جريمة التعدي على الأصول هي من بين العواصف التي باتت تهدد استقرار الأسر الجزائرية بعد أن اتخذت منحى خطيرا وهي جنحة معاقب عليها قانونا وتعد من الكبائر من الناحية الشرعية لقوله تعالى (وبالوالدين إحسانا) وتجسد عقوق الأبناء لأبويهم، ونجدها قد تفشت في مجتمعنا بشكل ملحوظ وللأسف بدليل العشرات من القضايا التي تعالجها المحاكم الجزائرية بصفة متكررة، وبات ذلك الصنف من الجرائم طابوها غزا مجتمعنا في السنوات الأخيرة على الرغم من تشديد المشرع العقاب في ذلك الجانب وتسليطه عقوبة مدتها من خمس إلى عشر سنوات في جرائم التعدي على الأصول إلا أن الظاهرة تستمر وللأسف. نسيمة خباجة وإن استكملت بعض القضايا مجرياتها بعد رفع دعاوى أمام المحاكم من طرف الأولياء وانتفاضهم ضد من اعتدوا عليهم وسببوا لهم ضررا جسديا كان كبيرا، وربما ضررا معنويا كان حجمه أكبر، فإنّ بعض القضايا الأخرى تبقى حبيسة جدران البيت ولا تخرج إلى العلن بدافع الرحمة بالأبناء أحيانا، ودرءا للفضيحة والعار والتخوف من ألسنة الناس التي لا ترحم أحيانا أخرى، بحيث أن الإحصائيات التي تصدر سنويا لا تعكس الأرقام الحقيقية وتبقى بعيدة عن الواقع بسبب عزوف الكثيرين عن رفع شكاوى ضد أبنائهم وتبقى جروحهم البليغة دفينة في أعماقهم رحمة بأبنائهم الذين تناسوا هم اللطف والرحمة بآبائهم وأمهاتهم على حد سواء، وسوّلت لهم نفوسهم التعدي عليهم وتتراوح الأسباب المتداولة بين الحاجة إلى المال والتدني الأخلاقي وحتى الإدمان على المشروبات الكحولية والخمر. عنف متكتم عليه على الرغم من الأحقية التي يمنحها القانون لكلا الوالدين بإيداع شكاوى عن أبنائهم العاقين على مستوى مراكز الأمن واتباعها بمتابعة قضائية قد تكبل حرية المعتدي على والديه لتحفيظه الدرس ويكون العقاب دنياويا في انتظار العقاب الأخروي لا محالة، إلا أن من الآباء والأمهات من يتجرعون مرارة العصيان من طرف أبنائهم وحتى تعرضهم إلى الضرب من طرفهم ونجدهم يتكتمون عن تلك الأمور خوفا من تطور الأحداث حتى منهم من تذهب إلى الصفح عن المعتدي أمام هيئة المحكمة كون أن الصفح يلغي العقوبة، ونتذكر في نفس السياق حادثة ذلك الابن العاق الذي اعتدى على أمه ودفعها بقوة وهي التي أجرت عملية جراحية معقدة مند فترة وجيزة فأودعت الأم والإخوة دعوى ضده، إلا أن حنان الأم كان أقوى بعد أن هددت ابنها عقوبة عامين حبسا نافذة أمام أعينها، وراحت الأم تذرف دموعا وتطلب من القاضية الإفراج عن ابنها كونها سامحته وعفت عنه ولا ترضى تقييد حريته وزجه بالسجن. أما عينة أخرى فهي لابن عاق صفع أمه وتهجم عليها بالشتائم، وقام بالاعتداء عليها بالضرب والشتم، بمجرد خلاف بسيط مع إخوته تطور إلى حد الاشتباك بالأيدي، قام على إثره بصفع أمه وشتمها بأبشع العبارات، عندما تدخلت لتهدئة الأوضاع، خاصة أنه لم يكن على وفاق معها قبل بداية النزاع، أين طلب منها مبلغا ماليا عجزت عن منحه وهي التي لا تجني سوى أجرة زهيدة من خدماتها كمنظفة لا تلبي كل حاجياتها، بالإضافة إلى أنها المتكفلة بمصاريف أبنائها الخمسة، وعلى الرغم من ذلك لم ترض فضحه وتحملت كل تلك الأمور شفقة به وخوفا من ألسنة الناس التي لا ترحم. التهديدات بالقتل تلاحقهن من بين الدوافع التي أدت إلى عزوف الأمهات عن رفع شكاوى، التهديدات التي تلاحقهن من طرف أبنائهن المعتدين والتي وصلت إلى حد التهديد بالقتل إن هن باشرن إجراءات رفع الدعاوى مما أدى بهن إلى صرف النظر عن الشكاوى خوفا من تطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، وينتهج أكثر ذلك النهج الأبناء المنحرفون الذين يتعاطون المخدرات ويطالبون في كل مرة أمهاتهن بتوفير المال لاقتناء تلك السموم، وفي حال رفض الأم أو عدم استطاعتها تلبية طلب الابن يكون مصيرها الضرب والشتم وحتى البصق والرشق بالآلات الحادة، كما أن قضايا الميراث صنعت الحدث في الخلافات الأسرية الواقعة بين الأبناء وأبويهم وأدت إلى انتشار مشاعر الكره والضغينة والحقد على الأمهات أو الآباء على حد سواء بسبب الوساوس التي تحوم بنفوس الأبناء حول التفريق بين الإخوة، الأمر الذي يؤدي بهم إلى رفع شعار العداوة ضد أقرب الناس إليهم ولعل أن قضايا القتل التي تلاحق الأمهات والآباء من طرف أبنائهم تعبر أصدق تعبير عن ما آل إليه الوضع في مجتمعنا آخرها كانت بانقضاض ابن على أمه بولاية غليزان، بحيث أرداها قتيلة بسبب تعاطيه المخدرات وطلبه المتكرر للمال منها وعندما رفضت زهق روحها بأبشع الطرق وألغى في لحظة معاني الرحمة والعطف والحنان من ابن نحو أمه. أمهات يتخوفن من لوم المجتمع ورغم الوقائع المريرة التي تكبدتها العديد من الأمهات من دون أن ننسى الآباء الذين ليسوا بمنأى عن الظاهرة، إلا أن نظرة المجتمع تبقى تلاحق بعض الأمهات اللائي وقفن الند للند مع أبنائهن وواجهنهن بتهم التعدي عليهن بالضرب أمام المحاكم، وتناسى البعض الجرم الشنيع الذي ارتكب في حق الأم الغالية التي يتزعزع لدمعتها عرش الرحمان، بحيث تبقى أصابع الاتهام موجهة للأم الشاكية بابنها وكأن الناس حكموا عليها بالصبر المؤبد واحتمال كل الأفعال الصادرة من طرف ابن طائش متهور سكير ويتعاطى المخدرات... ولاموها قبل أن يلوموا من تعرض إلى حقها ومس وقارها واحترامها كأغلى ما في الوجود، وعلى الرغم من الضجة التي تحدثها تلك الجرائم والمآسي على الرأي العام على غرار حوادث القتل إلا أن البعض لا يتقبل شكوى الأم بابنها وهي عار حسب بعض الذهنيات. لذلك ارتأينا النزول إلى الشارع ورصد بعض الآراء التي تباينت بين مؤيد ومعارض لاتخاذ الإجراءات الردعية ضد الأبناء المعتدين، إحدى السيدات قالت إن الوضع هو جد خطير بسبب كثرة تلك الحوادث المدهشة والغريبة والتي لم تكن تسجل في مجتمعنا بالأمس القريب ورأت أن المخدرات هي من أذهبت العقول، ولا تظن أن ابنا واعيا يستطيع القيام بتلك الأفعال التي لا يقبلها لا الشرع ولا القانون، وأيدت رفع دعاوى ضد الأبناء المعتدين لأن العزوف عنها فيها ضياع لحق الأم ويفتح الباب واسعا لتمادي الابن في أفعاله السيئة التي قد تصل إلى التعذيب والقتل كما شهدته بعض الوقائع التي مرت علينا. أما سيدة أخرى فقالت إن إجراء رفع شكوى على الابن سيكون وقعه شديدا على نفسيته ووجب على بعض الأمهات اعتماد الحلول الودية وإشراك عقلاء العائلة في فك النزاع القائم سواء كان سببه الميراث أو المال أو أشياء أخرى، ليكون رفع شكوى آخر الحلول التي تلجأ إليها الأم في حال عدم امتعاض الابن ومواصلة سلوكاته السيئة، وأضافت أنها شهدت وقائع يندى لها الجبين تمثلت في رجوع بعض الأبناء إلى رشدهم ووعيهم وندمهم الكبير على فعلتهم التي اقترفوها في لحظة غاب فيها عقلهم بسبب النرفزة والعصبية، وختمت بالقول أن تسبيق الحلول الودية عن الإجراءات الردعية سينقذ الأسرة من التفكك ويحافظ على استقرارها وهدوئها. ولتعميق الموضوع أكثر والوقوف على النظرة القانونية للآفة المتفشية كان لنا حديث مع المحامي (ب، ياسين) محامي معتمد لدى المجلس الذي أقر بالمنعرج الخطير التي اتخذته الظاهرة، الأمر الذي أدى بالمشرع إلى تشديد العقوبة التي قد ترتفع إلى 10 سنوات وربما السجن المؤبد في حالة ما أفضى الاعتداء على الأصول إلى الوفاة أو عاهة مستديمة، كما أن النص هو صريح على حسب المادة 267 من قانون العقوبات الجزائري التي تعاقب كل من اعتدى على أحد الوالدين بالضرب أو السب والشتم بتسليط عقوبة تتراوح مدتها ما بين 5 إلى 10 سنوات حبسا، وعن الجرائم المتكتم عليها من طرف الأسرة أوضح المحامي أن القانون يتحرك ويتخذ مجرياته بعد مباشرة رفع الدعوى وليس هناك أي إجراء يرغم أو يجبر الأم أو الأب على رفع دعاوى ضد أبنائهم، ويبقى ذلك وفق إرادتهم الشخصية ومدى قدرتهم على تحمل الجرم الممارس ضدهم من طرف فلذات أكبادهم والتكتم عليه.