تستشري في مجتمعنا الجزائري المسلم ظاهرة الاعتداء على الأصول وارتكاب أبشع صور العنف ضد من قال فيهما عز وجل في محكم تنزيله ''ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما..''. إلا أنه ومن الملاحظ خلال السنوات الأخيرة أن الإجرام والعنف ضد الأولياء صار سمة من سمات العصر وأحد أهم مواضيع الساعة الشائكة، فانتشار جريمة الضرب والجرح العمدي في حق الوالدين، جعلت رجال الدرك الوطني يدقون ناقوس الخطر، وحتى رجال القانون وعلماء الاجتماع، حول استفحال الظاهرة. والسؤال الذي يبقى مطروحا: ما السبب الحقيقي وراء اتساع رقعة العنف ضد الأصول في الجزائر؟ آيات كثيرة جاءت تدعو إلى طاعة الوالدين والبر بهما، ولكن لا حياة لمن تنادي في أوساط شباب ومراهقين لم يرأفوا بأمهاتهم وآبائهم وراحوا يعاملونهم أسوأ معاملة، وبدل أن يكونوا زينة الحياة الدنيا أصبحوا أسوأ ما فيها، فديننا الحنيف ينهي عن التأفف أمام الوالدين، ولذلك فآخر ما يمكن توقعه من الأبناء هو العقوق. لكن على العكس فالوضع في الجزائر خطير والأرقام التي تطلعنا عليها مختلف الجهات القضائية والأمنية أصبحت مرعبة وجريمة تهدد التماسك الأسري، فيوميا تسجل حالات اعتداء ضد الوالدين أو كليهما. شهادة الطبيب الشرعي تثبت عجزها عن العمل لمدة 8 أيام ابن سكران يضرب والدته ويسقطها أرضا من المؤسف أن الواقع يرصد لنا حالات كثيرة حول ما يتعلق بالاعتداءات على أصول تعرضوا إلى الضرب المبرح من طرف فلذات أكبادهم، جرائم لا يتقبلها العقل البشري راح ضحيتها الوالدان. في هذا الريبورتاج نرصد أربعة أمثلة من الواقع، تحصلنا عليها من قبل خلية الإعلام والاتصال لقيادة الدرك الوطني. القضية الأولى تعود وقائعها إلى الفاتح من شهر جوان الماضي، وبالضبط على الساعة العاشرة ليلا، حيث دخل المسمى (ل. ع) إلى المنزل وهو في حالة سكر وبدأ يرمي الأواني على الأرض، فقام شقيقه من والدته بمنعه، حينها نشب بينهما شجار ما اضطر والدتهما إلى التدخل لفك الشجار، فقام الشخص الموقوف بتوجيه لكمة لها على مستوى الجبهة فأسقطها أرضا لتنقل بعدها إلى المستشفى الجامعي بتلمسان حيث قدمت لها الإسعافات الأولية وسلمت لها شهادة طبية من طرف الطبيب الشرعي، تثبت عجزها عن العمل لمدة 8 أيام. ابن يشتم والده بعبارات مشينة والآخر يوجه له لكمات على مستوى الوجه أما القضية الثانية بولاية بسكرة فتعود وقائعها، حسب تصريح الضحية، إلى يوم 23 من شهر أوت المنصرم، وكانت في حدود الساعة 3016 مساء. فبعد دخول الضحية إلى منزله، لم يجد ابنه (ح) فاستفسر ابنه الثاني عن غياب أخيه، حينها أخبره بأنه غادر المنزل رفقة زوجته إلى مدينة سطيف فطلب الشاكي من ابنه الاتصال بأخيه للاستفسار عن سبب ذهابه إلى سطيف، فجأة قام الابن بسبه وشتمه بعبارات مشينة، حينها قام ابنه الآخر بتوجيه لكمات لوالده على مستوى الوجه والركل في أجزاء مختلفة من جسمه، إلى غاية تدخل الجيران الذين فكوا النزاع بينهم، الضحية أصيب بسقوط كلي للقاطعة العلوية، مع تصدع الأسنان السفلية ورضوض بالمرفقين. المعنيون تم تقديم أمام السيد وكيل الجمهورية لدى محكمة طولقة. القضية الثالثة بولاية الشلف وبتاريخ 10 سبتمبر المنصرم، على الساعة التاسعة صباحا، بينما كانت الشاكية رفقة ابنتها في منزلها، دخل ابنها المشتكى منه، حيث أراد أن يسلم عليها بمناسبة عيد الفطرالمبارك، فرفضت أمه ذلك بحجة أنه لم يزرها منذ عام بسبب المشاكل العائلية، ودخلت أخته معه في مناوشات كلامية فضربها بلكمات سببت لها جروحا على مستوى كتفها الأيمن وحاجب عينها اليمنى، فتدخلت والدته لفك النزاع بينهما، إلا أنها تلقت هي الأخرى ضربة في كتفها الأيسر. الضحيتان استفادتا من شهادة طبية تثبت العجز عن العمل والشخص المتورط تم أودع الحبس. بعد فشله في سرقة جراره الفلاحي الوالد يتعرض إلى الضرب والجرح متبوع بالسب والشتم من ابنه لتكون القضية الرابعة يوم 12 سبتمبر ,2010 في منتصف الليل عندما كان الضحية نائما بمنزله سمع صوت محرك الجرار الفلاحي يشتغل، فخرج مسرعا فلم يعثر عليه، قام بإيقاظ ابنه والالتحاق به، فتبين أن ابنه الأخر قام بسرقته، هذا الأخير عندما أدركه والده ليمسك به، قام بترك الجرار وفر هاربا. المعني أثناء أخذ أقواله أكد فعلا أنه قام بأخذ الجرار من المنزل من أجل قضاء بعض الحاجيات وليس من أجل سرقته، وبعد يومين تقدم الشاكي للمرة الثانية، من أجل رفع شكوى ضد ابنه بسبب تعرضه إلى الضرب والجرح متبوع بالسب والشتم، كما أنه قام بالتخريب العمدي للجرارالفلاحي. ولاية سطيف في المرتبة الأولى ب 17 قضية في حصيلة الشكاوى لدى مصالح الدرك الوطني قضايا وقضايا عالجتها مصالح الدرك الوطني عبر التراب الوطني، فبعضها يقشعر لها الأبدان وتشمئز لها النفوس، وكل الإجراءات المتخذة من حكومة وأسلاك أمنية لم تضع حدا لتنامي ظاهرة العنف الأسري في أوساط المجتمع الجزائري، أو بالأحرى لم تساهم في كبح هذه الجريمة الشنعاء المرتكبة في حق أقرب الناس إلى الجناة، والذين كانوا في الأمس القريب أكثر الناس عطفا وحنانا عليهم. حيث تؤكد الأرقام المتوفرة أن ما لا يقل عن 200 والد، سواء أما أو أبا، يتعرضون سنويا للاعتداء والعنف على يد فلذات أكبادهم، وهوما تثبته حصيلة الشكاوى التي سجلتها مصالح الدرك الوطني، منذ بداية السنة الجارية إلى غاية 31 أوت المنصرم، والتي تشير إلى أن 209 والد كانوا ضحايا ممارسة الضرب والجرح من قبل أبنائهم، من بينهم 105 آباء و104 أمهات، وذلك مقابل 277 ضحية الضرب والجرح العمدي ضد الأصول خلال 8 أشهر ,2009 أما بخصوص المتابعة القضائية فقد تم حبس 115 متورط والإفراج عن 108 شخص. والملاحظ أن ولاية سطيف جاءت في المرتبة الأولى ب 17 قضية وتوقيف 22 شخصا تم حبس 6 منهم. أستاذ علم الاجتماع عبد اللاوي حسين: ''أصبحنا في ظل ما يسمى بالتربية الحديثة، لا نعرف كيف نربي أبناءنا، ففي البيت يتحدى الطفل أمه وأباه ويفرض عليهم ما علق في ذهنه من مقولات عن حرية الطفل وحقوقه'' ومن الناحية الاجتماعية لهذه الظاهرة المقلقة، أفادنا الأستاذ علم الاجتماع ''عبد اللاوي حسين'' قائلا: ''إنه أمر غريب، فالكثير الكثير من العائلات الجزائرية تعاني من ظاهرة العنف بمفهومه الواسع، الذي نعرف جيدا بأن له أنواعا وأشكالا متعددة ولا حصر لها، لكن الأهم في هذا هو ذلك العنف المتعلق بالأصول أو الوالدين. فالمنظمات الحقوقية ركزت كل اهتمامها على العنف ضد المرأة والطفل، في حين أن العنف ضد الأصول لم ينل أي حظ منه بالرغم من أننا نسمع ونقرأ يوميا عن ضرب ابن لأمه العجوز بسلك كهربائي حتى الموت، أو إلقائها بالشارع، أو التخلص منها عن طريق دار العجزة، أو دحرجة أبيه مع السلم والاعتداء عليه بالضرب، ناهيك عن الشتم والسب والتهديد له بالفضيحة أمام الأهل والجيران والدخول عليه سكرانا آخر الليل، كل ذلك ربما من أجل إرث أو طمع مادي. وأشار المتحدث في سياق كلامه إلى ''أن مجتمعنا لم يكن يسمح لنفسه حتى بالإشارة إلى ما يمكن أن يفهم منه عدم احترام الوالدين، نظرا للمكانة التي يشغلها الوالدان في نظامنا الاجتماعي والديني، إلا أن الأمر تغير في ظل تربية شغلتنا عن بر الوالدين وعن أمر الله المتمثل في قوله تعالى ''وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا'' (الإسراء). وأصبحنا، اليوم، نسمع عن جريمة العنف ضد الوالدين واحتلالها المراتب الأولى في وطننا متصدرة الجرائم الأخرى من سرقة وقتل الخ، مع العلم أن العديد من الأسر لا تبلغ ضد أبنائها، لأن ذلك يعتبر عارا في عرفنا الاجتماعي. كما أصبحنا في ظل ما يسمى بالتربية الحديثة، لا نعرف كيف نربي أبناءنا، ففي البيت يتحدى الطفل أمه وأباه ويفرض عليهم ما علق في ذهنه من مقولات عن حرية الطفل وحقوقه''. وأضاف محدثنا أن أسباب تعنيف الآباء كثيرة نذكر منها التفكك الأسري الناجم عن الخلافات التي تكون بين الزوجين ونشأة الأبناء على مشاهد العنف، ومع توالي الأيام يعمد الابن إلى الانتقام من الوالدين محملا إياهم المسؤولية عن الوضعية التي آل إليها، والبطالة ذلك الشبح الذي ساهم في تكريس تفاقم الظاهرة، ولاسيما أن الجيل الحالي لا ينظر إلى الأولياء بنظرة الاحترام، بل بصفة مشحونة بالانتقام على أساس أن أولياءهم أساس معاناتهم وتخبطهم في البطالة. المخدرات هي الأخرى سبب جوهري في تفاقم الظاهرة، فتعاطي الشخص المخدرات يقتل فيه جميع الجوانب الإنسانية من إحساس بالأصول والدفء العائلي. واعتبر المتحدث هذه الأخيرة جريمة ضد الأصول، الأب أو الأم أو الجد أو الجدة الذين نهى ديننا الحنيف حتى عن مجرد إحساسهم بغضبنا تجاههم أو التعبير عن ذلك بالتأفف. المحامي عيساوي محمد: ''تصل العقوبة إلى السجن المؤبد والإعدام لمن يعتدي علي والديه باللفظ أو بالضرب'' هذا وأجمع رجال القانون واستغربوا استفحال هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، عبر قصص وروايات للاعتداءات التي ينفذها الأبناء ضد آبائهم أو أمهاتهم المتداولة عبر مداخل وأروقة المحاكم. وفي هذا الشأن أفادنا المحامي لدى المجلس الأستاذ عيساوي محمد قائلا ''إن ما خفي أعظم في هذا الملف، لأن الوالدين رحيمان بالأبناء والبنات، لكن ما يصل لأجهزة الأمن وقصر العدالة أرقام لا تعكس إلا التزايد المطرد والخطير لهذا النوع من الإجرام''، مؤكدا أن الرقم أكثر بكثير لأن معظم هذه القضايا لا يتم التبليغ عنها لتفادي الإحراج من جهة، ولعدم رضى الوالدين برؤية فلذة كبدهم، رغم عقوقه، في الحبس. وأشار محدثنا إلى أن القانون الجزائري ينص على تسليط أقصى العقوبات على كل من يعتدي على والديه سواء باللفظ أو بالضرب، حيث تصل العقوبة إلى السجن المؤبد والإعدام، وتنص المادة 267 من قانون العقوبات الجزائري على أن أي اعتداء على الأصول يؤدي إلى جرح أحد الوالدين يستلزم عقوبة تتراوح بين 5 و10 سنوات سجنا، في حال ما إذا لم يؤد ذلك لعاهة مستديمة. وفي حال ما إذا تسبب الاعتداء في إعاقة دائمة لأحد أو لكلا الوالدين، فإن العقوبة يمكن أن تصل إلى 20 سنة، وتتضاعف إلى المؤبد في حال ما إذا تسبب الاعتداء في الوفاة. وفي حال ما إذا كانت الجريمة المرتكبة ضد الوالدين مع سبق الإصرار والترصد، فإن العقوبة قد تصل إلى الإعدام. وأما إذا أقدم الأولاد على وضع آبائهم في دور العجزة أو ألقوا بهم إلى الشارع أو قصرّوا في خدمتهم، فإن العقوبة قد تصل إلى السجن لخمس سنوات، وإذا كانت الظروف المالية للابن ميسورة، فقد تصل العقوبة إلى السجن مع مضاعفة الغرامات المالية. ويستثني مشروع القانون الذي يجري إعداده، إلزامية التكفل بأحد أو كلا الوالدين من طرف البنت المتزوجة، إلا في حال ما إذا كانت ميسورة الحال وغير متزوجة أو أرملة. ف. ن