالقناة الثانية. ويرى أن الأحاديث الواردة لا تنص على وجوب الرؤية المجردة، وأن الأخذ برؤية العين المجردة يعد أمرا بدائيا في عصر التطور العلمي والتكنولوجي، وليس بين الإسلام والعلم تناقض كما هو كان الشأن بين المسيحية والعلم في العصور الوسطى. ويذهب العبيكان لرفض الرؤية العينية، ويقول: "لم يعد منطقيا أن يتم تحديد بداية شهر رمضان من خلال هذا التقليد القديم القائم على إرسال رجلين إلى الصحراء لاستطلاع الهلال، وهو ما يترتب عليه أن يصوم ملايين المسلمين تبعا لتقييم هذه الرجلين وعلى مسئوليتهما الشخصية، في عصر بات فيه من الميسور رصد الهلال من خلال المناظير والأقمار الصناعية بلا أدنى هامش للخطأ". وحول فك الاشتباك بين الرؤية المجردة والحساب الفلكي يرى المهندس عودة _ في مقال له بعنوان "هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية"- أنه يجب فهم الحديث جيدا، وأن نحدد ما المقصود بالرؤية الواردة في الحديث، فلا يمكن اعتبار رؤية رجل واحد والعلم اليقيني يقول بعدم ميلاد الهلال، لأن الإنسان سيكون قد رأى شيئا آخر، وليس في ذلك مخالفة للحديث، كما أنه في الوقت ذاته لا يمكن قبول ما يطالب به بعض الفلكيين من اعتماد بدء الشهر بمجرد حدوث الاقتران (المحاق أو تولد الهلال) قبل غروب الشمس، وهذه مخالفة واضحة لأمر الله عز وجل الذي ربط مواقيت المسلمين بالهلال وليس بالمحاق (الاقتران أو تولد الهلال). والمخرج في هذا هو التوفيق بين الرؤية المجردة واعتماد الحسابات الفلكية.