تحاملت على السلفية ولم أقرأ من كتبهم إلا بواسطة، وسميتهم بالوهابية والحشوية والنصوصيين والرجعيين والظلاميين، وأنهم أساطين التكفير والتبديع والتفسيق، كل ذلك لأن شيخي فلانا اتهمهم بعدواة الأذكار والأوراد، وأنهم المشبهة الذين لا ينزهون الله في أسمائه وصفاته، ولا يراعون مقاصد الشريعة، ولا يفقهون المصالح والحكم والغايات التي بنيت عليها، وهاجمت الصوفية ولم أعرف عنهم إلا ما نشره أعداؤهم ومخالفوهم، وأنهم عباد القبور وأرباب الشركيات والبدعيات الكفرية، ولعنت الشيعة وخلدتهم في النار ونسبت إليهم كل الموبقات والمهلكات على رغم عدم اطلاعي على كتاب واحد من كتبهم، وإنما كله عبر مقاطع فيديو لشيخ مغمور من مشايخهم أو بواسطة ما ردده شيخ متحامل من مشايخي الذي انتقى من كتبهم ما يعترفون بضعفه أو شذوذه، وبدعت الأشاعرة ولم أفهم حتى مصطلحاتهم وركائزهم ومستند تأويلاتهم، وحكمت على المعتزلة بالزندقة ولم أع حتى أصولهم الخمسة، ولو سألني أحد عن تفاصيلها لضعت وضللت. هكذا هاجمت جميع من سماهم مشايخي الإقصائيون بالسرورية والجامية والقطبية والمداخلة والمرجئة الجدد والعقلانيون المعتزلة. لقد هاجمت هؤلاء جميعا من خلال ممارسات أتباعهم وليس من خلال المبادئ والأصول والعقائد التي هي المعيار الحقيقي للحكم على المعتقدات والأيدلوجيات والمذاهب. لقد هاجمتهم جميعا من خلال التركيز على الشذوذات التي قالها عالمهم هذا وذاك، وتغاضيت الطرف عن مذهب السواد الأعظم من علمائهم. لقد هاجمتهم من خلال الأخذ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة التي هي موجودة في ثنايا كتبهم، ولم أتبع القواعد المنهجية والعلمية والتحقيقية التي يحكّمونها على هذه النصوص. لقد هاجمتهم لأني أخذت بالتأويلات البعيدة التي لا يقولون بها، ولا تتماشى مع قواعدهم ولا حتى ظاهر اللغة العربية التي استخدموها، وإنما فقط لأني كنت صيادا في الماء العكر. لقد هاجمتهم لأني اعتقدت فيهم كل الرزايا والبلايا قبل أن أقرأ لهم كتابا أو أستمع إلى درس.لقد هاجمتهم لأني حتى قبل أن أقرأ لهم كنت أبحث عن مواطن الخلاف بيننا وليس عن مواطن اتفاق. أقرأ لهم وعندما أرى قولا قريبا مما أعتقده أحزن لأنه قد ينجيهم من سلاح تكفيري، وعندما أر لهم قولا زائغا أو (أعتقده زائغا) وخارجا عن الصواب أفرح لأنه يجعل بيننا برزخا وحجرا محجورا. وهكذا ربيت وكونت، وشيدت المصانع التي أنتج من قوالبها أفكاري وبرمج في كومبيوتراتها آرائي، لقد تمت برمجتي أن لا أنظر إلى غيري إلا من خلال نقاط الخلاف والاختلاف، وأن الحق واحد ولا يملكه إلا شخص واحد ولا يمكن أن يكون ذلك الواحد إلا أنا، وبالتالي فمن ليس معي في ذلك الحق فهو ضدي، ومن كان ضدي فلا يستحق تعايشا ولا احتراما متبادلا بل لا يستحق إلا الحرب الضروس والمعركة التي لا تنتهي على مر الأيام والدهور. وهكذا نجحت هذه الخطة الإقصائية، فصممت آذاني وقفلت قلبي وتعاميت عن قراءة كتب المخالفين وعن التحاور والتجادل معهم بالتي هي أحسن، تماما مثل الخطة التي وضعها قريش للصحابي الجليل الطفيل الدوسي عندما دخل مكة فحاولوا برمجة عقله وإغلاقه بأن لا يستمع إلى القرآن وإلى نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ولكن ذلك الصحابي اليقظ الصاح تفطن واستيقظ وعرف أن من الغباوة أن يعيش من خلال إملاءات غيره، ومن السذاجة أن يتخذ أحدا وصيا على أفكاره وعقله، ومن هناك رمى الكرسف الذي وضعه في أذنه واستمع إلى محمد وقرآنه فانشرح صدره للحق والهدى، فهل سأستمع إلى غيري وأرفض الوصايات الدينية والفكرية والاجتماعية والمذهبية، وأرمي بقطني كما رمى طفيل قطن أذنه لأبصر الوجه الآخر من الآراء والحقائق والمنطلقات كما أبصر طفيل الحق والهدى والنور بعد أن رمى كرسفه؟!!!